لقد شكل مفهوم الهوية والانتماء للعراق قديماً اشكالية كبيرة جراء هجرة الاقوام الى بلاد وادي الرافدين طلباً للماء والارض الخصبة ، وكانت على شكل مستعمرات سكانية وسرعان ما انشأوا المدن العامرة فيما بقي سكان العراق القدماء ينظرون الى هذه الاقوام باعتبارها غازية لهم ومع مرور الوقت انصهرت هذه الاقوام وشكلت حضارة العراق القديمة . و تختلف هوية الامس عن هوية اليوم نظراً لتعلقها بشكليات عديدة اهمها لا يمكن السفر او النزوح من مكان الى اخر الا بموافقة البلد التي يسكن فيه والبلد الذي يرحل اليه لان الفرد قد اكتسب هوية البلدان التي عاش فيها وبتطور القوانين الوطنية للدول اجازت للفرد ان يحمل اكثر من هوية ، ولكن تبقى هوية الاصيل ليس كهوية المكتسب او المتجنس كما يطلق عليه في دوائر الجنسية ، اما مفهوم الانتماء فهو نتاج تاريخي وجغرافي لا يتولد الا نتيجة للعيش المشترك ومع اتساع فضاءات الانتماء للوطن انكمشت التقاليد والثقافات وتراجعت قيم ومفاهيم الانتماء للقبيلة والمكون واضحى الدفاع عن الوطن من مسلمات الهوية والانتماء . وكلما تنوعت المكونات في البلدان زادت من خطورة الانفصال والتطرف وهذا لا يعني عدم وجود بلدان ذات مكونات عديدة وتعيش في وئام وسلام . والعراق عاشت على ارضه طوائف وقوميات واديان انصهرت فيما بينها لتولد بلد اسمه بلاد وادي الرافدين . ما نراه اليوم من بروز نزعة الانتماء القومي والديني والمذهبي على الانتماء الوطني يأتي جراء حصول هذه المكونات على قدر كبير في الحرية وتعرضها الى الحيف والاضطهاد من قبل الانظمة الشمولية خلق لديها شعور الانتماء الفرعي مما أحدث عنه هويات فرعية بديلة على الهوية الاصلية وهي الوطن وبدأ كل مكون يعد نفسه لمواجهة المكون الاخر ، فتراجع مفهوم الوطن ( العراق ) الدولة وحل محله الاقليم والانفصال . نعتقد ان السبب الاول هو الكبت والحرمان الذي عاشته المكونات منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1920م ، فضلاً عن وجود تدخل دولي واقليمي لرسم خارطة جديدة للمنطقة ويعمل على تحقيقها من خلال ادواته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية ، اضافة الى تراجع مستوى طموحات الشعب لا سيما المثقفين منهم ، بعدما كانوا يطالبون بالوحدة العربية ووحدة حركة دول عدم الانحياز ، وتبني الاحزاب الاممية اليات عمل لتحقيق وحدة الطبقة العمالية وتحرير امريكا اللاتينية . لذا ينبغي تصحيح مسارالعملية السياسية من خلال ترسيخ مفهوم الحق المدني والسياسي لكل عراقي والعمل على تحقيق الرفاهية للشعب مما سيرتفع تدريجياً مؤشر الانتماء الوطني على الانتماء الفرعي .