اربعة وعشرون شخصا ، بينهم طفلان ، قضوا على يد عصابة (كاوبوي) أمريكي تابعة لمنظمة (بلاك ووتر) السيئة الصيت في ساحة النسور ببغداد ، وجرح ما يقارب هذا العدد عام 2007 ، وآلاف أضعاف هذا العدد ، قضوا إما بطريقة مماثلة ، أو من قبل منظمات تدّعي “المقاومة” بسبب إنتماءاتها التكفيرية أو الطائفية ! ، وليس هذا هو السبب الوحيد لإزهاق أرواح العراقيين ، فالحكومات المتعاقبة لها حصة كبيرة من حرب الإبادة تلك ، فهنالك التجويع والحرمان من العلاج ونقص الأدوية والتلوث والفقر وإنعدام البُنى التحتية وإبادة المتظاهرين وقتل وخطف وتغييب كل من تسوّل له نفسه بالمطالبة بوطن ! ، إذن الدم العراقي رخيص بنظر نظامنا السياسي الذي من “المفترض” أن يكونوا من ابناء جلدتنا ، وإن شككتُ لدرجة القطع بعكس ذلك ! ، فكيف بالأمريكان ! ، فهي من إختارت متعمدة أسوأ نماذج الأرض لحكم العراق ، تكنوقراطييهم وعلمانييهم ، وأسلاموييهم .
يوم أمس ، إستخدم (ترامب) المنتهية ولايته ، سلطته لإعفاء هؤلاء القتلة من محكوميتهم ، أتعس وأحقر هدية منه بمناسبة أعياد الميلاد للعشرات من ذوي هؤلاء الشهداء الأبرياء ، لا بد أنه سيقول في قرارة نفسه (إنهم مجرد عراقيون) ، ورغم أن هذا الإعتقاد لا يبرر فعلته هذه ، إلا أن حكوماتنا قد وسّخَت صورة البلد في العالم ، فجعلت منه من أخطر بلاد العالم أمنيا ، ومن أوائل بلدان الإرهاب العالمي ، أسوأ مكان للعيش ، أفسد نظام سياسي وبرلماني في التاريخ ! ، أسوأ طرق في العالم ، أسوأ عاصمة في العالم ، وشعبه الأكثر حزنا وسلبية وتعاسة على سطح الأرض ، نحن المثل الأعلى في اساليب تزوير الإنتخابات ، وكأن حكومتنا تبحث عن أسوأ كوارث الشعوب ، لتكرسها في هذا البلد ، ربما طمعا في موسوعة (غينيس) في كل ما هو سيء وهذا هو الإنجاز الوحيد الذ نجحت فيه ! ، حقيقة أرثي لحال السياسي العراقي ، فقد صار مرادفا للعار ! .
ترامب هذا إنسحب من كل الإتفاقيات التي تُعنى بالبيئة والصحة والسلم العالمي والتجارة والتطوير الإقتصادي والغذاء وحقوق الإنسان ، فقد إنسحب من منظمة الصحة العالمية في أحلك الظروف الصحية التي تمر بالعالم ، مع وقف تمويلها طبعا ، في الوقت الذي تكون فيها الدول الفقيرة بأحوج ما يكون لهذه المنظمة على طيلة تاريخها ، هذا الرجل الذي ألغى أيضا برنامج (أوباما كير) الذي تستفيد منه صحيا المجتمعات الفقيرة في الولايات المتحدة ، كما انسحب من إتفاقية بيع الأسلحة التقليدية ، والتي تقيد بيع الأسلحة إلى جهات متورطة بجرائم حرب ! ، كما تنصل من الإتفاقية النووية مع إيران ، والشراكة التجارية عبر المحيط الهادئ ، وإنسحب من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى مع روسيا ، إنسحب من مجلس حقوق الإنسان ، بحجة التعامل بمعايير مزدوجة مع إسرائيل (!!) ، ومن منظمة الثقافة والتربية والعلوم (اليونسكو) بدعوى إنحيازها ضد إسرائيل (!!!)، والإنسحاب من الميثاق العالمي للهجرة ، وقطع التمويل عن منظمة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وغلق مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية في أمريكا ، ثم الإنسحاب من إتفاقية باريس للمناخ ! ، بالإضافة لسياسته الكارثية في إدارة الأزمة الصحية ، بحيث كانت لأمريكا حصة الأسد من وفيات وإصابات وباء كوفيد 19 ، وكانت آخر إنجازات الرجل ، إعفاء أربعة سفاحين من هذه الشركة المريبة تأسيسا وتمويلا ، وجهوا بنادقهم فأبادوا مواطنين عراقيين عُزل .
إنه الرئيس الأمريكي الأول الذي تجرأ على نقل سفارته إلى القدس ، لكن رغم لعبه دور كلب الحراسة لمصالح الكيان الصهيوني ، هو وشيطانه (جاريد كوشنر) ، ورغم أنه وجد أقزاما ترحب بالتطبيع وأعتبر ذلك مكسبا شخصيا كبيرا ، وظفها إعلاميا معتبرا أن ذلك هو الضمانة للفوز بالإنتخابات ، مع علمه أن تلك الأقزام لا تهش ولا تنش على الأقل من ناحية الأمن والبُعد الجغرافي لأن الرجل مهووس بالإعلام ، كذلك فالرجل لم يدّخر وسعا في خدمة (الدولة العميقة) الأمريكية والدفاع عن مصالحها ، من منظمات سرية وعوائل مرتبطة بالصهيونية العالمية ، وتمريره لصفقات سلاح خرافية هي الأغلى والأعلى في تاريخ أمريكا لأعراب الخليج ، لكن كل ذلك لم يشفع له بالفوز بولاية ثانية ، وهذا ما خالف الكثير من التوقعات ، فالمعروف عن المنظمات الصهيونية التخلي بسهولة عن عملائها ومريديها في حالة إحتراق ورقته ، أو عند حصولها على كل مكاسبها منه فتنتفي الحاجة إليه ، أسلوب شبيه بالتصرفات الأمريكية في “عقوق” عملائها ، مثل شاه إيران و(بينوشيه) ، و(ماركوس) رئيس الفلبين ، والسادات ، و(بوكوسا) رئيس افريقيا الوسطى ، وتدخلاتها في تنصيب وخلع كل رؤساء أمريكيا الوسطى خصوصا والجنوبية عامة .
لكن اذا عُرف السبب بطل العجب ، فالرئيس (بايدن)أعلن بالحرف الواحد أنه الحصان الرابح لدى (إسرائيل) ، وأنه (مجازيا) سيلبي لأسرائيل كل متطلباتها (ولا أقول أحلامها ، لأن أحلام إسرائيل هي الأكثر مشروعية وقدسية عى وجه الأرض) ، بنظر المجتمع الدولي الذي يتكالب على الترويج للمثلية الجنسية وصون حقوقها وإبراز مظلوميتها ! عندما صرّح علانية (أنا صهيوني رغم كوني مسيحيا ، لا يُشترط أن تكون يهوديا حتى تكون صهيونيا) ! .
الرجل لا يزال متشبثا بالبيت الأبيض رغم خسارته ، البعض إعتبر ذلك سابقة في تاريخ “الديمقراطية” الأمريكية ، يذكرني ذلك برفض رئيس ساحل العاج (لوران غباغبو) الذي إعتصم في قصره ورفض التنازل لصالح الرئيس الجديد (حسن وتارا) بسبب عدم “قناعته” بنتائج الإنتخابات عام 2011 ، ولم يخرجه من قصره الرئاسي إلا (بسطال)القوات الفرنسية ! ، والرئيس ترامب بحاجة إلى بسطال مماثل ، لكنه يجب أن يكون بمقاس كبير غير متوفر حاليا ، لا له ولا لسلفه (بايدن) ، الحصان الصهيوني الذي أسأل الله أن يصيبه العرج ! .