خاص : كتبت – نشوى الحفني :
يبدو أن منظومة الفساد في العراق باتت على موعد مع المحاسبة، فقد قال الرئيس العراقي، “برهم صالح”، الخميس الماضي، إن العراق بحاجة إلى عقد سياسي جديد يؤسس لدولة ذات سيادة كاملة، وأشار إلى أن منظومة حكم ما بعد 2003، لا يمكنها أن تخدم المواطن.
وأكد في كلمة له بمناسبة العام الجديد أن: “الأزمات المتتالية والتحديات تؤكد حجم وحقيقة الخلل البنيوي في النظام القائم وطريقة الحكم، وأن المسؤولية التاريخية والوطنية تقتضي العمل الجاد على إنهاء دوامة الأزمات التي تعصف ببلدنا”.
وأضاف: “يستوجب ذلك منا الإقرار بأن منظومة الحكم التي تأسست بعد عام 2003، تعرّضت إلى تصدع كبير، ولا يُمكنها أن تخدم المواطن الذي بات محرومًا من أهم حقوقه المشروعة، لذا فنحن بحاجة ماسة إلى عقد سياسي جديد يؤسس لدولة قادرة ومقتدرة وذات سيادة كاملة”.
وتابع الرئيس العراقي: “من غير الممكن أن يتحمل المواطن العراقي ضريبة الصراعات والإخفاقات السياسية والفساد، إلى حد التلاعب بقوتهِ اليومي”.
وأوضح، أن: “ّذلك كله يستدعي مراجعات وقرارات إصلاحية جديدة تُبنى على الصراحة، وتستند إلى مبدأ أساس في عدم زج المواطنين في الصراعات السياسية، إذ لا يمكن أن يُربط قوت المواطنين، ورواتب الموظفين في العراق، ومنهم أيضًا في إقليم كُردستان، بالصراعات السياسية وآفة الفساد”.
وأشار إلى أن: “العراق تنتظره في العام الجديد استحقاقات مصيرية، تتمثل في إكمال مشروع الإصلاح من خلال التمهيد لانتخابات مبكرة عادلة ونزيهة، تضمن حق الناخب العراقي في الاختيار بعيدًا عن التلاعب والتزوير والضغوط وسرقة الأصوات”.
إحالة 20 وزير عراقي ومئات المسؤولين للمحاكمة..
لذلك كان من أكثر القرارات جرأة، مع بداية العام الجديد؛ هو إحالة القضاء العراقي، أمس، 20 وزيرًا عراقيًا للمحاكمة بتهم فساد، كما شملت القائمة مئات المسؤولين الآخرين، ضمن حملة لمحاربة الفساد في العراق.
وكشف عضو مجلس النواب النائب، “جمال المحمداوي”، عن مناصب المسؤولين المحالين إلى القضاء بتهم فساد.
وقال “المحمداوي”، لوكالة الأنباء العراقية، (واع): إن “قائمة المتهمين المحالين ضمّت أكثر من 20 شخصية بدرجة وزير؛ تمت إحالتهم إلى محكمة الموضوع”، مشيرًا إلى أن: “هذا مؤشر يؤكد وجوب ألّا يتم اختيار الشخصيات التي تتسلم المواقع الرئيسة من مزدوجي الجنسية”.
مضيفًا أن: “20 شخصية متهمة بدرجة وزير، من أصل 333، أحيلوا للمحكمة غيابيًا، أما من هم بدرجة مدير عام فقد أحيلوا غيابيًا للمحاكم، وعددهم 27، ممن اتهموا بالقضايا الجزائية الخاصة بوزارة الكهرباء”.
وتابع أن: “الفئة الأخرى التي هي أقل من مدير عام، يصل عددهم إلى أكثر من 286، وهم أحيلوا غيابيًا للمحاكم، فيما تمت كفالة 72، ومن ضمنهم وزيران وأربعة بمنصب مدير عام، و66 من درجات وظيفية أقل”.
وأشار إلى أن: “الإدانات شملت 4 وزراء فقط، و7 مدراء عامين، من أصل 198 متهمًا بالقضايا التي تتعلق بملفات الفساد لوزارة الكهرباء”.
وكثيرًا ما وجه الخبراء العراقيون انتقادات للحكومات العراقية المتعاقبة لعدم تمكنها من حل أزمة الكهرباء والغاز في البلاد على مدى سنوات طويلة، بسبب الفساد.
إرتباط الفساد بالأزمة السياسية..
يُذكر أن رئيس الوزراء العراقي، “مصطفى الكاظمي”، كان قد صرح، قبل أسبوعين، بأن الأزمة السياسية في العراق مرتبطة بالفساد والمال والسلطة.
ونقلت قناة (العربية)؛ عن رئيس الوزراء العراقي، قوله: “من غير المعقول أن نخضع لمعادلة الفساد السابقة”.
وشدد “الكاظمي” على ضرورة بدء عملية “إصلاح قيصرية”، محذرًا من إنهيار النظام في حال لم تبدأ عملية الإصلاح بالعراق.
وكان رئيس الوزراء العراقي، أعلن قبل أشهر عن تشكيل لجنة عليا تختص بالتحقيق في قضايا الفساد الكبرى والجرائم “الاستثنائية”.
دلالات ذاتية وموضوعية..
وكان لتصريحات الرئيس العراقي مؤخرًا؛ وقعًا مختلفًا، حيث رأى مراقبون أن تصريحاته حملت العديد من الرسائل للداخل والخارج عن الوضع الحالي.
فيقول أمين الحزب (الطليعي) الناصري بالعراق، الدكتور “عبدالستار الجميلي”، في ظني أن تصريح الرئيس العراقي، “برهم صالح”، حول فساد منظومة الحكم، منذ العام 2003، وفي هذا التوقيت يحمل دلالات ذاتية وموضوعية كثيرة.
وأضاف أنه من تلك الدلالات التي يحملها هذا التصريح؛ هو محاولة النأي بالنفس عن الفشل الذريع الذي منيت به العملية السياسية ومنظومتها الطائفية والعرقية وفيدراليتها التقسيمية، وهذا التصريح لم يكن هو الوحيد الذي صدر في هذه الفترة، فهناك تصريحات سابقة ولاحقة تندرج ضمن نفس إطار الاعتراف بفشل العملية السياسية، لكن ما يؤخذ على هذه التصريحات، أنها أكتفت بالاعتراف بالفشل، دون أن يتبعها الاعتراف الأهم وهو تحمل مسؤولية الفشل الذي تتشارك به جميع الكتل في “بغداد” و”أربيل”، التي آثرت الإمعان في الاستبداد والفساد والتبعية، دون أن يقترن الاعتراف بضرورة فتح الطريق أمام خيار التغيير الجذري، سواء بعقد سياسي جديد أو مشروع وطني شامل، وكلا الحالتين تحتاج إلى إشراف سلمي وحيادي من قِبل الجيش لفترة انتقالية.
وتابع “الجميلي”، أما الأسباب الموضوعية فتكمن في الإحساس بالمتغيرات القادمة محليًا وإقليميًا ودوليًا، على خلفية التوتر “الأميركي-الإيراني” المفتوح لكل الاحتمالات، وتصاعد عمليات (داعش) الإرهابي، والعدوان “التركي-الإيراني” المستمر، والحراك الشعبي الداخلي الذي من المتوقع أن تزداد وتيرته مع إمعان الحكومة الحالية في مراكمة الفشل، وبيع الوعود والخطابات التي لم ترشح أية مؤشرات على أنها ستأخذ طريقها إلى الواقع في ظل الخيارات الخاطئة لأغلب الوزراء، وبشكل خاص وزيري المالية والخارجية.
عدم استمرار حالة ضبابية..
متوقعًا أمين الحزب (الطليعي)؛ أن لا تستمر الحالة الضبابية في العراق، والتي باتت تمس القوت اليومي للمواطن، وأيضًا تمس وحدة وسيادة وهيبة البلاد، التي أصبحت نهبًا وفق منطق القوة والغلبة وفق ثلاثية السلطة والغنيمة والإقصاء، ففي إطار هذه الأسباب الذاتية والموضوعية الرئيسة وغيرها؛ جاء هذا التصريح، الذي لم تعقبه أية إجراءات عملية لوضعه في سياق المصداقية التطبيقية.
خطابات الاستهلاك المحلي..
فيما قال المحلل السياسي العراقي، “رعد هاشم”، إنه: “ما بين الحين والآخر؛ يخرج علينا الزعماء السياسيين، وبشكل خاص كلما اقتربت الاستحقاقات الانتخابية، بتصريحات تتضمن اعترافات ومصارحة وانتقادات لبنية النظام السياسي، في محاولة لكسب مشاعر الجمهور أو لأغراض التحشيد الجماهيري”.
لافتًا إلى أن تصريحات الرئيس العراقي، في حقيقتها، مجرد خطابات للاستهلاك المحلي لا تجدي نفعًا، ولا تلقى صدى أو مقبولية تُذكر عند عموم الشعب؛ الذي سئم الوعود وتخرصات السياسة، بعد أن كشف حقيقتهم.
دعاوى الوقت الضائع..
موضحًا “هاشم”؛ أن تلك التصريحات قد تتضمن رسائل سياسية تدعو لإعادة الحسابات لتحقيق الإصلاح أو تغيير المنهج ومغادرة السياقات السابقة، ولكن لا جدوى من أية دعوة من هذا القبيل، كون الوضع السياسي بأدائه المحبِط بات غير قابل للتغيير لعدم توفر الإرادة السياسية لذلك، بسبب اعتماد الأحزاب على تغليب منهج المصلحة الذاتية على المصلحة العامة، وتوافقها مع الفساد، وبالتالي تفعيل المداخل التي تنعش أجواء الإرهاب.