اندلعت تظاهرات سلمية حاشدة في غواتيمالا ضد رئيس البلاد المحافظ اليخاندرو جيامّاتي, بسبب غياب الشفافية في إقرار الميزانية العامة ٢٠٢١ التي لا تلبي متطلبات حل المشاكل الاجتماعية مثل الفقر وانتشار سوء تغذية الأطفال, وادارة تخصيصات مكافحة جائحة كورونا وحل المصاعب الاقتصادية للمواطنين, اضافة الى اتهامات للسياسيين بتضمينها امتيازات لهم.
وقد أطلق المتظاهرون اسم ” ثورة الفاصولياء ” على احتجاجاتهم بعدما وصف النائب عن حزب الرئيس, الحزب الوطني المحافظ , روبين باريوس المتظاهرين, متهكماً, بأنهم من ” أكلة الفاصولياء “.
وانتشر تبعاً لذلك وسم #فريخوليروسونيدس ( الفاصولياء موحدة ) على شبكات التواصل الاجتماعي , والذي تحول من كونه احتجاجاً اجتماعيا – اقتصاديا الى سياسي ايضاً بعد إطلاق دعوات بتنحي الرئيس اليخاندرو جيامّاتي.
وكان البرلمان الغواتيمالي ” الكونغرس ” المؤلف بمعظمه من أعضاء الحزب الوطني المحافظ الحاكم وأحزاب مرتبطة به, قد صادق على ميزانية بقيمة ١٣ مليار دولار, هي الأكبر في تاريخ البلاد.
رغم ما قد يذهب إليه البعض من عدم إمكانية اجراء مقاربة بين غواتيمالا والعراق, وأن لا وجه مقارنة بينهما, لا من حيث حجم الثروات والسرقات ولا مستويات الفقر والكثافة السكانية والتنوع الإثني ولا أهمية الموقع الجيوسياسي….. وهذا صحيح, إلا انهما, من جانب آخر, يشتركان في العراقة التاريخية : حضارة المايا وحضارات بلاد ما بين النهرين, والحضور الدكتاتوري الدموي في تاريخهما السياسي والعنفوان المعارض له, كما تمكن الفساد من مفاصل الدولة, والطبيعة السياسية المحافظة للسلطات الحاكمة في البلدين وقربها من المؤسسة الدينية وتبعيتها للأجنبي, وتماثل المطالب الشعبية بالعدالة الاجتماعية.
كلاهما يعتمدان اقتصاداً أحادي الجانب… فكما أن غواتيمالا جمهورية موز فان العراق جمهورية نفط وحسب.
ومن المقاربات الاساسية المستجدة التي لابد للمتابع ان يخلص الى وجودها بين غواتيمالا والعراق, هي التقائهما في إطلاق حكومتيهما لميزانية هي الأكبر في تاريخ البلدين ( غواتيمالا – ١٣ مليار دولار والعراق – ١٠٣ مليار دولار !!!) للسنة الجارية ٢٠٢١, هما موضع نقد وشك شعبي واسع.
لكن من أبرز التباينات حضوراً بين البلدين هو تقدمهم علينا بعدم وجود ميليشيات تقمع المواطنين, وتغولها عندنا في العراق !
كذلك اختلاف طريقة تعامل السلطات الحكومية المنضبط مع المحتجين الغواتيماليين والمتعقل مع مطالبهم, رغم حرقهم لمقر الكونغرس – البرلمان, عن عمليات القمع الوحشي الممنهج للمحتجين العراقيين السلميين.
فبمجرد استعمال قوات الشرطة الغازات المسيلة للدموع لتفريقهم وإصابة بعض المواطنين, صعدّوا من سقف مطالبهم وطالبوا بإقالة وزير الداخلية جيندري رييس.
ورغم كل ما حدث فلا الحزب الحاكم ولا السلطات الأخرى لم تعتبرهم مدفوعين من سفارات أجنبية, مثل كوبا أو حتى فنزويلا التي قطع رئيس البلاد اليميني جيامّاتي العلاقات الدبلوماسية معها بسبب ضغوطات امريكية لمحاصرة حكومة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو.
وفي المقابل, لايخفى على أحد طبيعة تعامل الطغمة السياسية الحاكمة في العراق وميليشياتها, الوحشي, مع منتفضي انتفاضة تشرين ٢٠١٩ المجيدة, والإمعان الإجرامي في قمع ثوارها, مع شنهم حملات تشويه لسمعتهم وتسفيه مطالبهم بالتغيير ومحاربة الفاسدين, واصرار القتلة على التمسك بنهجهم الفاشي.
وبينما اتخذ البرلمان الغواتيمالي خطوات عملية في الاستجابة لمطالب المحتجين, بتجميد إقرار الميزانية , ودعوة رئيسه للمتظاهرين الى التفاهم للوصول إلى حلول مشتركة, فإن ممثلي الشعب في برلماننا آثروا الصمت والتغليس عن الدماء التي سالت في ساحات التحرير السلمية, ناهيك عن متابعة المطالب التي انتفضوا لأجلها, وآثروا التغافل عن معاناة أبناء الشعب والبقاء سادرين في سرقاتهم وامتيازاتهم.
رفع محتجو غواتيمالا شعار: ” نريد تغييرات جذرية لا اجراءات شكلية !” لأنهم يتعاملون مع نظام دولة مؤسسات متمكنة.
شبابنا المنتفض رفع شعار : ” نريد وطن !” لأن أحزاب الأسلام السياسي الحاكمة وميليشياتها اختطفوه, كما ملك يمين !
ولابد, منتفضو تشرين مسترجعوه !