خاص : كتبت – نشوى الحفني :
مع دخول عام 2021؛ تتجه الأنظار إلى ما يمكن أن تكون عليه سياسات “تركيا” في الأشهر المقبلة، خاصة فيما يتعلق بسياستها الخارجية، والتي كانت مختلفة بشكل كبير في 2020، ولم يسبق أن كانت عليها في السنوات السابقة، وهو ما أدخلها في صدامات كثيرة في عدة محاور، نتج عنها مؤخرًا عقوبات أوروبية وأميركية، كان لها تداعيات داخلية أثرت بشكل أو بآخر على الشعب التركي.
خلال 2020، لوحظ أن سياسة “أنقرة” الخارجية كانت مقسمة على جزئين، في الجزء الأول؛ أدخلت نفسها وفتحت ملفي “شرق المتوسط” و”ليبيا”، لتتجه في النصف الثاني من العام إلى ملفات أخرى أبرزها ملف “إقليم القوقاز”، بتدخلها عسكريًا إلى جانب “أذربيجان” ضد “أرمينيا”، مع استمرارها بالطبع في الصراعات الأخرى.
غير أنه في النصف الثاني، وخاصة في شهر كانون أول/ديسمبر الماضي، كان ملاحظًا التغير الذي طرأ على الخطاب التركي الخارجي، وهو تطور كان قد تبع العقوبات الأوروبية والأميركية، لتتجه “أنقرة” بعدها إلى الحديث عن ضرورة فتح صفحات جديدة في علاقاتها، ولم تقف عند ذلك بل كان لها حراكًا في ملفات كان من الصعب فتحها سابقًا، كالملفات المرتبطة بعلاقتها مع “مصر” مثلاً أو “إسرائيل”؛ إلى جانب “السعودية”.
تخفيف حدة اللهجة..
فقبل إنتهاء عام 2020؛ أبدت “أنقرة”، وعلى رأسها الرئيس التركي، انفتاحها في عدة ملفات عالقة. ملفات كان قد صعد “إردوغان” لهجته فيها بشكل كبير في الأشهر الماضية.
بدأ الانفتاح نحو “الاتحاد الأوروبي”، والذي كانت آخر تحركاته فرض عقوبات “فردية” ضد “أنقرة”، على أن تكون أكثر حدة، في آذار/مارس المقبل، في حال لم تُبد الحكومة التركية أي بادرة حُسن نية في ما يتعلق بملف “شرق المتوسط”، أو الملفات القضائية، والخاصة بحقوق الإنسان.
وفي اتصال له مع المستشارة الألمانية، “أنغيلا ميركل”، في 18 من كانون أول/ديسمبر الماضي، قال “إردوغان” إنه يريد فتح “صفحة جديدة” مع “الاتحاد الأوروبي”، مضيفًا أن هناك فرصة جديدة لتعزيز العلاقات بين بلاده والاتحاد، لكن بعض الدول تحاول “خلق أزمة” لتخريب هذه الأجندة الإيجابية.
وتزامن هذا مع لهجة إيجابية من “إردوغان” نفسه؛ اتجاه العلاقات مع “الولايات المتحدة الأميركية”، معتبرًا أن: “التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري متعدد الجوانب ليس بديلاً عن روابطنا المتجذرة مع الولايات المتحدة”.
ولكن الغريب الانفتاح تجاه العلاقة المقطوعة مع “مصر”، والتي تم إحياؤها من خلال الساحة الليبية، إلى جانب العلاقة مع “إسرائيل”، والتي تردد الحديث عنها أيضًا، في كانون أول/ديسمبر الماضي، بعد تصريحات لمستشار رئاسي تركي؛ قال فيها إن “تركيا” ستخطو خطوتين لتطبيع العلاقات مع “إسرائيل”، في حال تقدمت الأخيرة خطوة واحدة.
وحول ما يخص “إقليم القوقاز”، وعلى الرغم من اللغة العسكرية التي كانت سائدة في النصف الثاني من العام الماضي، إلا أن “أنقرة” حاولت التخفيف منها مؤخرًا، من خلال تصريحات لوزير خارجيتها، “مولود جاويش أوغلو”، مبديًا إمكانية تأسيس بلاده علاقات مع “أرمينيا”، في حال إلتزمت باتفاق وقف إطلاق النار في “إقليم قره باغ”.
استبعاد تغيير السياسة الخارجية..
وحول ما يمكن توقعه لشكل سياسة “إردوغان”، خلال 2021، استبعد الباحث المتخصص بالشأن التركي، “مهند الحافظ”، أن تتغير السياسة الخارجية لتركيا، مؤكدًا أنها ستبقى على ما هي عليه، على جميع الأصعدة، لكن بتوترات أخف عن السابق، لافتًا إلى أنه: “بما أن الملفات الإقليمية التي كانت تؤرق أنقرة، في عام 2020، على ما هي عليه، فإن تركيا مضطرة للحفاظ على مصالحها سواء عبر الحوار أو القوة العسكرية”.
وأضاف أن ملفا “ليبيا” و”قره باغ”؛ يعتبران: “مفتاح” للأريحية والسياسة الخارجية التركية للعام الجديد، كون الأعمال العسكرية قد توقفت فيهما، مع الحديث عن اتجاه الأمور إلى خطوات أكثر سياسية وأكثر دبلوماسية.
وحول ما يتعلق “بشرق المتوسط”، وهو الملف الأبرز والعالق حتى الآن، وكان سببًا رئيسًا في العقوبات التي فرضها “الاتحاد الأوروبي” على “أنقرة” مؤخرًا، يرى الباحث المختص بالشأن التركي؛ أنه قد يتم الدفع قدمًا نحو الطرق الدبلوماسية، لاسيما مع الانفتاح الذي أبدته “تركيا” مؤخرًا مع “مصر”، وبتصريحاتها الإيجابية الأخيرة مع “ألمانيا”.
“سوريا” ستبقى المعضلة الأصعب..
وفي عام 2020؛ كان للملف السوري نصيب أقل من سياسات “تركيا” الخارجية، وهو ما يؤشر أنها ستبقى محطة عالقة لم تتمكن “تركيا” من الدفع باتجاه حلها لصالح الأطراف التي تدعمها، وهي المعارضة السورية.
وعلى مدار الأشهر الماضية؛ كانت الجبهات الشمالية لـ”سوريا”، التي ينتشر بها الجيش التركي قد شهدت عمليات عسكرية وقصف مستمر من الطيران الحربي التابع لـ”روسيا” و”نظام الأسد”، ما أدى إلى تقلّص نفوذ المعارضة بشكل كبير، بعد خساراتها مدن “إستراتيجية”، كـ”سراقب ومعرة النعمان”.
ولم يختلف الأمر كثيرًا في الشمال الشرقي لـ”سوريا” على الأرض، إذ لم تتمكن “أنقرة” أيضًا من تغيير المعادلة لصالحها، خاصة أنها تُصر على السيطرة على كامل الأراضي السورية المتاخمة لحدودها الجنوبية.
ويُشير الباحث، “مهند الحافظ”، إلى أن الملف السوري سبقى “المعضلة الأصعب” أمام تركيا، في العام الجاري، على خلفية الحدود الطويلة التي تربطها مع “سوريا”، وما يشوبها من خواصر رخوة تهدد الأمني القومي التركي.
ويقول “الحافظ”: “أميركا تدعم خصوم تركيا، وهي مجموعات (قسد)، وهاتان النقطتان تجعلان من الملف السوري العائق الأكبر في السياسة الخارجية التركية. سيعتمد ما سبق على الخطوات التي تتبعها إدارة بايدن مع الملف السوري، في الأيام المقبلة، سواء باستمرارية دعمها للقوات الكُردية أو لا”.
كانون ثان الحالي .. بداية ظهور خارطة الطريق بين تركيا وأميركا..
وهو ما لا يمكن فصله عما ستكون عليه الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة الرئيس المنتخب، “جو بايدن”، والذي من شأنه أن يفرض معادلة جديدة مختلفة بشكل جذري عن تلك التي سار بها خلفه السابق، “دونالد ترامب”.
وبحسب ما يفرضه المشهد الحالي مع دخول عام 2021؛ فإن “تركيا” يبدو أنها تتجه في طريق تأسيس العلاقات الصحية مع “واشنطن”، بعد أن أصبحت متوترة بشكل متزايد، لتكون آخر تبعاتها العقوبات التي فرضت بموجب قانون (كاتسا)، بسبب إصرار “تركيا” شراء منظومة الدفاع الجوي الروسية، (إس-400).
وحتى الآن تغيب تفاصيل خارطة الطريق التي ستكون مرسومة بين “أنقرة” و”واشنطن” في الأيام المقبلة، لكنها قد تتضح كليًا، مع نهاية كانون ثان/يناير الحالي، عقب وصول “بايدن” للبيت الأبيض.
وفي وقت سابق من كانون أول/ديسمبر الماضي؛ كان وزير الخارجية التركي، “مولود جاويش أوغلو”، قد أشار إلى أن “تركيا” ستعطي الأولوية للحوار والتواصل، في عام 2021، وستواصل إظهار قوتها الناعمة، مضيفًا أن بلاده لن تتردد في إظهار قوتها في المجال الذي تكون فيه مصالح أمنها القومي على المحك، مع إعطاء الأولوية للدبلوماسية.