“بوفاة رفسنجاني فقدت إيران نصف دهائها .. ( عنوان لمقال منقول لم يذكر كاتبه, وصلني من صديق)
عندما زار وفد مجلس الحكم الأنتقالي في عام 2003, وعند لقاء الوفد رفسنجاني شرع الجعفري بلقاء خطبة ملؤها الفراغ تحدث فيها عن الشعر والفلسفة وشيء من الترابط الثقافي بين البلدين .. وما كان لرفسنحاني الآ ان يكون مطرق الرأس باحثاً في حبات سبحته التي كان يقلبها ذات اليمين وذات الشمال والسبب لدهشته عن عدم الأستراتيجية للوفد العراقي في مباحثاته مع الجانب الايراني ، فضلاً عن خلو ادمغة الوفد عن أي فكرة لما ستؤول الأمور في بلادهم في المستقبل القريب ..
كان رد رفسنجاني بثلاث تساؤلات وجهها للوفد ؟
أولاً : للمنطقة الخضراء ٣ بوابات ماذا ستفعلون لو اغلق الامريكان بواباتها وحرمكم من السلطة .
ثانياً : أنتم القيتم بكل ثقلكم على ايران معتمدين عليها حتى في اموركم الجزئية التافهة ، ماذا لو تعرضت ايران لحملة عسكرية من الغرب و فقدت قوتها التي تعتمدون عليها ؟ أين ستولون وجوهكم ؟
ثالثاً : سمعت ان انصاركم في الوسط وجنوب العراق يعانون الأمرين من الفقر وانعدام الصحة والتعليم والعمل ، لماذا لم تحدثونني عما ستفعلونه لجمهوركم المسكين والمضحي هذا ؟
غادر بعدها رفسنجاني الاجتماع .. تاركا الوفد بذهوله .. !”
إستوقفتني الفقرة ( ثانياً ) من رد رفسنجاني.
لم يتنبأ رفسنجاني وحده هذه النبوءة ان صحت, بمستقبل العملية السياسية في العراق بل تم تبنيها عند اعداد خطة وزارة الكهرباء المركزية في حينها, لكون النبوءة منطقية التوجه والاستراتيجية, خاصة فيما يتعلق باعتماد صناعة الطاقة باستخدام الغاز الايراني مؤقتا ولحين استثمار مشاريع استثمار الغاز المصاحب لانتاج النفط واستثمار الحقول الغازية ضمن جولات التراخيص في عام 2014 والتي لم تكتمل لتاريخه.
على ضوء مؤشرات التأخر في استثمار الغاز المصاحب في جولة التراخيص الاولى و اشكاليتها مع شركة بريتش بتروليوم لتجهيز محطات انتاج الطاقة الكهربائية وحسب الخطة الوقودية مع وزارة النفط , تم الشروع في عام 2009 في اعداد دراسة جدوى بتجهيز بعض المحطات الغازية العاملة والجديدة على الغاز الطبيعي المستورد من أيران و بشكل مؤقت, من خلال انبوب لتجهيزالمحطات الغازية في المنطقة الوسطى بكميات تصل الى 800 مليون قدم مكعب قياسي باليوم, ثم توسعت الدراسة لاحقا بأنشاء خط ثان لتجهيز المحطات الغازية في المنطقة الجنوبية بكميات تصل الى 1000 مليون قدم مكعب قياسي باليوم من الغاز الطبيعي ولفترة محددة لاتتجاوز الخمس سنوات ولحين إيفاء وزارة النفط بإلتزاماتها بالخطة الوقودية, خاصة بعد تأخرها في إنشاء البنى التحتية الخاصة بتوفير الوقود المطلوب لتشغيل محطات انتاج الطاقة الكهربائية, من انشاء مصاف جديدة وشبكة لخطوط الانابيب, واستثمار الغازالطبيعي بنوعيه الحر من المكامن الغازية والمصاحب من الانتاج النفطي الذي يحرق بكميات كبيرة ولحد كتابة هذه السطور. وتركيزها فقط على قطاع الاستخراج النفطي من خلال جولات التراخيص, ولا يزال انتاج المشتقات النفطية للمصافي العاملة لاتلبي الحاجة التشغيلية لمحطات انتاج الطاقة الكهربائية, خاصة بعد تضرر اكبر مصافي العراق في بيجي من قبل زمر داعش الارهابية, ولا تزال الصناعة النفطية الاستثمارية خاصة في بناء المصافي الكبيرة غامضة او خجولة, وإنعكس ذلك سلبا على انتاج الطاقة الكهربائية.
في خطة وزارة الكهرباء الموسعة الصادرة في شهر تشرين الثاني عام 2010 والمقدمة من قبل الشركة الاستشارية بارسنز برنكرهوف, التي تحددت سياستها اساسا من عدم التوسع في اعتماد المحطات البخارية بسبب انخفاض الواردات المائية لنهري دجلة و الفرات على ضوء انشاء تركيا لمشاريع السدود في جنوب شرق الاناضول, ولكون العراق بلد المصب, انخفضت مناسيب مياه نهري دجلة و الفرات الى مستويات الحدود التشغيلية الدنيا ومنذ تسعينات القرن الماضي. و على ضوءه تم تحديد مواقع و سعات المحطات البخارية في الخطة المائية لوزارة الري في حينها, والتي تم ويتم حاليا تنفيذ مشاريع المحطات البخارية المعرفة في الخطة المائية. ولمحدوديتها, اتجه قطاع الكهرباء ومنذ تسعينات القرن الماضي الى التوسع في انشاء المحطات الغازية الكبيرة ذات الكفاءة العالية وسرعة الانشاء وانخفاض كلفها الاستثمارية وحتى التشغيلية. وبناءً على استقراءات منحنيات الطلب على الطاقة الكهربائية المتضمنة في الخطة المركزية للفترة (2011-2030) , يكون حمل ذروة الطلب في عام 2020 بحدود 25000 ميكاواط , التي يتطلب فيها تأمين الوقود الغازي لتشغيل القدرات المؤسسة لمحطات الانتاج الغازية بكمية 6000 مليون قدم مكعب قياسي يوميا , وليكون حمل ذروة الطلب ايضا على الطاقة الكهربائية في عام 2030 بحدود 40000 ميكاواط, التي يتطلب فيها تأمين الوقود الغازي بكمية 8000 مليون قدم مكعب قياسي في اليوم كحد ادنى لتشغيل كافة محطات الانتاج الغازية فقط.
ولغرض تأمين تجهيز الطاقة الكهربائية الى المستهلكين, اعتمدت الخطة المركزية استخدام انواع الوقود الاخرى من(زيت الغاز , زيت الوقود , النفط الخام) لشغيل المحطات الغازية كبدائل ثانوية عن استخدام الغاز الطبيعي و بشكل مؤقت عند عدم توفره لاسباب استراتيجية او اضطرارية . ولإهمية تامينه لتشغيل المحطات باتاحة وكفاءة عاليتين، قدمت وزارة الكهرباء عدة مقترحات في عام 7200 لاستثمار حقول المنصورية والسيبة وعكاز الغازية لصالح وزارة الكهرباء, لم توافق وزارة النفط على هذه المقترحات في حينها ولا على غيرها بانشاء مصاف صغيرة متخصصة بانتاج انواع الوقود المتخصصة كونها من اختصاص عمل وزارة النفط. حيث يقدر الاحتياطي الموثوق للغاز الطبيعي في المكامن النفطية والغازية حسب بيانات وزارة النفط بحدود 131 ترليون قدم مكعب منها 98.3 ترليون قدم مكعب الاحتياطي للغاز المصاحب للانتاج النفطي ليمثل نسبة %75 من الاحتياطي الاجمالي للغاز الطبيعي. ان انتاج الغاز المصاحب حاليا بمقدار 2800 مليون قدم مكعب قياسي في اليوم , لتحرق منه كميات بمقدار 1700 مليون قدم مكعب قياسي في اليوم وهذا يكافئ انتاج طاقة كهربائية من محطات غازية بسعة 6000 ميكا واط ويكافئ ايضا انتاج كميات من النفط الخام بمقدار 194 الف برميل يومياً, وهذا يعني نزف مستمر جراء حرق المزيد من الغاز الطبيعي المصاحب, في ظل سياسة نفطية غير واضحة الاهداف في الصناعة النفطية بعيدا عن سياسة رسمت لقطاع الطاقة في اجتماعات لجنة الطاقة الوزارية ومثبتة في الخطة الوقودية والمتضمنة في الخطة الاستراتيجية لوزارة الكهرباء, ليكون اهتمامها فقط على قطاع الاستخراج النفطي من خلال جولات التراخيص. و يقدر الاحتياطي الموثوق للغاز الحر بحدود 32.7 ترليون قدم مكعب, ويمثل نسبة % 25 من الاحتياطي الاجمالي للغاز الطبيعي موزعة في حقول ( عكاز، المنصورية، الخشم الاحمر،كورمور, السيبة، جمجمال ) وبمعدل انتاج يومي بمقدار 1500 مليون قدم مكعب يوميا بعد استثماره, والذي يكافئ انتاج 5000 ميكاواط من الطاقة الكهربائية. و بدلا من دعم تنفيذ الخطة الوقودية مع وزارة النفط وحسب البرنامج الزمني لتجهيز الغاز الطبيعي من مصادره الوطنية كبديل عن استيراد الغاز الايراني لغرض تشغيل المحطات الغازية, اضافة الى ذلك تم الانحراف عن تنفيذ الخطة المركزية لوزارة الكهرباء في الاعوام ( 2014 و 2015 و2019 ) بسبب تدخلات سياسية فرضت فيها على الوزارة أربعة مشاريع انتاج غازية استثمارية بسعة اجمالية بمقدار 10000 ميكاواط لانتاج الطاقة الكهربائية تعمل على الغاز الطبيعي فقط, ومغادرةً عن السياقات الفنية والقانونية التي وضعتها الشركة الاسكتلندية آي بي أي المتعاقدة مع وزارة الكهرباء في عام 2009 والمتخصصة في بناء المنهاج الاستثماري لقطاع الطاقة الوطني, مما اضطرت وزارة الكهرباء بعد توقيع عقود المشاريع الاستثمارية الاربعة, ولالتزامات تعاقدية مع الشركات الاستثمارية, تلتزم وزارة الكهرباء بتوفير كميات الغازالطبيعي مرغمة بتجهيز هذه المحطات بالغازالمستورد من جمهورية ايران الاسلامية, والمخصص اساساً لتشغيل محطات انتاج الطاقة الغازية التي تم تنفيذها من تخصيصات الوزارة الاستثمارية وحسب برنامج الخطة المركزية والخطة الوقودية, مما اضطرت وزارة الكهرباء بالاستمرار بتشغيل محطاتها على انواع الوقود البديلة بكفاءة منخفضة وباتاحة اقل وبكلف تشغيلية عالية. اذن, فما هي الجدوى من تنفيذ مشاريع الشركات الاستثمارية لمحطات انتاج غازية في بيئة غيرمهيئة استثمارياً و فنياً و غير مهيئة تصميمياً لتعمل على أنواع وقود بديلة عن الغاز الطبيعي؟, ولتستحوذ على كميات الغاز الطبيعي المخصصة لمحطات انتاج الطاقة الغازية العاملة والمنفذة من قبل الوزارة من تخصيصاتها الاستثمارية.
ونتساءل الان هل تحققت نبوءة رفسنجاني؟ خاصة عندما تكون الخسارة مركبة متأتية من فقدان قدرات انتاجية بمقدار 6000 ميكاواط عند توقف تجهيز الغاز الايراني لاسباب فنية او مالية, وكذلك من خسارة مالية بسبب الاجحاف في الالتزام التعاقدي مع الشركات الاستثمارية لتسديد قوائم شراء طاقة كهربائية وبدون تجهيزطاقة كهربائية, وحسب اسلوب عقد شراء الطاقة (خذ -أو- ادفع), مع استمرار حرق الغاز المصاحب بكميات 1700 مليون قدم مكعب يوميا الذي يكافئ انتاج 6000 ميكاواط من الطاقة الكهربائية المفقودة من جراء توقف تجهيز الغاز الايراني. لتستمربسببها معاناة المواطن ويستمركيل الاتهامات لوزارة الكهرباء والتشكيك بانجازاتها.