الراحل صباح ألياس يلدا من المهندسين المعروف عنهم التفاني والحرص مع ما كان يمتلكه من معرفة مهنية ذات مستوى مهارة عالٍ… عمل زمناً طويلاً في شبكات كهرباء المنطقة الوسطى، الواقع مقرها في منطقة بغداد الجديدة.
وجدت هذا المهندس حائراً ومنهمكاً بالبحث عن المفتاح الخاص بباب قاعة معدات محطة الغزالي الثانوية (١٣٢ كيلوفولت) الواقعة في إحدى مناطق وسط العاصمة بغداد، كان هذا في إحدى صباحات أيام منتصف التسعينيات عندما حضرت، وكنت، ، المدير العام لتوزيع كهرباء بغداد، إلى موقع هذه المحطة، بعد توقفها الفجائي عن العمل وانقطاع التواصل الهاتفي واللاسلكي مع مراقب المحطة المناوب فيها وتعرض العديد من مناطق بغداد المزدحمة ذات الأهمية إلى قطع التغذية الكهربائية المجهزة عن طريق هذه المحطة، عنها.
لضرورة الدخول إلى المحطة والوصول إلى معداتها بسرعة لغرض التحقق من سبب توقفها وإجراء المعالجة العاجلة لإعادة المحطة إلى الخدمة قررت كسر أقفال المحطة وطلبت من أحد العاملين الموجودين معنا في الساحة الخارجية للمحطة أن يبحث عن أية وسيلة معدنية ويحضرها لغرض كسر أقفال الأبواب الموصدة ليتسنى لنا الدخول، عبرها، وعدم انتظار محاولة العثور على مفاتيح الأقفال الخاصة بأبوابها، التي يسعى إليها المهندس الراحل صباح، الذي رفض فكرة تهشيم الاقفال ووصفها بالإجراء المتسرع وما سوف ينتج عنه من أضرار تلحق بأبواب المحطة.
لم أعر اعتراضه أي اهتمام كوني أعلم أن دوافعه هي الحرص الكبير على موجودات المحطات حتى أبوابها كما إني لست مسؤولًا إدارياً أو فنياً عن المحطة كونها تابعة إلى الشركة العامة لإنتاج الطاقة الكهربائية، في حينها.
أخيراً تم فتح أحد الأبواب الرئيسة (عنوةً) ودخلنا إلى قاعة المعدات الداخلية الخاصة بالمحطة المتوقفة حيث كانت في حالة انطفاء شامل.
ولدى تفقدنا معداتها الخارجية فوجئنا بجسم مراقب المحطة المناوب معلقاً وملتصقاً على إحدى الهياكل المعدنية الحاملة للمعدات وهو جثة هامدة نتيجة لما تعرض له من صعقة كهربائية قاتلة في أثناء تنفيذه عملاً فنياً ما (غير مخول بتنفيذه).
تم اتخاذ الخطوات الفنية اللازمة لإعادة المحطة إلى العمل وربطها بالشبكة الكهربائية، بعد إخلاء جثة مراقب المحطة… حال الانتهاء من ذلك ولدى مغادرتي متوجهاً إلى مقر عملي وإذا بالمهندس المعترض على إجراءات كسر الأقفال (المرحوم صباح الياس) يتبعني ليقدم اعتذاره الشديد لي واصفاً إصراري على تحطيم الأقفال بأنه كان قراراً صائباً وفي وقته المناسب.. وجهت له عبارات الاعتزاز والاحترام لحرصه الكبير على ما بعهدته والذي يعكس مستوى تقديره للمسؤولية وأمانتها الذي يتحلى به .
على وفق حالة المنظومة الوطنية للكهرباء في العراق اليوم فهي بها حاجة الى مسؤولين يحملون شيئاً مما كان يحمله هذا المهندس من حرص وأمانة وتفان تجاه المحافظة على مكوناتها مهما كانت أقيامها… وهل بمقدورهم تجسيد السلوك الواعي النزيه في إدارة شؤونها بهذه الصورة الفريدة.