كقاعدة عامة لايوجد في التاريخ البشري القديم ماهو إيجابي وإنساني ، فالماضي كان يمثل المرحلة البدائية للإنسان من حيث الفكر والمشاعر والسلوك إذ كان غاطسا في وحشيته … لكن من باب النرجسية الوطنية والتعصب تتفاخر الشعوب بماضيها وتضفي عليه المزايا والصفات الإيجابية ، وتغض النظر عن الجانب السلبي الدموي في ذاك الماضي الذي يدينه وينفي عنه إستحقاق جدارة الإحتفاء به ، على سبيل المثال : الحضارة الفرعونية كانت حضارة عبودية للبشرية وعبادة للملوك الفراعنة وقتل جماعي شيد من جماجم االناس الإهرامات ، ومايسمى الحضارات الإسلامية هي بداوة وحشية وغزو ونهب لثروات الشعوب وسبي نسائهم وقتل الرجال !
حضارات : سومر وبابل وآشور التي يتباهى بها العراقيون بإعتبارها تمثل تاريخهم المجيد الذي يمنحهم الشعور بالمجد والتفوق على باقي الشعوب ، والتي إتخذ من هذه الحضارات بعض الكتاب ودور النشر دكانا للإرتزاق منه عن طريق النفخ في ذاك التاريخ الدموي وتلميعه والإشادة به وإصدار الكتب و تدبيج المقالات ، وكأنه عالم من النعيم والمثل العليا والإبداع العلمي والفكري ، بينما الحقيقة عكس ذلك ، فالماضي – كل ماضي – هو ينتمي الى مرحلة البدائية المتوحشة ، وهذه المرحلة من التاريخ التي يُطلق عليها وصف حضارات هي كانت عبارة عن تجمعات بشرية بدائية متخلفة فكرها وسلوكها يخلو من القيم الإنسانية ، وإتصفت تصرفاتها بالعدوانية الهمجية ضد الآخرين من خلال شن الحروب والغزو وقتل البشر العشوائي !
مايسمى حضارة بابل كانت حضارة عسكرية دموية ، على سبيل المثال : حمورابي الذي يتفاخر به العراقيون بإنه وضع أول القوانين في التاريخ ، كان حاكما عسكريا قام بشن العديد من الحروب من أجل السيطرة وإستعمار المناطق المجاورة له وإخضاعها لسلطته بالقوة ولم يطبق على نفسه أياً مما كتبه من القوانين التي دعت الى العدالة ، ومثال آخر المجرم نبوخذ نصر إرتكب جريمة سبي شعب إسرائيل بأكلمه وإضطهاده وإستعباده ، وغيرها من الحروب والجرائم التي جرت في عهد بابل ، وبشأن الحضارة الآشورية فإنها من أكثر الحضارات بشاعة ودموية ، حيث كان الآشوريون من أشد البشر في زمنهم قساوة ووحشية ، وكذلك إرتكبوا جريمة سبي شعب إسرائيل .
المشكلة في تعريف الحضارة .. وهل الجانب الإنساني الأخلاقي هو الشرط الأول كي تكتسب صفة الحضارة أم لا بغض النظر عن بعض المهارات التي صدرت عن سكانها ، وبهذه المناسبة أقترح كمصدر رصين لهذا الموضوع الإطلاع على موسوعة قصة الحضارة / ويل ديورانت.