الكثيرون لا يعرفون الأديبة والشاعرة الفلسطينية/ اللبنانية مي الصايغ.
فهي كاتبة وشاعرة ومناضلة وناشطة نسوية فلسطينية، ولدت في غزة سنة 1940، أنهت دراستها الابتدائية والثانوية في مدرسة الزهراء، درست الفلسفة وعلم الاجتماع في كلية الآداب بجامعة القاهرة، والدها موسى صايغ ملاك الأراضي الذي كان يصدّر البرتقال الفلسطيني إلى اوروبا، الذي توفي إثر نوبة قلبية حادة سنة 1950، ووالدتها هند فرح الكاتبة التي برعت في نظم الشعر والخطابة، وغرست في قلوب أبنائها حب الوطن والقضية والتضحية من أجلهما.
أقامت مي الصايغ في لبنان، وأشغلت منصب الأمينة العامة للمرأة الفلسطينية ما بين السنوات 1971- 1986. وعملت في الصحافة وشاركت في تحرير مجلة “فلسطين الثورة” المحتجبة عن الصدور.
كتبت مي الصايغ الشعر والرواية، وحظيت كتاباتها باهتمام المجلات الفلسطينية والعربية، كفلسطين الثورة والآداب اللبنانية وأقلام العراقية.
صدر لها في مجال الشعر :”اكليل الشوك، قصائد منقوشة على مسلة الأشرفية، قصائد حب لاسم مطارد، وعن الدموع والفرح الآتي”.
من قصائدها:
بابٌ دهريٌّ عند سماءٍ زرقاءَ
وصوت مثل البوق يقول تعالي
ألجُ الباب الوعدْ
أختال كروحٍ
أخطو فوق الريحِ
وأعبر غيماً أخضر
فوق بحار بنفسج
أعبر سفح الكونِ الفضي
وظلّ الأرضْ
توقفني شلاّلاتُ ضياءٍ
وملائكة من وردْ
أشاهد عرشاً من يشبٍ وعقيق
حول العرشِ مصابيحُ الروّح القدّوسِ
السبعة أرواحِ الله وشمسُ الغدْ
ووراء العرشِ محيطٌ من ماسٍ
وعيون ضوارىٍ تحرس مجد العرشِ
ملائكة بيض تهتف قدوس قدوس قدوسْ
قيثاراتٌ، جامات بخورٍ من ذهبٍ
سفر مكتوبٌ لا يفتحه إلاّ من يستأهل
أن يرث القدرة والحكمة والمجد.
يعبر بين الأرض
وبين سماء الصبُّح
ملاكٌ من ألوان الطَّيفِ
شفيفُ الطلّعة
يخطر فوق الشمسّ
يُشير فآتي.
يصعد من أوراق الشجر العالي
غيمُ بخورٍ من صلوات عليا
تُذهب طرفَ الكونِ
وطرف الرّعدْ
أفتحُ سفر اللَّيل النّازفِ
بدراً بدراً
ورداً ورداً
جرحاً جرحاً
يصغي اللهُ
ويصغي الشجر العالي
والصلوات العظمى
يُصغي الخُلْد
أهتف آتي الآن من الضيّق الأعظم
حيث رؤوس الشرّ وقوفاً عند زوايا الأرضْ
تحبس عني الريحَ ولا ينكسر الضوّء على شجري
فأنا لم يختمني ختم الأسباطْ
أمي شامة صبحٍ كنعانيّ في محراب أناتْ
لها أسئلة أُخرى
آلهة وأغانٍ، وحديقة وردْ
ولها مزمور آخر غير مزامير يشوعْ
ولها حلمٌ ورديّ تحت سماءٍ تطرح زيتوناً
لا يقطعه الغرباءْ
وعلى كتفي إرثُ زهورٍ
ونجوم مجوسٍ
لغة تلدُ الحُبّ
تضيء الفتنة في كلمات الشعّرِ
وفي الضَحكاتْ
جئتُ أفيء لظلّك
أبحثُ عنّي فيك وعنكَ
ألست الحاضر فيَ
وفي أزهار الحبق النّاعم
في الجاردينييا
في موسيقى الموج
وفي النّاياتْ
ألست تراني؟
كيف أُصدق أنك لست تراني
وأنا أملأُ قلبي منكَ
وأَدفع عنيّ القادم من بادية العصر
ومن أحقاد فلولٍ ضلت في التاريخِ
وفي الثاراتْ
يسرقُ صُبحَ الدّورِ
يغيضُ الماءْ
ينهبُ زيتي
يطردني من أحلام الليلِ
ومن ألوان البحرِ
ومن رائحة الزهرِ
ويزرع موتاً في الحاراتْ
فلا تطرحني من ذاكرةِ الأرضِ
وسر بي فوق الماءِ
اغسلني من تعب الكائن
أملأُ قلبي منك
أدافع عن عادات الفلّ
وعن رائحة الخبز
وعن دفء الشرّفاتَ
وارفع عني سُجُفَ الخلقْ
لأرى حكمة أن تعطيني صدراً
لا يَسع الشّجن المكتوبْ
أو تمنحني قلباً تذبحه الخفقاتْ
وأرى حكمة أن أستجدي قوت نهاري
وأرى حكمة أن تُبتر أطرافي
تُفقأَ عينايَ
يحلل قتل صغاري
وأرى حكمة أن تخلقني بيديكَ
وترضى أن تحرثَني الجرّافات
ألست رجائي!
كيف تضيق الأرض عليّ وأنت رجائي
كيف تضيق الأرضْ
ألست قريباً قُربا يكفي كي تأتيني
أسمح خطوك في دقات القلبِ
فكيف أصدق أنك لن تأتيني
كيف أصدق أنك لست أبانا
ملء الأرضِ وفي السمّوات
ولمي الصايغ كتاب بعنوان “الحصار” صادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر سنة 1988، وهو تسجيل لأيام الحصار لمدينة بيروت والثورة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية عام 1982.
وعلى امتداد 296 صفحة تروي مي الصايغ وقائع الحصار الذي عاشته وكانت شاهدة عليه، دون ان تسقط في السرد، من موقع الإنسان، والشاعر، والمسؤول.
وعلى هذا الأساس، وبهذه الرؤية التي جوهرها رؤية، شاعرة، وأم، وامرأة، عشت الساعات والليالي بما فيها من تداعيات في الماضي، ورؤية في الراهن.
والكتاب في المحصلة، ليس مذكرات ذاتية، وإن كان رؤية ذاتية، تتضمن نفسًا ملحميًا أساسه الحب والحرب.
وتبقى لغة الكتاب، هي لغة شاعرة، لا تبتعد عن الواقع، والوقائع، ولا تحلق في الخيال.