رومانيا..لم تخمد جذوتها..يكفيها فخرا انها انجبت أوجين يونسكو
مرسيا ألياد…… كونتستان جورجيو…. مارين سوريسكو…ميرسيا دينسكو …وأنجبت أميل سيوران….
(*)
منتصف ثمانينيات القرن الماضي…أستوقفني مستطيل في نهاية أحدى
صفحات مجلة العربي الكويتية..،ثم أمحت من ذاكرتي الاقوال المأثورة
المثبتة في المستطيل..لكن مقولة واحدة ،التقطتها ذاكرتي وماتزال
..(أحلم بعالمٍ نموت فيه من أجل فارزة )..لم انقل حلم سيوران الى دفتري..تأملتُ في المقولة ..كأنني احاول ان اتذكرها..ثم التقطتها بأناملي.. ترفقت في تقليبها كأيقونة نادرة..فأذا بها تستحيل غرسة وتستقر في حقل ذاكرتي..لم يقف الأمر عند هذا الحد..تلقائيا بدأت أستجابتي تتعلق بهذه
المقولة التي قرأتها في زمن لاحد لشراسته عراقيا..منتصف ثمانييات القرن الماضي تماهيتُ في أصرار سيوران ..في عناده المتفرد..في تحديه ..لطغيان جاوجسكو..من يومها..أخذت ُ أتعقب عطر سيوران ..فجمعتُ قصاصات جرائد ..مجلات..أسطر في مجلات دورية ..يرد فيها اسم سيوران..شذرة منه،عرض أحد كتبه…الخ
(*)
2005عثرت ُ على مفتاح شفرة ..(أحلم بعالم نموت فيه من أجل فارزة)..والاصح..لم أعثر…سيوران بجنونه الناصع وعطره الاسود..وهبني مفتاحا من فضة وأنا بدوري اجعله في متناول القراء..(لايعتني بالأمثال والأقوال المأثورة إلاّ مَن عرف الرعب وسط الكلمات،والفزع من التداعي مع جميع الكلمات /ص29/ سيوران /المياه كلها بلون الغرق)..إذن الحلم بالموت ليس حلما نهلستي المذاق ،بل طموح حياة بالدفاع عن أدق أمورها :(فارزة)..
(*)
حين أقلّب مفردة (فارزة) اراها مكتنزة بتأويلات خصبة..أما على مستوى المعجم ،فأن الفاصلة في تنضيد الطباعي، لها أهميتها في حيزحرية النص..وحين اترجم الفاصلة عربيا فهي(الخرزة التي تفصل بين الخرزتين في العقد..) وعلى المستوى الرقمي ،الفاصلة هي( العلامة في الكسور العشرية ،تكتب بين الكسر والعدد/ص 698/ج2/المعجم المتوسط)
(*)
علاماتيا يمكن ان أرى في الفارزة: حدا يشير الى المختلف..وهذا يعني ان الموت من أجل فارزة ،هو السعي نحو التفرد ،لصيانة الخاص..
على المستوى النفسي..عرفتُ سبب تعلقي بمقولة أو بشذرة الفارزة.فأنا كعراقي يوم أكتشافي لسيوران من خلال شذرته : كنت عراقيا مطاردا مثل ملايين العراقيين في الداخل لتهمة مزدوجة: عسكرية +سياسة ..(لايعتني بالأمثال والأقوال المأثورة إلا مَن عرف الرعب وسط الكلمات) والرعب العراقي متنوع يومها ..وله رعبه وسط الكلمات ،رعب ما قبل ثمانييات.القرن الماضي.لنتوقف عند هذا المقطع من كلام صدام حسين
لمنتسبي وزارة الشباب في كانون الثاني 1979..(يجب ان لانترك الأب والأم يسيطران على البيت،إنما نجعل الصغير مركز إشعاع فاعل داخل العائلة، لخلق نمط جديد من العلاقات ..وأن تضعوا في كل زاوية ابنا للثورة يأخذ تعليماته من مركز الثورة المسؤول وعينا أمينة لها،عليكم بتطويق الكبار عن طريق أبنائهم /ص58/ زهير الجزائري/ المستبد :صناعة قائد – صناعة شعب)..لنتمعن في مابين القوسين ..كيف تحرض
السلطة سلطتها،لتفرز سلطويا بين افراد العائلة العراقية الواحدة ،تعلق دور الوالدين وتعطي السلطة كلها لمن هو دون سن التكليف ب(جعل الصغير) مالك قيمومة مطلقة على العائلة،فهذا الصغير لايحتاج تربية من والديه بل هو في مسيس الحاجة الى..(تعليماته من مركز الثورة)…!!
(*)
هكذا تجتث السلطة : من العائلة : فارزتها / خصوصيتها: حقها في الاختيار الاجتماعي..السلطة تجتث الفاصلة …يعقبه فورا زراعة بديل صناعي ،أعني فارزة السلطة في العائلة ،وهنا يحدث إنفصام لدى صغير العائلة..صار الاب القائد: أباه..وسيحب عائلته بوزن ولائهم للأب القائد* من فارزة السلطة التي حذفت فارزة العائلة ..سيتغذى الطغاة كافة تغذية تطيل اعمارهم وتعاستنا..لذا يكون الخلاص منهم ناقص المذاق..(كفوا عن محادثتنا في شأن الشعوب المستعبدة ورغبتها في الحرية .الطغاة يقتلون دائما بعد فوات الأوان ،وذلك عذرهم الكبير/ص158/…بلون الغرق)
وأعود لمساءلتي:.هل موتنا من أجل فارزةهي محاولة عقل بري للعودة (الى تلك العصور حين لامفردة تعوق الكائنات ،العودة الى اقتضاب الصيحة وفردوس البلادة وذاك الذهول الفَرِح لما قبل اللغة /ص29/…بلون الغرق)..وحين تستحيل تلك العودة..سيكون الحلم مصنّع لأنتاج فارزة لكن سنكتشفه معلقا تعليقا فينيوميولوجيا فحركة الحلم في المكان وليس تجاوزا له..انها مراوحة ..لم تتحول هرولة..(حلمت َ بإحراق الكون ولم تسطع أن تُعدي بنارك حتى الكلمات ولا أن تشعل كلمة واحدة /105)..وهناك محاولة للتخلص من الفارزة البيولوجية السالبة..(الضعاف بيولوجيا لايجدون أي متعة في الحياة،لذلك يحاولون تغيير شروطها../ص161)..والفارزة: فاصلة..تقودنا الى الأنفصال ومن الانفصال الكوني..الى انفصال بشرأرضي..(لاشيء يعزّيني في كوني لم أشهد لحظة انفصال الأرض عن الشمس ،سوى توقعي أنّي سأشهد لحظة انفصال البشر عن الأرض/ص165) ..هذه النبوءة شاهدتها فيلما اجنبيا،آخر مشاهدة لي في 22/8/2013 من أحدى الفضائيات..يهبط الارض رجل بمثابة مندوب من أحدى الكواكب..تسأله بطلة الفيلم: هل ستقومون بأنقاذنا ؟يجيبها الكائن القادم من الكواكب: لا..جئنا ننقذ الارض من البشر..)وحين تتسول البطلة بضرورة منح البشر فرصة أخييرة..يجيبها الكائن الكوكبي: انتظرناكم مئات السنوات لتعاملوا الارض برفق..لكنكم خيبتم آمالنا…)..
(*)
كإنسان أراني بين عقلين..عقل يعي وعقل يعي انه يعي..العقل الاول عقل الحواس الذي من خلاله ندرك المرئي بتنوعاته.. أما العقل الثاني فهو المنشغل بالماورائيات..والعقلان يتداخل في ضفيرة واحدة.. ومن خلالهما
أفعّل اتصاليات المرئي/ اللامرئي…وإذا كانت الفلسفة فاعلية تعمير الفكر،عبر منظومة ومذهب فلسفي فأن سيوران يتفلسف خارج هذه العمارة الفكرية..(إن أدنى قدر من الحكمة سيجبرنا آنذاك على مساندة النظريات كلها في الوقت نفسه، بأنتقائية السخرية والتخريب/ص33/سيوران/…بلون الغرق) ..لايكتفي سيوران بذلك فهو يرى ان للوعي واجب..(..الوصول الى يأس لائق الى شراسة أولمبية /ص52)
(*)
أرى سيوران وريثا شعريا لفلسفة نيتشة .. يغرس ريشته في محبرة نيتشة، ليرسم قلبه هو لاقلب نيتشة فهو يفكر بتوقيت نبضات قلبه هو..أعني ثمة مختلف بين نيتشة وسيوران ،مختلف بكثافة فاصلة..وإذا كان نيتشة يهزأ بسقراط ..فأن سيوران
يرى سذاجة نيتشة كلها في مقولته( مابعد الخير والشر) والسذاجة النيتشوية ،لم تر ان (الإنسان لم يتهيأ بعد لمرحلة مابعد المانوية لما تتطلبه من وعي وإدراك يكادان يخرجان الإنسان من التاريخ ذاته/ص10/ تاريخ ويوتوبيا)..ولايخلو سيوران من كونفوشيسية ،في قوله..(هذا العالم لايستحق أن نعرفه/ص55) يقول كونفوشيوس(حمدا لله انني لستُ خالق هذا العالم..ان منظر هذا العالم وحده يقززني)..واذا كان نيشة يصرخ في أول سطر(هكذا تكلم زرادشت) ..(كتاب للجميع ولغير أحد )فأن سيوران يعلن ان الكتب التي تستحق التأليف،تشترط مؤلفين لايفكرون بقرّاء..وسبب هذا الأشتراط..هو تحرير المؤلف من أحلام القراء..حتى لايخسر نفسه وحريته في الحلم والكتابة خارج انظمة السلوك الجمعي..
(*)
كتابة سيوران هي محاولة في اللاكتابة..وهنا يقفز الى ذهني النفري في قوله..(ألاّ تكتب وأنت تكتب )..وكلاهما يطالب بكتابة جامحة ضد النسق المؤيد من قبل الجمهور..
(*)
من يقرأ سيوران …لاينال كرسيا هزازا ولاوسادة ناعمة تجلب النوم المحلوم بأقواس قزح..كل مايحصل القارىء عليه حزمة تساؤلات سيحاول التواصل معها اما بأجابات مبتورة او أجوبة متساءلة بدورها تقودنا للبحث عن الهوية أو للتحاور مع الغرب كحضارةلا كأستعمار..(لماذا ننسحب ونغادر اللعبة، مادام في وسعنا أن نخيب ظن المزيد من الكائنات/104)
(*)
سيوران يشعرن سروده الفلسفية ويموسقها وهكذا دون قصد من سوداويته..يضخ فيها الكثير الكثير من اشراقات البهجة..سيوران يلتقط الجوهر ويصوغه شذرات ويغرس الشذرات مصوغات ذهبية، هل رأى في أجناسية الشذرات حريته اللسانية؟ أم حريته في الاختيار الحريص على الاقتصاد الاسلوبي..وهو في كتاباته يبشر بالفراغ ويمهد الطريق للعدم..(ثمة راهب وجزار يتحاربان داخل كل رغبة/140)لايرتعش من الموت ..لكنه يمقت الانتحار..سيوران…هل ميّز بين (الأنتحار المراهق من الأنتحار الحقيقي ) فالمنتحر الاول يستنجد في حين أنتحارالثاني تقرير حسب ريجيس دوبرية/ 127..
(*)
سيوران …الذي يرفض الجمهور..صار له جمهورا في كل مكان.. من خلال خمسة عشر كتابا نشرها..وإذا كان يمقت الظهور كفتاة الاعلان ..أو كمشاهير السينما فأنه كان معرفيا دؤوبا في حضوره الانتاجي للفلسفة..
(*)
هكذا كان سيوران كما أراد هو في البدء سعيدا جدا لأنه مقروء من قلة القلة وبطبعات محدودة لمؤلفاته..وإذا كان سارتر قد رفض نوبل لأسباب سياسية ،وصنع ابراهيم رفض جائزة الدولة التقديرية
في مصر..ورفضها في كلمة القاها..فأن سيوران أصيب بأحباط نفسي كبير في 1988 حين أعلن انه سينال جائزة بول موران
فأعلن هو بدوره عن رفضه لهذه الجائزة.. لأن اي جائزة تحط من منزلة الكاتب وتعمل على تدجينه وتطويقه بالمعجبين والمعجبات
وهذه افضل طريقة لتدمير المشروع المعرفي للكاتب اي كاتب..
هذا كان رأي سيوران دائما..أي زهد لدى سيوران؟ وأي حرص على الكتابة؟ كم يخاف سيوران على سيوران من سيوران؟ أي درس في المعرفة يمنحنا هذا المجنون الناصع الصاهل في ظلمات برية القرن الحادي والعشرين؟..
*سيوران من خلال شذراته
*أن تكون إنسانا حديثا هو أن تبحث عن عقّار لمِا أفسده الدهر
*الشاعر ماكر يستطيع أن يتلوى من البرد إلى حد المتعة.
*لامفر لكل مفكر في بداية حياته المهنية،من الاختيار بين الجدل والنواح.
*الحزن شهية لاتشبعها أيّ مصيبة
*هل وصلت حياتك الى نتيجة؟ إذن لن تعرف أبدا الكبرياء
*لاشيء يثير زهونا مثل عقدة الموت: العقدة وليس الموت
*لايستطيع أحد أن يحرس عزلته إذا لم يعرف كيف يكون بغيضا
(*)
ألاحظ كقارىء شبه متابع لترجمات كتب سيوران..ان هذا المفكر
فاشل في الاتكيت ولا يملك تقنيات الخجل المصنّع برجوازيا..
هل قلت انه لايستحي؟! في زمن اصبح ورقة التين ذكرى مخجلة
للأغلبية،وأصبحت هذه الاغلبية تتبارى في تقنيات العري وتمأسس له فقها افتراضيا؟! في هذا الجو المفرغ من الهواء يكون
(الغبي وحده مجهّز للتنفس) بشهادة سيوران..وبشهادته الناصعة يعلن…(أنكب الشرق على الزهور والزهد وهانحن نعارضه بالالات والجهد وبتلك الكآبة المهرولة – آخر انتفاضات الغرب)
ولايكتفي سيوران بذلك (نحن نعرف الآن أن الحضارة قابلة للموت وأننا نهرول نحو الاختناق، نحو معجزات الأسوء،نحو العهد الذهبي للرعب/84)..دائما أغبط سيوران على هذه الشذرة الفاتكة،هذه الشذرة العذراء(وحده الأرغن يبيّن لنا كيف تستطيع الابدية أن تتطور)..لاأقول كم نسبة الشعر هنا..بل اتساءل اي شاعر كبير في هذا الفيلسوف المجنون؟ فهو يرى ان الموسيقى والفلسفة توأمان..ثم يضيف(لولا أمبرياليتها كمفهوم لقامت الموسيقى مقام الفلسفة/ص146)..وهو يطوف على دراجته الهوائية في أخضرار الندى الفرنسي تمنى ان يكون موسيقيا لأسباب لغوية..(من الأفضل ان يكون المرء مؤلف أوبريت على ان يكون صاحب ستة كتب في لغة لايفهما احد/ص14)
وهل هناك عطر يتفوق على باريس الحضارة والحب..ألم يتفرنس الروسي نابا كوف وكذلك يونسكو والآن معلوف الروائي اللبناني الذي كل رواياته مكتوبة بالفرنسية..وقبله تفرنس أميل سيوران..وحسب سيوران..(بمعاشرة الفرنسيين نتعلم كيف نكون تعساء،بلطف/85)
(*)
بمعاشرة اللغة الفرنسية والسكن في نبض حريرها الاهيف اصبحت نصوص سيوران( حدثا داخل الحدث)..علينا ان لانسأل لماذا سيوران يكتب بالفأس او الساطور..!! علينا ان نتعقب آثار ذلك الذي حوّل سيوران الى شظية لن تبرد ابدا لا..لم اعن ان سيوران قاتل من خلال الكلمات وان اداة الجريمة عنده أما الفأس..أو الساطور..أردت القول ان سيوران يكتب بجسده كله..لكنها ليست كتابة جنسية..أن يحاول تعويض الروح بأغتصاب كوني لامثيل له..
(*)
دخل الى الفلسفة من رحاب الادب فأكتشف شكسبير من خلال ماكبث..وأصبح ما كبث مراياه كلها..ثم اكتشف ان ماكبث مسروق من سيوران !! لكن رغم هذه السرقة فهو كان يجالس شكسبير حتى في المقاهي!! *إذن حتى نفهم سيوران ونكون في تماس مع انشدادته وانسدادته يشترط التماس علينا ان تكون نسبة دمنا تحتوي على مس من الجنون ممزوجا بالهيموغلوبين،فهو يعرفنا من انهمامنا المعرفي..(لايهتم بي إلاّ من كان به بعض من مس..) ..وهناك من يتساءل في هذا الصدد :هل كل كتابات سيوران فعالية دائمة في انتاجية الخطأ يصحبها الاعتذار عن الخطأ ذاته !!
(*)
تاج الرماد .. صنعه بيديه وبيديه هو وضعه على رأسه ..لكن سيوران يبصر فجرا نديا في نهاية النفق..
(ثمة في البلادة مقدار من الجّد ،لو وجُه ّ بشكل أفضل ،لأمكن له أن يضاعف محصولنا من الروائع /25).
(*)
.يتواصل سيوران مع سيرورته من خلال انسلاخات متعددة يعرف كيف يعيد انتاجها ضمن آليات المعرفة..وهكذا يخشى على انتحاره المتواصل. (إن كل كتاب هو انتحار مرجأ).يخشى من الانسجام ،لذا يبث اليأس في ينتظره منسجما..(لن أفلح في التصالح مع الاشياء،حتى وإن انتزعت كل لحظة نفسها من الزمن لتمنحني قبلة /171)..
(*)
إذا كان هيغل رأى التاريخ يعيد نفسه،فأن ماركس رأى الأعادة تكون من خلال تضاد اتصالي..فالتاريخ مرة مأساة ومرة مهزلة
هذا ماذكره ماركس بالحرف الواحد في أكثر كتبه شعرنة مسردودة
أعني(18 برومير لويس بونابرت)..واذا كان التاريخ يتكون من حلقات افول وشروق وفق ما أعلنه ازوالد اشبنغلر في مجلداته الثلاثة الماتعة..فأن سيوران يرى ان سيرورة التاريخ لامعنى لها
وهنا سر سعادة سيوران..(للتاريخ مجرى يسير فيه ويتبعه،لكن لامعنى له/ص10) وهو لايبحث عن علل ومعلولات تاريخية..بل يكتفي بأنتاج اسئلة لها يقينية الاجوبة الميكانيكية..أو الحتم التاريخي
الموجود لدى اشبنجلر..(كل الحضارات برمتها ناضجة للأختفاء هكذا هو التاريخ الكوني،في لحظة معينة كل حضارة تنضج للأختفاء/ص11) وهكذا نرى ان سيوران يؤكد مجرى التاريخ..أي سيرورته ..لكنه ينفي عن التاريخ أي معنى؟ و يطالبنا ان يكون
توقفنا حصريا عند المجرى ..لا المعنى!! وهو يترك لنا اسئلة بلا أجوبة..(فلنأخذ الامبرطورية الرومانية على سبيل المثال :لماذا فتحت العالم تاركة المجال للجرمانيين البرابرة لاجتياحها وهدمها؟ ليس لهذا أي معنى. لماذا شقيت أوربا لمدة قرون طويلة من أجل تأسيس حضارة كان واضحا أنها مهددة بالزوال من الداخل،لأن الاوربيين متصدعون داخليا؟/ص11)..يرى ريتشارد نيد ليبو
(اتباعا لرأي الاغريق.فأنني أزعم أن الشهوة والروح والعقل،تمثل دوافع أساسية للحرب ويسعى كل منها الى تحقيق أغراضه الخاصة/ ص77)..ثم يرى ان الروح الاغريقية لم تنتج أخيرا إلاّ نموذجا سياسيا وحين يتوسع في تناوله لمفهوم الروح(78-91)..
يرى(تتسم الروح بحمايتها المحمومة لاستقلالية المرء وشرفه وهما امران وثيقا الصلة/79)..يمكن ان نرى ان شعلة الروح قد خبت..
بسبب الانهماك الذي كابده الجسد الروماني المحارب..الذي لم ينل استراحة المحارب….
*استفدنا من….
(1)أميل سيوران/المياه كلها بلون الغرق/ ترجمة آدم فتحي/ دار الجمل/ كولونيا –ألمانيا 2003
(2)سيوران/تاريخ ويوتوبيا/ ترجمة آدم فتحي/ الجمل/ 2010
(3)زهير الجزائري/ المستبد – صناعة قائد / صناعة شعب/ معهد الدراسات الاستراتيجية /بغداد – بيروت/ ط1/ 2006
(4)ريجيس دوبرية/ مذكرات برجوازي صغير بين نارين واربعة جدران/ ترجمة سهيل ادريس/ دار الآداب/ بيروت/ ط1/ 1977
(5)ريتشارد نيد ليبو/ لماذا تتحارب الامم/ ترجمة ايهاب عبد الرحيم علي/ عالم المعرفة/ ع403/ 2013