تردد في البداية للاستمرار في هذا الحوار ولكنه في النهاية قرر قول كل شيء دون رجعة.” حسناً إنتبهي لما سأقوله ولكن أرجو عدم المقاطعة لحين إتمام حديثي “. ابتسمت وهي تقول ” حسناً لك ما تريد” . أردف قائلاً ” لقد إخترتُ واحده منهن ولن أتراجع في إختياري..إن لم تقبل بي فلن أتزوج غيرها على ألأقل في السنوات العشرة القادمة..” اندفعت قائلة كأنها طفلة صغيرة تتوق لسماع نهاية الحكاية ” مَنْ …مِنهنَّ صاحبة الحظ الكبير؟ قل بسرعة” . صرخ بنفاذ صبر” ألم أقل لكِ لاتقاطيعينني” . اعتذرت بحياء وصمتت. قال بحياء ملحوظ” لقد إخترتُ سعاد..اقصد أنتِ..هل توافقين على الزواج مني؟”. صُعِقتْ لكلامهِ . ظلت تنظر إليه مذهوله كأنها في حلم أو كابوس لاينتهي. شعرت أن تياراً كهربائياً يجتاح جسدها كله. تمالكت نفسها في النهاية ثم اندفعت قائلة” هل تعي ما تقول أم أنها مجرد نزوة عابرة؟ هل نسيتَ أنني أرملة ؟ اقصد لستُ عذراء. هل فكرت بفارق العمر بيننا؟ أنت بعمر أمجد أو ربما أكبر منه بسنةٍ واحدة؟ بقية الفتيات عذراوات وشابات وأصغر منك…أعتقد أنك أخطأت الأختيار.” تنهدت ثم أردفت قائلة ” ماذا سيقول الناس عنك؟ لقد تزوج إمرأة بعمر والدته..أو ربما شيء آخر”. لم يقاطعها . تركها تفرغ ما بجعبتها حتى سكتت. قال بهدوء” هل لديكِ شيء آخر تضيفينه؟” هزت راسها علامة النفي. نظر إلى أعماق عينيها وهو يقول” وجدتُ فيكِ كل شيء أحلمُ به…التضحية في سبيل الآخرين..ألأخلاص لمن يحيط بكِ..عدم التذمر حينما تحدث أشياء مزعجة..هادئة المزاج في الظروف الصعبة..طيبة قلب لايمكن أن أجدها في نساءٍ كثيرات..حنان مفرط ..تشبهين أمي في بعض الحالات..تشبهين شقيقتي في بعض الحالات..لايهمني فارق العمر أبداً.” سكت قليلاً كي يلتقط أنفاسه بعدها ” أربع سنوات أو خمسة بيننا لن تؤثر في حياتي أو حياتك طالما أنا راغبٌ فيكِ لدرجة الجنون..لن أتزوج أخرى طالما أنتِ على قيد الحياة وهذا كلام رجل لن أتنازل عنه مهما حدث. ستتعلمين القراءة والكتابة كما سيحدث ذلك لباقي الفتيات..سأبذل قصارى جهدي لتعليمكن أي شيء أعرفه. لن أنسى تلك الليالي التي كنتِ تسهرين لمعالجتي. ليس هذا من باب رد الجميل أو الشفقة . أنتِ جميلة جداً في نظري وأنثى بكل معنى الكلمة وقد فكرتُ بكِ منذ اللحظةِ ألأولى التي رأيتكِ فيها. أنا آلآن فقير من الناحية المادية وليس لدي أب أو أخت وربما أم لأنني حينما هربت من البيت كانت أمي على قيد الحياة وشقيقتي. أنا أحتاج إلى أم وشقيقة وزوجة ولن أجد هذا إلا في إمرأة تشبهك…لن أكرر الطلب بعد ألأن ولن أطلب من أمجد أن يحاول إقناعك لأنها حياتك الخاصة ولايحق لأي أحد التدخل فيها. طلبتُ من أمجد أن يمنحني سنة للتفكير ولكنني توصلت إلى قناعة تامة من أنك الزوجة المناسبة لي. أنا لستُ طامعاً في شبر واحد من أرضكم ولا في أي شيء آخر ..على العكس أنا مدين لكم جميعاً . لاتتخذي قرارك الآن ..لديك وقت كافِ ولكن تذكري أنني لن أطلب يد أي واحدة آخرى من شقيقاتكِ أما أنتِ أو لازواج لمدة عشر سنوات منذ هذه اللحظة. إذا كان جوابكِ مشجعاً فأنني سأتحدث إلى امجد هذه الليلة وأطلب يدك للزواج بصورة رسمية وفي غضون شهر سنتزوج …ولكن لن أستطيع أن أشتري لكِ أي شيء في الوقت الحاضر لأنني مفلس تماماً ..عندما تسير ألمور معي على مايرام عندها سأشتري لكِ كل شيء…الأمر متروك لكِ” .
دون تفكير قالت ” أنا موافقة من الناحية المبدئية ولكن هناك شيء آخر يجب أن تعرفه عني..لاأدري إذا كنت ستبقى على كلامك إذا عرفته….أنا عاقر ولن ألد لك ألأطفال…هل تقبل بأمرأة لاتلد؟” اندفع قائلاً ” لا أريد أطفال ..أريد زوجة اخترتها بكل عاطفة كامنة في قلبي. أعرف كثيرون ليس لديهم أطفال ولكنهم سعداء ويحبون بعضهم البعض..أقبل بكِ حتى لو كنتِ عاقر.” نظرت إليهِ وقد إرتسمت على شفتيها ابتسامة باهتة. نظرت نحو الطرف الاخر من ألأرض وهي تقول ” هل هذا قرارك ألأخير؟ الن تندم فيما بعد؟” . قال على عجلٍ من أمرهِ ” لن أندم أبداً لحظة واحدة وهذا هو قراري ألأخير.” سكت برهة من الزمن ثم أستطرد قائلاً” حينما عرفتُ أنكِ لحقتِ بي عند الطريق السريع عرفتُ كم أنتِ تهتمين لحالي ولسلامتي..شعرتُ أن خيطاً روحياً يربطني بكِ..علاقتي معك لن تكون مجرد علاقة جسد وفراش …لا..لا..أبداً..ليس هذا هو هدفي من الزواج بكِ..لقد وجدتُ فيكِ أشياء أخرى لن أجدها في شخصٍ آخر..أنا متأكد أن حياتي معك ستكون مثمرة ومليئة بالإنجازات الكبيرة..ستكونين الدافع للنجاح في أشياء ومواقف كثيرة..إضافة إلى كل هذا أنتِ فاتنة وأفتخر بجمالكِ اينما ذهبتُ معكِ” . كانت تنظر إليهِ فاغرة الفاه. لم يقل لها شخص من قبل مثلَ هذه الكلمات الجميلة وهذا الإطراء الذي تحلمُ به كل امرأة وكل فتاة. كان جسدها يرتعش لأسباب لاتعرفها ..هل هو الحياء أم لذةٌ كانت تفتقد إليها طيلة سنواتٍ طويلة. لم تعد تعرف ماذا تقول له. شعرت أن لسانها قد إنعقد تماماً . كانت تبحثُ عن شيء كي تتصرف بشكلٍ طبيعي كعادتها في أحلك الظروف القاسية كتلك التي عصفت بها في مواقف كثيرة. دون وعي قالت ” متى تريد الزواج بي؟” لم يقل شيء. كان هناك بريقٌ شديد قد ظهر في عينيهِ . اندفع قائلاً ” غداً…لا..لا..هذا اليوم “. ضحكت هذه المرة مليء شدقيها وهي تقول ” إلى هذه الدرجة أنت راغبٌ في الزواج ؟
دون حياء أوإرتباك هذه المرة مسك يدها بحنان وهو يقول ” ولماذا التأخير؟ أنتِ موجودة وأنا موجود والتآلف موجود ..الحياة قصيرة والعمر يتقدم ” صمت قليلاً ثم إستطرد مضيفاً” العائق الوحيد هو أنني لا أستطيع شراء غرفة حديثه لك وبقية الأشياء الأخرى التي تتعلق بعملية الزواج…بالنسبة للغرفة أستطيع أن أصنعها بنفسي وحسب المواصفات التي تريدينها ..أما الذهب والملابس فسأترك قضيتها حينما أخرج من حالة الفقر المادي التي أمر بها في الوقت الحاضر. أنا موافق أن تبقى في هذه الملابس التي ترتدينها ألآن ..لن يغير هذا من إعجابي بك والأرتباط معاً.” نظرت إليه بحزنٍ شديد وإعجابٍ مديد ..مسحت دمعة صغيرة انحدرت دون توقع. قالت متنهدة ” لاأعرف ماذا أقول؟ هل أنا في حلم أم أن هذا واقع ملموس؟ حينما طلبت يدي قبل قليل كنتُ أتصور أنك تمزح ولكن من خلال تقدم الكلام شعرت أنك جدي…ولكن إسمع ياطارق سأتحدث معك بصراحة مطلقة ” ترددت في البداية لقول ما كانت تريد قوله ولكنها في النهاية قالت بثقة كاملة ” إذا تزوجنا فأنك ستكون مخلص لي حتى الموت..أقصد لن تتزوج أخرى أو تنظر إلى آخرى بطريقة تفهم ماأرمي إليه..سواء كانت من شقيقاتي أو واحدة غريبة..إذا أحسستُ أنك نادم على مافعلت فأن عقابك سوف يكون عسير…قد أقتلك وأقسم على ذلك. منذ موت زوجي قررت أن لاأتزوج أبداً لأنني كنت أحبه ولكنك أقنعتني بطريقة أو أخرى. لاأريد أن أكون لعبة في يد شخص آخر لاسامح الله. سأمنحك كل شيء جسدي وروحي فلا تحاول اللعب في عواطفي سنة من السنين أو يوماً من ألأيام لأنني حينما أحب أفعل ذلك بكل قوة وعندما أكره فأنني أدمر المحيطين بي. هل توافق على هذا؟ هل تستطيع أن تفي بعهدك؟ فكر جيداً قبل أن تتخذ قرارك ألأخير. بالمقابل سأكون مطيعة لك وأنفذ ما تريد إذا كان لا يغضب الله أو التقاليد ألأجتماعية. سأقف إلى جانبك في كل شيء …لااريد غرفة حديثة ولا ملابس راقية ولاذهب. ستكون بداية بسيطة دون أن نشهر ذلك على الناس أقصد سنتزوج بطريقة صامته ما عدا أنني سأنتقل للعيش معك في غرفتك التي تعيش فيها ألآن. إذا أردت أن تقول لأمجد اليوم إفعل ذلك وإذا كنت لاتستطيع فأنني أستطيع أن أتحدث إليه هذه الليلة.” قاطعها قائلاً” لا..لا..أنا أتحدث إليه..تصرفي وكأنك لاتعرفين أي شيء عن الموضوع..وتعقيباً على كلامك ..أنا موافق ولن أخذلك أبداً ..” في تلك اللحظة دق هاتفها النقال ..كانت سارة على الطرف الآخر ” أين أنتما ؟ الساعة الآن الرابعة ..لقد تأخرتما” صاحت سعاد ” حسناً نحن في الطريق إلى البيت”. نهضت قائلة ” إتفقنا إذا على بركة الله”. شعر بسعادة غامرة ومعنويات عامرة قال لها” هل تستطيعين الركض؟ أشعر أن هذه ألأرض لاتسعني من السعادة.” راحا يركضان وسط ألأرض المتعرجة وقد مسك يدها بقوة. بين فترة وأخرى كانت تصرخ بسعادة ” إترك يدي أشعر أنك ستكسر أصابعي ” كان يركض بسرعة كبيرة ..يسحبها بقوة كي تكون قريبة منه. كانا يلهثان من التعب. من بعيد ظهر البيت كأنه شبح غير متضح الصورة. قالت ” إترك يدي لقد شارفنا على الوصول”. حرر يدها. كان يسير إلى جانبها وقلبه يدق بعنف. قال بلهفة ” هل يمكن أن تكوني لي غداً؟ لا أستطيع الأنتظار”. نظرت إليه وقد إتقد وجهها إحمراراً ” كل شيء بأمر ألله..من يدري ربما نعم..وربما لا…فلنترك هذا للظروف”.
عند وصولها إلى البيت كان الجميع في انتظارهما لتناول الغداء. ذهبت سعاد لأعادة أدوات التصليح إلى مكانها في حين توجه طارق لتنظيف يديه من آثار الأوساخ الدهنية العالقة في أماكن مختلفة دون تفكير قالت للفتيات” إسمعن جيداً..ساتحدث عن موضوع مهم جداً.” سكتت قليلاً فقد أحست بشعور غريب من الحيرة والتردد في نفس الوقت. لم تكن تعرف من أين وكيف تبدأ الحديث.كانت كل واحدة منهن تنظر إليها باهتمام . حينما طال ترددها صاحت سميرة” يبدو ان الأمر خطير حقاً لأنك لا تترددين في قول أي شيء حينما تريدين إعلامنا به ” نظرت سعاد مرة أخرى إليهن جميعاً وقد عقدت عزمها على قول كل شيء وليحدث مايحدث. ” إسمعن الخبر …لقد طلب طارق يدي للزواج…” راحت تشرح لهن كل شيء عن الحوار الذي دار بينها وبينه تحت شجرة السيسبان. كانت كل واحدة منهن تنظر إلى عينيها بعدم تصديق . ساد المكان صمتٌ رهيب. كانت جميع القلوب تخفق بقوة. كل واحدة تشعر أن سكينة حادة قد نفذت إلى اعماق قلبها.نهضت سميرة على غير توقع وهربت إلى غرفتها وهي تبكي بحرقة. لم تعلق أي واحدة منهن بأي شيء . قالت سعاد” لم أغريه بالزواج مني أبداً…على العكس قلتُ له أنا عاقر ولن ألد له ألأولاد كي ينسى الموضوع ولكنه..” لم تستطع أن تكمل. إندفعت سارة تقول بحزن” نهاية مأساوية لأحلام كثيرة…كانت سميرة تحدثني بين الحين والآخر وتقول – آه…لو يتزوجني لجعلته أسعد إنسان في الدنيا..مسكينة ستبكي كثيراً ولكنها ستتأقلم مع الواقع.في اللحظة التي جلست فيها سعاد عند المائدة أخرجت كمية النقود التي استلمتها من أبا علي ووضعتها على المائدة وهي تقول ” لقد حقق طارق نجاحاً باهراً هذا اليوم وهذه هي النقود التي حصلنا عليها.” دفعتها كلها ناحية طارق وهي تقول بفرح ظاهر ” خذها حلال عليك..أنت تستحقها كلها”. نظر طارق إلى النقود وهو يقول” نصفها لي ونصفها ألآخر لكِ ..لولا وجودك معي لما حققتُ أي شيء” . حاولت سعاد أن تعيد له المبلغ ولكنه رفض بشدة. لم يكن أمجد وزوجته قد وصلا بعد لأنهما سيتأخران في السوق عدة ساعات حسب قول ساره. حينما أتم طارق طعامه نهض وهو يقول ” سأنام بعض الوقت..في الثامنة مساءاً أريد الجميع حاضراً في الصف لاأقبل أية أعذار للتغيب عن الدرس ….مفهوم” . صاح الجميع ” حاضر ياأستاذ”. كانت سعاد تودعه بنظرات تختلف عن النظرات في الأيام الماضية. أطلقت تنهيدة مسموعة في اللحظة التي اختفى فيها عن ألأنظار. مبروك عليك طارق أنتِ تستحقين كل خير..كنتِ بمثابة ألأم لنا جميعاً ولكنكِ في النهاية إمرأة وتحتاجين لرجل يسعدك ويهتم بكِ..ألف مبروك.” نهضت سارة إلى غرفتها ولحقت بها بقية الفتيات صامتات. ظلت سعاد جالسة في مكانها. كان جسدها يرتعش . وضعت رأسها فوق يديها على المنضدة وراحت تبكي .في تلك اللحظة شعرت بيد تمسد راسها. نظرت بذعر ناحية الشخص الواقف قربها. كانت سميرة تبتسم وهي تقول بحزن ظاهر” لم أرَ في حياتي عروس تبكي..يجب ان تكوني سعيدة ..مبروك..ألف مبروك” . جلست قربها قائلة ” لقد أصابتني الصدمة..لم اعرف أنك كنت تحبينه بهذه السرية..لم تخفِ عليَّ اي شيء في حياتك..كم أنتِ قوية”. إندفعت سعاد في محاولة للدفاع عن نفسها ” صديقينني لم يكن هذا في الحسبان أبداَ.. لقد صُدِمْتُ أنا ألأخرى حينما عرض عليَّ الزواج.” تنهدت سميرة وهي تقول” في البداية لم أصدق ماكنتُ أسمعه منك ولكن ألآن ليس لدي أي شيء أن أتمنى لكِ الموفقية في كل شيء.”
كان طارق منشرحاً جداً اثناء الدرس الذي كان يشرحه لكافة الفتيات..شعر أن جهوده قد بدأت تؤتي أُكُلها. بدأت كافة الفتيات يقرأن بصورةٍ جيدة لدرجة أنه صاح بأعلى صوته ” رائع جداً..أنتُنَّ طالبات مجدات ومجتهدات ..أمامكنَّ مستقبل زاهر وأنا فخور بكل واحدة منكُنَّ. منذ يوم غد سنبدأ بدراسة اللغة الانجليزية المبسطة” . في اليوم التالي أخبر أمجد بكل شيء عن مشروعه للأرتباط بسعاد. في البداية لم يصدق ما كان يسمعه ولكنه عاهده على أن يبذل كل جهوده لمساعدته في إنجاز مراسيم الزواج. عند عشاء اليوم التالي قال أمجد لطارق ” بعد العشاء لدينا شيء نريد قوله لك…أقصد أنا وباقي أفراد الأسرة”.حاول طارق أن يعرف مضمون ذلك الشيء ولكن أمجد قال له مرة أخرى ” بعد العشاء ستعرف كل شيء”. بعد الانتهاء من تناول وجبة العشاء قال أمجد بصوته الهاديء” إسمعوا جميعاً ..بما أن كافة أفراد العائلة موافقون على الزواج بين طارق وسعاد لذلك قرر بعض الأفراد التبرع لمساعدة العريس ببعض الأشياء الضرورية على أن يتقبل التبرع برحابة صدر..ستكون هذه التبرعات بمثابة ” دَينْ” في رقبته لتقديم تبرعات في حال حدوث شيء مفرح أو حزين لأي فرد من افراد العائلة طيلة بقائه على قيد الحياة..هذه هي الطريقة المتبعة في عشيرتنا منذ أن أُوجِدَتْ على هذه ألأرض..المتبرع يقدم تبرعه برحابة صدر ….والمستلم يتلقى ويقبل التبرع بكل سعادة لأنه يشعر أنه كيان ينتمي إلى هذه ألأرض الطيبة ولديه حضوة لدى أبناء العشيرة..وبما أننا إعتبرنا طارق جزءاً مهماً من أبناء العشيرة فقد إستحق هذه المراسيم لأنه سيرتبط بنا برابطة الدم حتى الموت…شكراً”. تقدمت ضحى وهي تقول” هذا ألأسوار الذهبي جمعته من عملي في ألأرض الطيبة خلال سنتين..أقدمه لك لأنك تستحقه” . كان يشعر بغصة في صدره حينما مد يده لاستلامه. في البداية تردد ولكن سعاد أشارت له بإستلامه لأنها قالت له مرة” حينما يقدم لك شخص من أفراد العائلة شيئأً ما إياك أن ترفضه لأنك ستسبب له أو لها جرحاً عميقاً”.شكرها بقوة مؤكداً لها بأنه سيمنحها أفضل منه يوماً ما. فعلت بقية الفتيات نفس الشيء ..كل واحدة قدمت له ما كان في حوزتها من مصوغات ذهبية. كان لايعرف ماذا يقول ؟ هل يفرح لهذا التكاتف ألأجتماعي أم يحزن لأن زواجه أصبح بهذه الطريقة؟ كان يشعر كأنه يستجدي الآخرين كي يستطيع توفير مستلزمات زواجه. قالت له والدته يوما ما ” حينما تتزوج سأشتري لزوجتك تاجاً من الذهب تضعه على رأسها في يومِ عرسها وستكون أول عروس في العشيرة تضع على راسها تاجا من الذهب وحينما تتزوج شقيقتك سأشتري لها تاجاً من الذهب المرصع بالياقوت..كان يضحك من كلامها..هو لايدري هل كانت تمازحه أم تقول الحقيقة. أين هي الآن ؟ هل مزقوا جسدها كما مزقوا جسد والده وشقيقته الوحيدة أم هي ترقد الآن في مستشفى قذر في أحدى مستشفيات المدينة أم معوقه في بيتٍ خرب؟ كان يشعر كأنه شحاذ يستجدي الناس في طرقات المدينة المهشمة. راح يمسح دموعه بحزنٍ شديد وقد أقسم مع نفسه أن يعمل طيلة حياته كي يرد هذا الدين الذي أثقل روحه . تمنى أن يصرخ بأعلى صوته ” لاأريد شيئاً من ذهبٍ أو مال..أريد زوجة بسيطة فقط..أريد أن أعيش كباقي البشر ..كإنسان له بيت بسيط وحياة مطمئنه..بيدَ أن هذه التقاليد ألأجتماعية أضافت له قيوداً لم يحسب لها أي حسابٍ من قبل.كان الجميع ينظر إليه بصمتٍ وهو يمسح دموعه. وضع أمجد يده على كتف طارق وهو يقول ” لاتحزن ياصديقي ..هذا يوم فريد في حياتك..حاول أن تنسى ألأحزان قدر الإمكان..أعرف مايدور في ذهنك..سيتغير الحال .لا تهتم هذا كل ما أريد قوله”.
يتبع ……