“العراق أمام تحديات جسمية واستحقاقات مهمة، أبرزها الانتخابات المبكرة النزيهة، بعيداً عن التزوير أو التلاعب بإرادة العراقيين في اختيار ممثليهم، والشروع في الإصلاحات وتعزيز الأجهزة الأمنية، وضبط السلاح المنفلت” – (الرئيس برهم صالح)
صنفان من العراقيين المتحرقين شوقا إلى هزيمة السلاح غير الحكومي، وإلى تحقيق الأمن والاستقرار، وعودة سلطة القانون.
الأول يضم ملايين العراقيين في داخل الوطن، وخصوصا منهم الذين لا ينتمون إلى أحزاب السلطة ومليشاتها، ولم يتورطوا أو يشاركوا في جريمة اغتيال، أو اختلاس، أو تهريب أو اختطاف، أو استيراد بضائع مهربة وأغذية أدوية فاسدة، أو عمالة لأجنبي. فهم أكثر الناس رغبة في دعم أي شخص، أو حزب، أو أي فريق يمكن أن يرفع عنهم ولو بعض هذا الضيم، ويعيد إليهم وطنهم سالما ومعافى، ويحقق لهم الحياة الطبيعة أسوة بباقي شعوب دول الجوار والمنطقة والعالم.
أما الثاني فيضم ملايين أخرى من المغتربين العراقيين في أرجاء العالم الواسعة، وخصوصا في أوربا وأمريكا الشمالية والجنوبية. وذلك لأن طراوة الحياة، وحلاوة الأمن والعدالة والحرية في بلاد اغترابهم تزيدهم حسرة على بلادهم، وحزنا على أهلهم الذين حرمتهم الشلل الحاكمة الفاسدة من أبسط حقوقهم الإنسانية، وأصبحوا أشد عزما وإصرارا على فعل كل ما في قدراتهم لمساعدة شعبهم على الخلاص من أوجاعه، والعودة إلى الحياة من جديد.
ولا يخفى ما نسجه هؤلاء العراقيون المغتربون من علاقات مؤثرة ومهمة وعميقة مع دوائر القرار الأمريكي والأوربي، الأمر الذي سيوفر لقضية عراقهم العادلة روافد عديدة من الخدمات لا تقدر بثمن.
ومن العراقيين في الداخل ومن العراقيين في الخارج، لو توفرت الوسائل المساعدة المناسبة والنويا الحسنة، يمكن توليد جبهة شعبية واسعة قوية فاعلة قادرة على فعل الكثير مما ظنه المتشائمون صعباً وعصيا على القيام والقعود.
وجبهة من هذا الوزن ومن هذا النوع لابد أن يكون لها دور مهم وفاعل في أية انتخابات قادمة لتأمين قوة برلمانية مؤثرة وقادرة على فرض التغيير وقيادته، مهما كلف ذلك من تضحيات.
ولعل هذا ما يخيف دهاقنة البيت الشيعي، والأحزاب والتجمعات الطفيلية السنية والكردية المرتزقة من فساده، والمتوقف وجودها على بقاء الحال الفاسد على حاله. فهي تعرف، أكثر من غيرها، أنها لن تتمكن من الاحتفاظ بهيمنتها الطاغية الحالية على الحكومة والبرلمان والقضاء والقوات المسلحة ودوائر التجارة والاقتصاد والمال، بعد كل ما أحدثته انتفاضات الشباب التشريني من متبدلات ومتغيرات في موازين القوة الحقيقية في الشارع العراقي، سواء في محافظات الوسط والجنوب، أو في محافظات إقليم كردستان العراق بعد انتفاضة شباب السليمانية الأخيرة، دون ريب.
وقد تحدث عن ذلك، معسكر نوري المالكي، بلسان حلفائه في المحاصصة فأكد أن “الحديث عن انتخابات مبكرة وهمٌ من الخيال”، مبيناً أن “استعداد الحكومة ومفوضية الانتخابات غير واضح بشأن الانتخابات المبكرة”، وأن “هناك انفلاتا أمنيا في محافظات الجنوب، لاسيما في محافظة ذي قار”، وأن “حديث الحكومة عن إجراء الانتخابات المبكرة مجرد إرضاء للشارع، ولا يوجد هناك أي تطبيق على أرض الواقع”.
إذن، فبدون ولادة الجبهة الشعبية المليونية الواسعة من الوطنيين العراقيين في الداخل والخارج، الآن وليس غدا، للضغط على رئاسة الجمهورية والحكومة البرلمان، وعلى الجيش والقوات المسلحة والقضاء ومفوضية الانتخابات، من أجل تأمين ما يلزم لضمان إجراء هذه الانتخابات في موعدها الذي قرره رئيس الوزراء، في 6 حزيران/ يونيو القادم، أولا، وثانيامن أجل توفير الحماية الكاملة لمراكز الاقتراع والحليولة دون حدوث تلاعب أو تزوير، ومنع السلاح المنفلت من تهديد حياة الناخبين والتأثير على خياراتهم.
إن جبهة أعداء الشعب العراقي واسعة وقوية. نعم. ولكن بعد أحداث تشرين 2019، واستمرار الغضب العراقي الشعبي، في بغداد والمحافظات الأخرى، رغم توقف المظاهرات والاعتصامات، ومع ازدياد الحصار الاقتصادي والعسكري على النظام الإيراني، حامي الفلتان الأمني والسياسي والاقتصادي، أصبحت جبهةً متخلخلة، فاقدةً صبرَها، وعقلها، وباحثةً عن فرصة للخروج من محبسها الشعبي المحلي والإقليمي والدولي، ولا تستطيع.
فكل من قتل أو سرق أو خان لوطنه وشعبه يخاف من عودة الدولة القوية الموحدة، ومن قضائها المتحرر من سطوة أحزاب المحاصصة ومليشياتها. وسيفعل كل ما في قدرته لوقف عجلة التغيير الحتمي الآتي إليه رغم كل شيء، ولكن لا توجد قوة، أيا كان جبروتها، أن توقف جريان النهر إلى مصبه، شاء من شاء وأبى من أبى.
وفي ضوء هذه الظروف المناسبة المشجعة أصبحت الانتخابات البكرة القادمة خشبة الانقاذ الوحيدة والأخيرة للشعب العراقي، إذا ما تمكنت الإرادة الشعبية والحكومية من ضبط أجوائها، وصيانتها من التلاعب والتزوير والاحتراب.
وبالعقل والحكمة والواقع ينبغي الإقرار بأن الشعب العراقي الطامح إلى التغيير الحقيقي والعبور إلى حياة الأمن والحرية والعدل والرخاء لا يملك صواريخ لمقاتلة صواريخ المليشيات، ولا كواتم لمعاقبة كواتمها، ولا مالا لمحاصرة أموالها، وكل ما يملكه من سلاح هو هذه الانتخابات التي سوف تمكنه من فرض إرادته على مغتصبيها.
ولكن، بدون ولادة هذه الجبهة الموحدة الواعية المنظمة، وبدون ضمان سلامة صناديق الاقتراع، سيصبح واجبُ العراقيين، جميع العراقيين، في الداخل والخارج معاً، هو مقاطعتُها بالكامل، وجملة وتفصيلا، لإعلان الوطن مستعمرةً مغتصَبة، وموبوءة، وحلالٌ حملُ كل أنواع الأسلحة، كبيرِها وصغيرها، مُباحِها ومُحرمِها، لتحريرها من قبضة الإرهاب والاحتلال والاغتصاب.