22 نوفمبر، 2024 8:40 م
Search
Close this search box.

الازمة الاقتصادية والمالية الحالية وتداعيات حلول الحكومة الترقيعية

الازمة الاقتصادية والمالية الحالية وتداعيات حلول الحكومة الترقيعية

تشكل الازمات الاقتصادية العالمية وجودا مستمرا ومتعاقبا في حياة النظام الراسمالي والانظمة الاقتصادية التابعة له فمنذ ازمة الكساد الكبير سنة 1929 في الولايات المتحدة وهي اول ازمة اقتصادية واضحة المعالم وذات تاثيرات مباشرة في القرن العشرين والتي اثرت على حياة الناس كما انها اسست لازمات اقتصادية وسياسية واجتماعية قادمة ولازال النظام عاجزا عن معالجة ازماته الا بخلق ازمات جديدة تدفع اثمانها الدول الفقيرة , و مايمكن ملاحظته بعد الحرب العالمية الثانية ان هذا النظام الذي سيطر عن اكثر من نصف دول الكرة الارضية اخذ يفقد السيطرة على انظمته المصرفية واسواقه برغم محاولته الشديدة لوضع ضوابط تخفف من احتمالات انفلاتها بعد تصاعد الصراع بين الدول الغنية فضلا عن محاولة الهيمنة على الدول ذات الموارد الاولية التي تحاول اللحاق بالعالم الراسمالي الاول , بل حاول النظام جاهدا وضع حد لازماته بتشريع انظمة وقوانين تتحكم بالتجارة العالمية بحيث تبقى المواد الاولية كالنفط والسلع الاستراتيجية الاخرى التي تملكها دول الاقتصادات النامية تحت رحمة منظمة التجارة العالمية وقوانينها لكن حتى هذه الضوابط لم تستطع مقاومة الخروقات الكبيرة لسيطرة الدول الكبرى على السوق العالمية من قبل دول الاقتصاد المتبوع وقد نبهت المحاولات الناجحة المحدودة مثل ايقاف تصدير النفط في حرب 1973 وغيرها, نبهت العالم الغربي ليكون مستعدا لاي خروقات جديدة فاخذ العالم الراسمالي يستخدم ادوات اخضاع جديدة تسهم في ضبط حركة الراسمال واستثماراته وتخفف من تداعيات هذا النظام الهرم الذي بدا يتداعي ويفقد محتواه نتيجة عاملين مهمين , بنيته المتهرئة واختلاف اسس التجارة العالمية بعد التطور التكنولوجي الهائل , ونشاة الاقتصادات المتعددة وافلات الشركات المتعدية الجنسيات من عاملي الارض والخامات فسمح بافلات دول كثيرة من انظمته وقوانينه المعتمدة على السوق والراسمال المتوحش فظهرت دول اخرى جديدة ذات انظمة اقتصادية متوازنة مثل النمور الاسيوية ودول بحر البلطيق الاسكندنافية التي خرجت من اطار التوحش الراسمالي الى انظمة اكثر عدلا .
في هذه المقدمة البسيطة والتي ازعم من خلالها الى معرفتي ببعض مشاكل النظام وتاثيراته يبرز عامل مهم وخاص بمنطقة الشرق الاوسط فمعظم دول المنطقة التي تعتمد اساسا على نظام اقتصادي ريعي من خلال بيع النفط الخام تنبهت منذ منتصف الثمانينات وبعد ازمة انهيار اسعار النفط الى محاولة التخفيف من تداعيات هذا الصراع لتعلمها من التجارب السابقة, او على الاقل البدء ببناء اقتصاد مختلط قائم على تعدد الصناعات مثل كالصناعات البتروكيمايوية في السعودية وايران او تطوير مواقع صناعاتها وزيادة ايرادات ماليتها مثل مصر والاردن عبر تشجيع السياحة او الاستفادة من التطور المالي والتكنولوجي كالامارات في حين انشغل العراق في محاولة حل ازماته عبر تصديرها الى الخارج املا في استغلال قوته لفرض شروطه ناسيا ومتناسيا ان العالم اصبح يفكر بلغة اخرى خصوصا بعد توضح احتمالات انهيار الاتحاد السوفيتي منذ منتصف الثمانيات , وهنا يبرز اهم معلم في الازمة العراقية الحالية وهو عجز النظام الديكتاتوري الصدامي عن معالجة ازماته وعجز النظام الحالي الذي اقيم على انقاض النظام السابق ايضا ,وكلا النظامين حصلا على مردودات مالية تفوق مثيلاتها في دول المنطقة عدا السعودية لكن النظامين فشلا في اقامة نظام اقتصادي مواكب للتطورات وقادر على ترسيخ مباديء العدالة في توزيع الثروة والنهوض بالبلاد.
واذا حاولنا تفسير ازمة النظامين في انشغالهما المتكرر في الحروب والازمات الا ان ذلك لايعفيهم ابدا كون ايران المجاورة تعتمد على اقتصاد ازمات طورته نحو الاكتفاء الذاتي وهي تعيش في خضم عقوبات قاسية على عكس الطبقة السياسية الحاكمة هنا ,وهذا يعني انه لاتوجد ارادة حقيقية لبناء نظام سياسي واقتصادي يسهم في رفع مستوى الحياة الاقتصادية والاجتماعية والانشغال فقط في السيطرة على مقاليد الحكم للطبقة السياسية وبالتالي الثروة والسلطة.
والسؤال الاهم الذي يزيدنا حيرة وحيرة ماذا لو داهمتنا هذه الازمة وبلدنا يعتمد على موارد محدودة جدا مع هذا العدد المتزايد من السكان والذي يزداد سنويا بمعدل مليون مواطن مع ضغط شديد على الخدمات الشحيحة اصلا وتخيل حجم الهزات الاجتماعية التي يتوقع حدوثها.
تلجا معظم الدول الواقعة تحت خط الاقتصاد المتبوع لمعالجة ازماتها عبر اجراءات عديدة منها الاقتراض من صندوق النقد الدولي كون ليس لديها القدرة على ضخ مبالغ ضخمة او حزم مالية لمعالجة ازماتها الاقتصادية والمالية ويشترط صندوق النقد عدة شروط لمنح هذه القروض اولها التزام الدولة المعنية بخفض الانفاق الحكومي تحريراسعارالسلع والخدمات الرئيسية مايشكل ضغطا على الطبقات الفقيرة والمتوسطة محدودة الدخل في حين لاتتاثر الطبقة الغنية بشكل واضح ممايخلق ازمات سياسية مثال ذلك انتفاضة الخبز في مصر1977 والتي على اثرها ذهب السادات طالبا الصلح مع اسرائيل او ازمة الخبز الاردنية التي اسقطت وزارة النسور سنة 1985 , وفي ضل اقتصاد ريعي وبلد يعتمد على بيعه النفط الخام للحصول على تمويل فعالياته الاقتصادية والاجتماعية وتكالب طبقته السياسية على الحصول على المنافع المالية ودون النظر بجدية لتطوير قطاعاته الاخرى فبالتاكيد سيعاني عند اول ازمة مالية سواء تسبب بها انخفاظ اسعار النفط او توقف فاعلياته نتيجة حدث مهم كازمة كورونا الحالية التي اغلقت تقريبا اغلب الفعاليات الاقتصادية العالمية
لجات الحكومة الحالية الى معالجة تداعيات التوسع في الانفاق الخدماتي والسلعي في السنوات السابقة والذي سمح بانتشار الفساد في قطاعات الدولة الى خفض هذا التوسع والضغط على القطاع الحكومي المترهل باجراءات عدة قد تكون تداعياتها اكثر شدة فالدولة لاتمتلك بديلا موازيا للقطاع الحكومي كالقطاع الخاص لانها اساسا تركته على الرف بقصد واضح ولم تقدم له المساعدة الضرورية للنهوض به ليكون قطاعا مهما لامتصاص البطالة الكامنة و يسهم في تطوير الاقتصاد العراقي بشكل عام وبعد ان شجعت سياسة الاستيراد الواسع للسلع والخدمات دون تطوير قدراتها في زيادة ايرادتها المالية المختلفة فضلا عن اعتمادها على تعليمات صندوق النقد الدولي الذي يمنح القروض للدول على اساس مشروط كما اسلفنا فلجات الى اخطر اجرائين اقتصاديين كما سربت وسائل الاعلام في حينه وكما هومتوقع بالنسبة للرواتب والاجور اولهما تعويم العملة بسعر صرف غير واقعي وهذا يعني ان اغلب مدخرات المواطنين ومعاملاتهم المالية التي يلعب الدولار دورا في تمشيتها ستتضرر بالدرجة الاولى فضلا عن زيادة اسعار المواد الغذائية الخدمية المستوردة بالدولار وخفض رواتب الموظفين بحدود الثلث ومعروف ان الموظفين يشكلون شريحة مهمة تغطي نفقات حوالي نصف عدد السكان كون الموظف الواحد قد يعيل عائلة من خمسة اشخاص على الاقل وهذا يعني ان الموظف الذي سيتقاضى مليون دينار سينخفض راتبه نتيجة هذين العاملين الى النصف كون تعويم العملة سيخذ ربع راتبه وياخذ اسلوب التخفيض الربع الاخر فتوقعوا حجم الازمة الاقتصادية التي سيعانيها المواطن العراقي الذي لايغطي نفقاته العديدة راتبه الشحيح بالكاد قياسا بدول الخليج النفطية مما يهيء الارض المناسبة لتصاعد الاحتجاجات الشعبية والتي قد تطيح بالنظام السياسي مابعد2003
حاول رئيس الوزراء الافلات من هذه الازمة بحجة ان حكومته جائت بسبب تداعيات التظاهرات المطلبية وانه غير مسؤول عما يحدث الان وهذا خطا واضح فالكاظمي جزء من الطبقة السياسية الحاكمة ويتحمل نصيبه من التدهور الحاصل وكان الاجدى به البحث عن معالجات مفيدة منها تعظيم الايرادات والحد من الاستيرادات غير اضرورية وتشجيع الصناعات الخفيفة والغذائية وتنشيط القطاع الزراعي عبر تشجيع القطاع الخاص للاستثمار وضبط المنافذ الحدودية وخفض الانفاق الحكومي العسكري غير الضروري كون العراق لايحتاج السلاح بكميات كبيرة واللجوء الى تفعيل اجراءات البطاقة التموينية التي كانت تغطي جزء كبير من احتياجات المواطنين واعادة ضبط الدومين المالي اي المحفطة المالية للدولة عبر اعادة تاجير عقاراتها وبيعها باسعار السوق وليس باسعار بسيطة لاترقى لمستوى هذه العقارات وفرض الضريبة على الطبقات الغنية والمستفيدة وغيرها من الاجراءات الاخرى . ان بقاء الحاكمين بعقلية التصرف باموال العراق كبلد مفتوح وليس وطنا يستحق البناء سيدخلنا في ازمات وهزات سياسية قد تسمح بتشتت البلد وتقسيمه لاحقا اذا لم تتلاحق طبقته السياسية حالها لاعادة ضبط البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية وفق منظور العمل من اجل بناء البلد وازدهاره وليس نهب مقدراته والارتفاع بمستوى تفكيرها الى تفكير استراتيجي يرقى لمستوى عقلية البناة الاوائل للدولة العراقية وليس بعقلية صدام ومغامراته او البقاء في عقلية الخلافات حول من سيدير الوزارات ويستفيد من اموال الدولة القائمة اساسا على بيع سلعة استراتيجية تعتمد على سوق العرض والطلب ان عدم معالجة مشاكل العراق الحقيقية والبقاء بعقلية الحلول الترقيعية ستزيد الطين بلة فالعراق وفق هذه الاجراءات يتجه الى المجهول كسفينة غارقة نحو قاع المحيد ومن الموكد انها ستغرق الجميع

 

أحدث المقالات