من الناحية القانونية ، يحق لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية زيادة الحد الأدنى لأجور العمال ، فقد نصت المادة 63 من قانون العمل رقم 37 لسنة 2015 على آليات الزيادة ، من خلال قيام وزير العمل بتشكيل لجنة تتولى اقتراح تعديل للحد الأدنى للأجر من وقت لآخر ليتناسب مع تكاليف المعيشة والظروف الاقتصادية الأخرى ، وتجرى المراجعة الدورية كل (2) سنتين ، ويقوم الوزير بالمصادقة على قرار اللجنة وعرضه على مجلس الوزراء ، وبموجب هذا السياق تمت زيادة الحد الأدنى لأجور العمال من 250 ألف دينار إلى 350 ألف دينار بموجب قرار لمجلس الوزراء صدر في 17 / 12 / 2017 وبدا تنفيذه ابتداءا من بداية عام 2018 ، وما يتم تداوله حاليا فان وزارة العمل بصدد زيادة الحد الأدنى لأجر العامل من 350 ألف دينار شهريا إلى 450 ألف دينار خلال عام 2021 ، ويعتقد البعض إن القرارين صدرا لدواعي انتخابية لتزامنهما مع موعد انتخابات 2018 وانتخابات العام الحالي التي من المقرر أن تجري في حزيران القادم ، كما إن هناك من يعتقد بان هذه الزيادة التي تتم على طريقة ( مال عمك ميهمك .. لان الدولة لا تتحمل عنها أية تبعات مالية ) ، جاءت لتصحيح جزءا من الضرر الذي أحدثه قرار تغيير سعر صرف الدولار من 1190 دينار إلى 1470 دينار والذي أدى إلى تخفيض القدرات الشرائية لمحدودي الدخل من العراقيين ، ومن الناحية النظرية فان هذه الزيادة تصب في مصلحة العمال ولكنها من الناحية العملية قد تضر بهم لأنها قد تؤدي إلى توقف التعيين وتسريح عدد من العمال لتقليص البعض من أعمال القطاع الخاص ، الذي يعاني ما يعانيه من تحديات سيما بعد جائحة كورونا التي أدت لفرض الحظر الكلي او الجزئي حيث دفعت رواتب العاملين من أموال الشركات او بالقروض وليس من مدخولاتها لان أعمالها توقفت وارتبكت لعدة أشهر ولا يزال الأثر ساريا لحد اليوم تطبيقا لتعليمات خلية الأزمة الصحية بهذا الشأن .
ومن الغريب أن يتم اتخاذ مثل هذه القرارات المفاجئة في ظل تبني أهداف وشعارات الإصلاح والدعوة لتشجيع المنتج المحلي وتحسين الناتج المحلي الإجمالي GDP ، فزيادة الحد الأدنى لأجور العاملين تترتب عليه زيادة في التكاليف بمقدار 100 ألف دينار شهريا للعامل الواحد أي بنسبة 29% من الأجور الحالية ، فضلا عن زيادة حصة المشروع من الضمان الاجتماعي عن هذه الزيادة بمقدار 12 ألف دينار للعامل باعتبار إن رب العمل يدفع حصته من الضمان البالغة 12% من أجور العامل بموجب قانون الضمان الاجتماعي رقم 39 لسنة 1971 ، أي إن نسبة الزيادة في تكاليف هذا القرار ستكون 32% وهي نسبة عالية في المشاريع الخاصة والمختلطة نظرا لما تشكله أجور العمل من نسبة عالية تصل إلى أكثر من 60% بموجب الزيادة الجديدة ، في وقت تتعرض فيه تلك المشاريع إلى تحديات كبيرة بعد تغيير أسعار صرف الدولار لان المواد الأولية وغيرها من تكاليف الإنتاج الثابتة والمتغيرة قد ازدادت بنسبة 25% على الأقل سواء كانت مستوردة او منتجة محليا ، بما يعني إن المشاريع الخاصة ستتحمل اعباءا وتكاليف إضافية ستجبرها إلى التوقف او زيادة الأسعار مما يقلل الطلب على منتجاتها او تضعف قدرتها في منافسة السلع بديلة الاستعمال والاستهلاك ، اخذين بالاعتبار ضعف قدرتها أساسا في منافسة السلع المستورد حتى وان تغير سعر صرف الدولار لان المستورد او التاجر سيتحمل كلفة إضافية واحدة بينما يتحمل المنتج او المصنع المحلي كلفتين إضافيتين .
وقد تكون لدى الحكومة رؤية معينة لرفع الحد الأدنى من الأجور ضمن حوافز الترويج في تنفيذ برامجها او غيرها من الغايات ولكن ليس من المعقول أن يدفع أرباب العمل من القطاع الخاص ثمن هذه الرؤية من أموالهم الخاصة في ظل هذه الظروف الاقتصادية الخانقة على مستوى العالم ككل ، والزيادة في الأجور من هذا النوع لم تعتمدها أية دولة في العالم منذ جائحة Covid -19 فبعضها فعل العكس من خلال تسريح العاملين وتخفيض الأجور ، لأنها تمثل زيادة في تكاليف الإنتاج اذ تشكل الأجور الجزء الأكبر منها ، فقد شهدنا العكس تماما من خلال قيام حكومات بعض الدول بإعطاء حوافز وامتيازات للقطاع الخاص والعاملين فيه ليصمدوا وسط عواصف الوباء والركود الاقتصادي ، ومن الملفت إن بعض القرارات التي يروج لها او تتخذ تجعل بيئة العمل في العراق من أصعب بيئات العمل في العالم ، مما يجعل الواقع السائد إن الحكومة هي التي تقرر ما تشاء والقطاع الخاص ملزم بالتنفيذ بصرف النظر عن ظروفه الاقتصادية ، فهو لا يستطيع أن يرفض او يمتنع عن تنفيذ الأوامر الحكومية حتى تلك التي تتدخل في تفاصيل عمله الدقيقة ، فقدرته ضيقة في مجال التوقف عن العمل او تقليل عدد العمال ( حتى وان كانوا فائضين ) او اتخاذ أية إجراءات ترشيدية كونها مرهونة بموافقة الجهات العليا التي تستند لتشريعات تتطلب إجراءات معقدة وطويلة ومعاملات مملة وقابلة للنقض المزاجي وإلا سيكون مصيرها الغرامة او السجن في ظل أحكام قانون العمل الحالي ، وفي الوقت الذي كنا نتطلع لدعم القطاع الخاص من خلال حزمة إجراءات تشجيعية ومحفزة كتأجيل او إلغاء الضرائب واستقطاعات الضمان ومنح دفعات طوارئ للعاملين من الموازنة الاتحادية خلال توقف الأعمال ، تقوم الجهات المعنية بزيادة الضرائب وأجور الطاقة و الرسوم وغيرها ثم ترفع من حزمها غير التشجيعية بزيادة أجور العمل بنسبة عالية قياسا برافعتها المالية ، ومن المثير للتساؤل أسباب اختيار الحكومة توقيت عام 2021 لزيادة أجور العاملين في القطاع الخاص في وقت تلتزم هي بإجراءات تقشفية في موازنتها الاتحادية للعام نفسه ، وبضمنها إيقاف علاوات وترفيعات وترقيات العاملين لديها وهي التي تخصص 164 تريليون دينار للنفقات من المال العام ، ومن باب المصالح الوطنية وفي حالة إصرار الحكومة على اصدرا قرار بزيادة الحد الأدنى لأجور العمال ، نرى من باب الضرورة أن تتم تغطية تكاليفها من الضمان الاجتماعي او الرعاية الاجتماعية خلال عام 2021 لكي لا يصاب القطاع الخاص بمزيد من الأضرار التي ربما تؤدي لزواله ( لا سمح الله ) .