خاص : ترجمة – د. محمد بناية :
بعد يومين على مقتل “قاسم سليماني”، قائد (فيلق القدس)، نشرت المواقع الإلكترونية المحسوبة على (الحرس الثوري) بوستر مزيل بعبارة: “قاآني هو نفسه سليماني”، ووصفه أئمة الخطب بالقول: “قاآني هو سليماني آخر”. هذه العبارات التي تذكرنا بالفترة التي هتف فيها أنصار “خامنئي” بشعار: “خامنئي هو خميني آخر”، بغرض تثبيت مكانته وتضخيم شخصيته. بحسب (راديو الغد) الأميركي الناطق بالفارسية.
وزن “رجل تحت الظلال”..
وبعد عام من هذه الصورة؛ يبدو أن، “إسماعيل قاآني”، لم يكد يتخفف من، “قاسم سليماني”، والخروج من تحت ظلاله حتى ألقت “زينب سليماني” بظلالها على رأسه.
وهذا الحال لم يكن مستبعدًا لأسباب. الأول: خلال العقد الماضي سيطر اسم “سليماني” على قوات (فيلق القدس) والسياسة الإيرانية الإقليمية، ولم يسمح لأحد، حتى “قاآني”، استعراض نفسه.
ذلك أن “قاآني”، والمعروف بـ”رجل تحت الظلال”، لم يحظى باهتمام كبير في الدعاية الإعلامية المتعلقة بالحرب في “العراق” و”سوريا”، لصالح تسليط الضوء على شخصيات أمثال: “سليماني” أو “حسين همداني” أو “محمد رضا فلاح زاده”، مساعد تنسيق (فليق القدس) الحالي. وهذه الغيبة لا تعني انعدام دوره، ولكن طبقًا للروايات؛ فقلد لعب “قاآني”، بالنظر إلى خبراته في “أفغانستان”، دورًا رئيسًا في تشكيل الفصائل مثل (فاطميون)، لكن هذه الغيبة الإعلامية والدعائية أفضت إلى تضئيل نفوذه وخبراته أكثر من اللازم داخل وخارج “إيران”.
ففي “لبنان”، على سبيل المثال، كان وزن “سليماني”، في الدعاية، يضاهي “حسن نصرالله”، لكن “قاآني” لا يتمتع بمثل هذه القوة إزاء “نصرالله”.
وفي آخر تصريحاته عن “قآاني”، أكد أمين عام (حزب الله) اللبناني، حاجة قائد (فيلق القدس) للوقت، وقال: “لا يجب أن نتوقع منه أكثر من اللازم”.
إفتقاره للكاريزمة..
الثاني: يفتقر “قاآني” إلى كراكتر “سليماني”، لا في التصوير ولا في الكلام ولا من حيث الخبرات في البروجندا، ولا يحظى بوزن سياسي كبير داخليًا، ومسرحيته مع “خامنئي” لا تضاهي في الشكل والوزن “سليماني”.
وفي أول بداية تنصيب “قاآني”، قائدًا لـ (فيلق القدس)، برزت الألقاب على شكالة: “عقل فيلق القدس المفكر”؛ و”الجنرال الشامي”؛ و”مهندس مخابرات الحرس الثورس” وغيرها، ولكن أنزوت هذه الدعاية تدريجيًا وتحول إلى وجه عادي إعلاميًا.
ظلال بروباجندا “سليماني”..
الثالث: يحتاج “قاآني” إلى البروجندا؛ على غرار ما فعلت “الجمهورية الإيرانية” في جنازة “سليماني”.
فقد تسببت الدعاية الكبيرة مع التركيز على “زينب”، ابنة “قاسم سليماني”، والقصص والروايات الخرافية عن “سليماني”، والمشروعات المتعددة عن “سليماني”، والكتب والأفلام الدعائية وآلاف البرامج عن “سليماني”، في تجاهل “قاآني” في الدعاية. وهو بحاجة على الأقل إلى عامين حتى يتسنى له الخروج عن ظلال بروباجندا “سليماني”.
الانتقام العسير !
الرابع: يتعلق بوعد “الانتقام العسير”، الذي تحول بعد مقتل “سليماني”؛ محور الدعاية الإيرانية.
ذلك أن جهاز البروجندا الإيرانية في حاجة مستمرة إلى مثل هذه الوعود الرمزية. وأفضل مثال على ذلك يعود إلى فترة الحرب ضد (داعش). فقد أطلقت وسائل إعلام (الحرس الثوري) حملة كبيرة تحت شعار: “الوعد الصادق”، وذلك إثر سقوط تنظيم (داعش)، بعد شهرين فقط من وعد “سليماني”.
وقد كان هو نفسه خبيرًا بمثل هذه الألعاب، وكتب رسالة إلى “خامنئي”؛ يُعلن إنتهاء سيطرة تنظيم (داعش). لكن يبدو أن “قاآني” لا يعرف بمثل هذه الألعاب الإعلامية. لذلك فقد أثار الفصل في تنفيذ “الانتقام العسير”، الاستياء حتى داخل أنصار النظام؛ وساهم في تقويض مكانة وشخصية قائد (فيلق القدس).
تأشيرة دخول إلى العراق !
في آتون هذه المساعي والتحديات الداخلية، تعمل أخبار؛ مثل حاجة “قاآني” إلى تأشيرة دخول لـ”العراق”، واختلاف الميليشيات العراقية المحسوبة على “إيران”، وإرادة رئيس الوزراء العراقي الجديد على مواجهة هذه الميليشيات، وكذلك الفراغ الناجم عن وفاة “أبومهدي المهدس”، في تقويض مكانة “قاآني” الإدارية.
والأهم هو التأثير المباشر لهيكل هذه الشبكة العريضة والطويلة التي أسسها “قاسم سليماني”، على مدى 15 عامًا وأنفق عليها مليارات الدولارات.
وقد لا تؤدي وفاة “سليماني” إلى تغيير إستراتيجي على السياسات الإيرانية الإقليمية، وتنشأة الميليشات المسلحة، والتدخل في سياسات دول الشرق الأوسط الداخلية، واحتدام الصراعات الطائفية، إلا ان القدرة على تنفيذ مثل هذه السياسات الإستراتيجية يتطلب قائد مسيطر، وهو ما فشل فيه “قاآني” حتى الآن.