خاص : كتبت – نشوى الحفني :
أعلن مدير الشركة الوطنية لتسويق النفط، (سومو)، “علاء الياسري”، التوصل لاتفاق لتصدير النفط بالدفع المسبق.
وقال “الياسري”، في تصريح صحافي: “إن (سومو) شركة وسيطة، وليست مالكة للنفط، وإنها الشركة الوحيدة المخولة بتصدير واستيراد المنتجات النفطية والنفط الخام الفائض عن الحاجة”.
وأضاف: “إن العراق ثاني أكبر مصدر للنفط الخام في (أوبك)، وإن اتفاق (أوبك) أثّر بشكل ايجابي في العراق”.
وأشار إلى: أن “العراق تمكن من التعاقد مع أكبر الشركات الحكومية في كل من أسواق الهند والصين وكوريا”، مبينًا حصول العراق على ملياري دولار بفائدة “صفر”، مع وجود علاوة فوق السعر بسبب البيع المسبق، لافتًا إلى: “أن شركة صينية فازت بعقد البيع المسبق للنفط”.
وبّين “الياسري”: إن “أغلب العقود تُشير إلى أن نفط الإقليم يُباع بسعر أقل من 6 إلى 9 دولارات؛ عن الذي يباع عن طريق (سومو)”، مشيرًا إلى: أن “كميات النفط المُصدرة من الإقليم عن طريق ميناء جيهان التركي، تبلغ 430 ألف برميل يوميًا”، مؤكدًا: أن “(سومو)؛ لديها القدرة على استيعاب كميات نفط الإقليم لغرض التصدير”.
وأوضح: أن “مسودة موازنة 2021؛ تُلزم حكومة الإقليم بتسليم 250 ألف برميل، وأن شركة تسويق النفط ليست لديها أسعار تفاضلية، إنما أسعار ثابتة حسب السوق”.
صفقة “نادرة”..
وبحسب ما نشرت وكالة (رويترز)، فإن شركة “تشينخوا أويل” الصينية لتجارة النفط، قدمت عرضًا لشركة تسويق النفط العراقية، (سومو)، بحيث تدفع نحو 2.5 مليار دولار مقابل 48 مليون برميل من الخام، بين الأول من تموز/يوليو 2021 و30 حزيران/يونيو 2022.
ووصفت وكالة (بلومبيرغ) الأميركية، هذه الصفقة بـ”النادرة”، حيث لم تتعاقد “بغداد” من قبل على صفقة مسبقة الدفع، وإن كانت حكومة “إقليم كُردستان”، في شمال البلاد، أبرمت عقودًا مماثلة في الماضي.
وإلى جانب ذلك، تعتبر الصفقة نادرة أيضًا لأنها تسمح للشركة، التي يسري عليها العطاء، بشحن الخام العراقي إلى أي وجهة ترغب فيها لمدة عام. وعادة، يُباع خام الشرق الأوسط بشروط صارمة تمنع التجار ومصافي التكرير من إعادة بيع البراميل إلى مناطق مختلفة.
يسبب كارثة اقتصادية غير مسبوقة !
وسبق وأن اعتبر النائب عن تحالف (سائرون)، “صادق السليطي”، أن بيع النفط العراقي بطريقة الدفع المسبق؛ سيسبب كارثة اقتصادية غير مسبوقة.
وقال “السليطي”، خلال مؤتمر صحافي عقده في البرلمان، بمشاركة عدد من نواب التحالف، إن: “شركة تسويق النفط، (سومو)، أعلنت عن عرض كميات من النفط العراقي؛ تُقدر بـ (48 مليون برميل)، وتعرض للبيع لمدة (5) سنوات قادمة وتباع بطريقة الدفع المسبق وبسعر تقديري أولي للبرميل الواحد يساوي (المعدل الشهري أو السنوي لنفط برنت للفترة التي تسبق تاريخ العقد)”.
وأضاف أن: “هذا الأمر خطير جدًا ومرفوض لعدة أسباب، كون الحكومة الحالية جرى تشكيلها لإعداد انتخابات مبكرة؛ وليس لإدخال البلد في تعاقدات مشبوهة تُكبل الثروة الوطنية لسنوات قادمة”، مبينًا أنه: “بهذه الطريقة ستستلم الحكومة أموالاً لنفط سيُصدر لاحقًا، ومن نفس حصة العراق بـ (أوبك)؛ وهنا نتساءل ماذا سيحصل إذا استقرت أسعار النفط ومعدل التصدير بنفس المستوى، وبالتأكيد سيُصدر العراق نفطًا ولا يستلم شيء بالأشهر والسنوات القادمة، كونه استلم المبالغ مقدمًا؛ وهذا سيسبب كارثة اقتصادية غير مسبوقة”.
وأوضح “السليطي”، أن: “شركة (سومو) جهة غير سيادية ولا مالية مختصة لتخول بالاقتراض ورهن النفط العراقي لجهات خارجية؛ وتضع عنق العراق بيد تلك الشركات، وهذا الإجراء لم يرد بالنظام الداخلي لشركة (سومو)”، مبينًا أن: “الثروة النفطية حق دستوري لأبناء الشعب العراقي جميعًا وللأجيال القادمة، ولا يسمح لأحد بالتعدي على حقوقهم وفق نزوات ورغبات بجني الأموال دون خطط مدروسة وحسابات مستقبلية”.
وبّين، أنه: “كان الأولى بشركة (سومو) السعي الجاد وإقناع منظمة (أوبك) لرفع حصة العراق من الكميات المصدرة؛ والعمل على تقليل كلف النقل والشحن بما يحقق زيادة الإيرادات المالية للعراق”، محذرًا الحكومة من: “المضي بهكذا إجراءات وحيل تكبل البلد بإلتزامات مستقبلية تعقد من جهات مشبوهة”.
مزايا اتفاقية العراق النفطية مع الصين..
فيما تحدث الخبير النفطي، “فرات الموسوي”، عن المزايا التي ستوفرها اتفاقية “العراق” النفطية مع “الصين”، والتي ستكون عبر بيع “النفط” عبر الدفع المسبق، وفيما أشار إلى أن الكمية المطلوبة من “العراق” لا تتجاوز 5% من الناتج العام، أكد أن الاتفاقية لن ترهن النفط العراقي كما يُشاع.
وقال “فرات الموسوي”، في حديث متلفز؛ إن: “عملية بيع النفط، وفق الدفع المسبق، تجربة جديدة في العالم، وفي نفط منظمة (أوبك) خصوصًا”، مبينًا أن: “العملية ستوفر سيولة مالية تساعد في رفد الموازنة المالية العامة”.
مضيفًا “الموسوي”؛ أن: “الطرف المستفيد في الجانب الآخر؛ هي الشركة الصينية، التي ستستفاد عبر كميات النفط التي ستأخذها دفعة واحدة لمدة سنة، ومن ثم يكون الاتفاق لأربع سنوات، وهي أفضل من الكميات الشهرية بالنسبة للسوق العالمي”.
وتابع، أن: “الإيجابية للجانب العراقي، هو أن العراق لا يتحمل فرق الأسعار الشهرية في حال حدثت، بل تتحمله الشركة المستفيدة”، مبينًا أن: “الكمية التي سيدفعها العراق للشركة؛ هي 4 ملايين من النفط الخام شهريًا، بمعدل 130 ألف برميل في اليون، وهي نسبة تمثل أقل من 5% على النفط العراقي المصدر، ولا تؤثر على سياسة تخفيض الإنتاج في (أوبك)”.
وأكمل الخبير النفطي، أن: “العراق سيبدأ، من الشهر المقبل، برفع الإنتاج النفطي”، مشيرًا إلى أن: “عملية بيع النفط للصين لا تدخل بصفتها نوع من أنواع القروض، وليس كما يشاع في الشارع بأن الصفقة تعتبر رهنًا للنفط العراقي، بل الكمية قليلة جدًا وتعود بفوائد مالية للبلاد”.
وأكد “فرات الموسوي”، أن: “واقع العراق الحالي لا يمتلك أي بديل عن النفط لتدعيم اقتصاده”، مشيرًا إلى أن: “العراق لا يمتلك أي بدائل أخرى إلا بيعه بهذه الطريقة، خاصة مع أن الواردات غير النفطية لا تساهم بشكل كبير في الواردات العامة”.
وعن استثمار الغاز المصاحب للنفط، قال “الموسوي”، إن: “العراق يصنف في المركز 11 باحتياطات الغاز الطبيعي في العالم، وهناك توجه حكومي، منذ سنوات، لاستثمار الغاز، وقد بدأت مؤخرًا في البصرة، لكن المشكلة هو التقدم البطيء بهذا الحقل من الاستثمار، الذي يحتاج إلى إرادة حقيقية وبيئة سياسية مناسبة”.
أشبه بقرض من أجل سد العجز !
واختلف معه أستاذ الاقتصاد، الدكتور “نبيل المرسومي”، حيث قال أن: “هذه الصفقة لا تُعد من أكبر الصفقات، فهي لا تزيد عن مئة وثلاثين ألف برميل يوميًا، أي أقل من 3% من مجموع صادرات العراق النفطية، لكن ذلك يُعد إجراءً جديدًا في سياسة النفط العراقية، وهو أشبه بقرض من أجل سد العجز بالموازنة”.
وتابع “المرسومي”؛ بالقول: “الشركة الصينية هي الأخرى ستستفيد من هذه الصفقة، كونها ستزيد من قيمتها الأسمية، كما باستطاعتها بيع كمية النفط إلى أي جهة كانت، وهو موضوع سيثير حفيظة الدول المصدرة للنفط، على اعتبار أنها وسيط وليس مستهلك للنفط”.
وأضاف “المرسومي” قائلاً؛ قد تكون هناك دوافع سياسية وراء هذه الصفقة، ذلك أن الشركة الصينية هي شركة حكومية، والشركات الخاصة لا تُحبذ هذا النوع من العقود، كونه يؤدي إلى تجميد المبالغ، لذلك لم تقدم على هذه الصفقة سوى شركتين.
محفوف بالمخاطر..
من جهته؛ رأى الخبير الاقتصادي العراقي، “صفوان قصي”، إن اتجاه “وزارة النفط” بعملية البيع العاجل بالسعر الحالي، محفوف بالمخاطر، خاصة أن الظروف الحالية تُشير إلى أن أسعار النفط ماضية نحو الارتفاع.
مضيفًا “قصي”: “أعتقد أنه في حال بيع النفط في أسواق المضاربة، فيجب أن يكون على أسس علمية، رأيي أن تكون هناك أسعار للنفط العراقي أعلى من الأسعار الحالية، بحيث تكون مناسبة للعام الجديد 2021”.
وبجانب الغموض الاقتصادي الذي يحف الصفقة، يُحذر خبراء عراقيين آخرين من أن يقع العراق فريسة للنفوذ الصيني أو ملعبًا للقوى الإقليمية المتصارعة.
تحول العراق لملعب للقوى العالمية..
وقال المحلل السياسي العراقي، “عمر عبدالستار”، إن “العراق” بلا شك هو الخاسر الأكبر من هذه الصفقة، لأنها مؤقتة وغير دائمة، كما أنها ستحول “العراق” إلى ملعب عالمي.
موضحًا أن: “النفوذ الصيني بدأ يتزايد داخل العراق، ورغم انسحاب الولايات المتحدة تدريجيًا من العراق، إلا أنها لن تتخلى عنه، ولذلك سيصبح العراق ملعبًا للقوى العالمية”.
العراق سيكون الخاسر الأكبر..
وشبه “عبدالستار” المواجهة؛ بأنها ستكون أشبه بـ”الحرب الباردة”، سيكون العراق فيها: “الخاسر الأكبر”، حسب رأيه.
وكانت وكالة (بلومبيرغ) الأميركية قد وصفت الصفقة؛ بأنها أحدث مثال على سياسة القروض الصينية، من خلال شركات تجارية وبنوك تسيطر عليها “بكين”، مقابل السداد ببراميل نفطية.
وحذرت العديد من التقارير سابقًا من سياسة القروض الصينية، التي بمقتضاها تُسيطر “بكين” وتصادر بعض مقدرات وأصول الدول الأخرى عند عجز الحكومات المقترضة، الإيفاء بإلتزاماتها.
وقد وقع ضحية هذه السياسة دول مثل، “سريلانكا وباكستان”، ومؤخرًا “لاوس”، التي ستسلم الحصة الأكبر من شبكة الطاقة الكهربائية الخاصة بها إلى “شركة الصين الجنوبية الوطنية للكهرباء”، بسبب فشلها في سداد الديون الصينية.
مخاوف من اندلاع الاحتجاجات..
وعن دوافع الصفقة التي يجب أن يقرها البرلمان، يرى المحلل السياسي العراقي، “نجم القصاب”، أن هناك: “اتفاقًا بين الكتل السياسية العراقية، بجانب ضغط على رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، لتوقيع وإبرام مثل هذه العقود بعيدة الأجل مع الجانب الصيني”.
وأضاف “القصاب” أن: “الأحزاب والحكومة العراقية تحاول الخروج بأقل خسائر ممكنة في هذه المرحلة المقبلة، لا سيما وأن العراق مقبل على انتخابات، وتحاول هذه الكتل السياسية إرضاء الجمهور حتى لا يخرج في احتجاجات”.
وتأتي الصفقة، في وقت يتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي لـ”العراق” بنسبة 12 بالمئة هذا العام، أي أكثر من أي عضو آخر في (أوبك)، وفقًا لتوقعات “صندوق النقد الدولي”.
وتابع “القصاب” قائلاً: “تحاول الحكومة العراقية الحصول على السيولة النقدية مقابل إعطاء النفط، حتى لو بأقل الأسعار العالمية، في وقت لم تستطع الدولة التخفيف من حدة الاحتجاجات في مناطق الوسط والجنوب، والتي ربما تنتقل إلى الإقليم السُني”.