خاص: قراءة- سماح عادل
رواية “الطاقة الإيروسية لزوجتي” للكاتب الفرنسي “دافيد فوينكينوس” تحكي في قالب ساخر حكاية رجل منعزل اجتماعيا، ولديه مشاكل في التواصل والتأقلم مع المجتمع.
الشخصيات..
هيكتور: شاب في الثلاثين من عمره، ولد لأبوين كبيرين في السن، قررا إنجابه بعد رحيل ابنهم العشريني واستقلاله بحياته، لذا فقد تربي هيكتور كطفل وحيد، مع أبوين لا يتواصلان معه بشكل كافي، وشعر منذ طفولته بفجوة كبيرة بينه وبين والديه الكبيرين في السن، وعلاقته بأخيه جيدة لكن الفارق بينهما عشرين عاما، مما يعني أنها علاقة أقرب إلى العلاقة الأبوية منها إلى العلاقة الأخوية. يعاني هيكتور من إدمان جمع الأشياء، أشياء غريبة، والاشتراك في مسابقات للجمع.
أرنست: أخو هيكتور، يرعى أخوه ويعامله بود، يعاني هو أيضا من مشكلة الانجذاب الشديد للنساء مما يجعله يمارس علاقات جسدية عابرة رغم أن لديه زوجة.
مارسيل: صديق هيكتور، كان يعاني من إدمان جمع الأشياء ثم تعافى منه، وحاول أن يساعد هيكتور، وله زوجة بطلة في رياضة كرة اليد.
بريجيت: فتاة قابلها هيكتور، ثم تطورت علاقة بينهما.
وهناك شخصيات أخرى داخل الرواية.
الراوي..
الراوي راو عليم، يحكي عن هكتور البطل، ويحكي عن باقي الشخصيات من خلال عيون هيكتور وتقاطع علاقاته مع الشخصيات.
السرد..
الرواية تقع في حوالي 167 صفحة من القطع المتوسط، رواية قصيرة محكمة البناء، تعتمد على السخرية والمبالغة كخط أساسي للحكي، وتخلف تلك السخرية نوع من الكوميديا التي تمتع القارئ، يسخر الراوي من كل شيء، من البطل، ومن الوسط الذي يعيش فيه ومن سلوكيات كثيرة في المجتمع الفرنسي، وتنتهي الرواية نهاية سعيدة.
سخرية لاذعة من الوحدة والخواء..
الرواية بسيطة وخفيفة، لكنها تحمل معاني جميلة وإنسانية، فهي تحكي عن هيكتور الذي يعاني من الشعور بالوحدة نتيجة طفولة، لا نقول بائسة، وإنما بها مشاكل عدم تواصل مع الوالدين، وعم وجود أشقاء يمارس معهم تفاعلا اجتماعيا ما، فقط شقيق يكبره بعشرين عاما، ورغم أنه يدعمه دائما إلا أن إحساس هيكتور بالوحدة ظل ملازما له، لم يكمل دراسة القانون وساعده أخيه في إلحاقه بالعمل بالشركة التي يعمل بها. وكان شعور الوحدة سببا أنه أدمن عادة سيئة وهي جمع الأشياء، جمع أشياء غريبة وغير مفيدة، مثل شعارات الحملات الانتخابية، أوراق الشيكولاتة، عصيان الشواء، سدادات زجاجات الشمبانيا وأشياء أخرى غريبة.
وانعزاله جعله لا يقترب من النساء رغم بلوغه سن الثلاثين لأنه كان معتقدا أنه غير جذاب للنساء. وكان يكتفي بالنظر إلى النساء من الخارج والغرق في أحلام يقظة بهن لا تخلو من تفاصيل أيروسية، ثم يقرر هيكتور أن يتخلى عن إدمانه، ويسانده زملائه في العمل، وتعرفه إحدى زميلاته على مارسيل المتعافي من إدمان جمع الأشياء ويعرفه مارسيل على مجموعة دعم مكونة من مجموعة من مدمني جمع الأشياء، ثم يذهب هيكتور إلى منزل مارسيل ويتعرف على زوجته، والتي تتحرش بهيكتور في أول لقاء بينهما، في مشهد ساخر.
ثم يرسل أحد المتوفين إلى هيكتور صندوقا مليئا بسدادات الشمبانيا فيشعر هيكتور بالانتكاس وينظر إلى المرأة ثم يقرر الانتحار، ويذهب إلى محطة المترو ويحاول الانتحار لكنه يفشل ويدخل المستشفى لمدة ستة أشهر يتعافى فيهم من فكرة الانتحار.
ويوهم والديه وأخوه ومعارفه أنه كان مسافرا إلى أمريكا لكي لا يضطر إخبارهم بأنه انتوى الانتحار، وبعد خروجه من المستشفى يذهب إلى المكتبة يبحث عن كتاب عن أمريكا ليعرف معلومات تساعده في حبك الكذبة فيجد فتاة أخرى تحاول التقاط نفس الكتاب.
بداية الحب..
هنا تبدأ علاقة حب، يحكي عنها الكاتب بسخرية أيضا، يقرر هيكتور وبريجيت قراءة الكتاب معا ثم يكتشفان أنهما الاثنان كذبا على المحيطين بهما حول سفرهما إلى أمريكا، وتنشأ علاقة حب لطيفة ويتواصلان جنسيا، حيث كان تعاني بريجيت أيضا من انعزال اجتماعي ولكنه اختياري، حيث قررت أن تقوم بعمل دكتوراه عن انعزال الفرد داخل المدينة وتعيش لمدة ستة أشهر في عزلة بعيدا عن أي أحد تعرفه.
يجد هيكتور السعادة في التواصل مع حبيبة، وينسى إدمانه على جمع الأشياء، وتسير حياته بشكل جيد، حيث يتزوج من بريجيت، ثم يقومان بعمل شركة فكرتها ساخرة هي أيضا، حيث تساعد الناس على حبك كذباتهم، فهي تساعد من يدعي السفر إلى أماكن أن يتعرف على هذه الأماكن، وتساعد من يؤلف كذبات اجتماعية على إنجاح تلك الكذبات.
مهووس..
ثم وفي أحد الأيام يكتشف هيكتور أنه مهووس بطريقة زوجته في تنظيف الزجاج، حيث أنه أحس باستثارة جنسية كبيرة أثناء مشاهدتها وهي تنظف زجاج النافذة، ولا يستطيع التخلص من ذلك التأثير فيسعى إلى جعلها تنظف الزجاج، ثم يضع كاميرا في المنزل لكي يصورها وهي تنظف الزجاج أثناء غيابه، ويقتنع أن ذلك يمثل انتكاسة له، لكن هوسه هذا يعني أنه رجع لجمع الأشياء، لكنه جمع للحظات سعيدة في مراقبة زوجته، وتكتشف هي الكاميرا فتمثل مشهد خيانة انتقاما منه.
وحين يشاهد هيكتور خيانتها لا يواجهها وإنما يتعذب لمدة أسبوع خائفا من هجرها له، محتارا ما بين قبول الخيانة والاستمرار في الزواج ممن يحبها ويستثار جنسيا منها وما بين إنهاء الزواج والعودة إلى وحدته القديمة.
ثم تواجهه هي وتكشف له الأمر وتسأله عن سبب وضع كاميرا في المنزل فيخبرها بأمر استثارته، وتندهش هي لكنها تتقبل كون زوجها يستثار من فعل بسيط تقوم به، وتعتبره استيهاما جنسيا غريبا له، وترضيه وتحاول القيام بتنظيف الزجاج لكي تمتعه، ثم تطلب منه أن ينفذ استيهاما جنسيا غريبا لها هي أيضا، فيذهبان إلى صديقه مارسيل وزوجته، ويتعرى هيكتور أمامهما، ثم يرحل هيكتور وبريجيت بعد ذلك، لكنها تخبره أنها طلبت منه أن يتعرى أمام صديقيه لأنها تريد أن تعرف مدى حبه لها وتنفيذه لأوامر غريبة.
الإنجاب..
ويتجاوز هيكتور وبريجيت ذلك مؤكدين على قوة حبهما، وبعد وفاة والد هيكتور يفكر في الإنجاب لأنه يشعر أن وجود طفل أمر مهم، ويقرران الإنجاب وتنتهي الرواية بإنجابهما لثلاثة أطفال في مرة واحدة.
الرواية رغم أنها تحكي حكاية أحد الأشخاص إلا أنها تعكس بعض تفاصيل للمجتمع الفرنسي، حيث تؤدي الفردية وتمجيدها إلى خلق وحدة كبيرة يشعر بها الأفراد، ونتيجة لتلك الوحدة يلجئون إلى ممارسات وسلوكيات غير سوية مثل جمع الأشياء، وعمل مسابقات كبيرة لها.
هناك عدد من الناس يعانون من انعزال اجتماعي ومنهم من يفقد التواصل مع الجنس الآخر، كما تشير الرواية إلى العلاقة بين الآباء والأبناء والتي تمتلئ بالجفاء وعدم وجود روابط إنسانية حقيقية.
وتشير أيضا إلى النفاق الاجتماعي، وسعى كثير من الناس إلى الكذب لكسب قبولا اجتماعيا، مثل شقيق بريجيت الذي كذب بشأن فوزه بجائزة في مسابقة رياضية لسباق الدراجات، وظل طول حياته يعطي لنفسه قيمة نتيجة فوزه بتلك المسابقة، أي يبني قيمته الذاتية على كذبة، لذا حين واجهه هيكتور بمعرفته لتلك الكذبة ضربه بعنف لأنه حطم تقديره لذاته وهدم اسطورة تفوقه التي اختلقها.
مما يعكس مدى الزيف الذي يعيش فيه بعض الأشخاص في المجتمع الفرنسي، بحسب ما صورت الرواية، شعور كثير من الناس بالخواء، والفراغ والوحدة، ومحاولتهم كسب تميز اجتماعي بالكذب.
كما أشارت الرواية إلى وجهة نظر بعض الفرنسيين في الإنجاب ورفضهم له، حيث يتعاملون مع إنجاب الأطفال على أنه عبء كبير يقع على كاهلهم، ويصر الراوي أكثر من مرة أن إنجاب الأطفال مغامرة كبيرة يخوضها من يقرر الإنجاب.
لكن أيضا ورغم سخرية الراوي من كل شيء سخرية لاذعة إلا أنه يعلي من شأن الحب، ويعتبره منقذا للإنسان من خواءه ووحدته.
الرواية كانت ساحرة في طريقتها في السخرية من كل شيء، وفي طريقة كسر الإيهام بين القارئ والكاتب، لكن الترجمة كانت غاية في السوء، اعتقد لو كان المترجم محترفا لكانت الرواية قد كتبت بطريقة غاية في الاحتراف في اللغة العربية، لكن المترجم لم يستطع صياغة بعض الجمل أو توصيل حس السخرية لدرجة تجعل القارئ يعيد القراءة أكثر من مرة ليفهم ما يريد الراوي قوله.
الكاتب..
“دافيد فوينكينوس”، كاتب فرنسي، ولد عام ١٨٧٤، درس الأدب في السوربون ودرس موسيقى الجاز أيضا. نشر أول أعماله بعنوان “انعكاس الغباء” عام ٢٠٠٢، ثم توالت أعماله الإبداعية والتي منها رواية “الطاقة الإيروسية لزوجتي” عام ٢٠٠٤، ورواية “الرقة” التي صدرت عام ٢٠٠٩، لديه حتى الآن أكثر من 16 عملاً منشوراً. ترجمت رواياته لأكثر من عشرين لغة، حاز عددا من الجوائز، أُخِذَت أفلام سينمائية من عدة نصوص له، وأهمها الفيلم الذي أُنتج من روايته الرِّقة (La délicatesse).