19 ديسمبر، 2024 1:26 ص

مجلس الامن الدولي: دكتاتورية كونية

مجلس الامن الدولي: دكتاتورية كونية

من اهم المؤسسات الدولية، أنما من اكثرها اهمية على الاطلاق بل الأكثر خطورة على السلم والاستقرار في العالم، وعلى امن الشعوب وسلامة الدول على ظهر كوكب الارض؛ هو مجلس الامن الدولي الذي تشكل او انبثق عن هيئة الامم التي والتي هي الاخرى قد تم تشكيلها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، من قبل المنتصرون في تلك الحرب وهم كل من الاتحاد السوفيتي( روسيا حاليا) وفرنسا والمملكة المتحدة وامريكا؛ كان الغاية من اقامة او تشكيل هذا المجلس؛ حفظ السلم والامن الدوليين.. وما له علاقة بالاثنين؛ من قبيل حقوق الانسان، وأمور ونواحي اخرى ذات صلة. لكن، ان الحقيقة او ان الهدف الحقيقي من وراء تشكيل هذا المجلس يختلف كليا من الناحية والواقعية والعملية عن ما ورد من مسوغات، أو موجبات، او اهداف اقامته؛ الهدف الحقيقي كان ولم يزل، من وراء تشكيل هذا المجلس كما هي بقية مؤسسات الامم المتحدة؛ هي تنفيذ سياسات الدول العظمى والكبرى سابقة الاشارة، والتي ضُمِ الصين لاحقا لها، في بداية سبعينيات القرن المنصرم؛ لتكون العضو الدائم الخامس في مجلس الامن الدولي. من موجبات اقامة هذا المجلس او الاهداف التي يراد له يقوم بها او يتصدى لها؛ هي:- حفظ السلم والأمن الدوليين. – إنماء العلاقات الدولية بين الامم. – التعاون على حل المشاكل الدولية وعلى تعزيز احترام حقوق الانسان. – العمل كمرجعية لتنسيق اعمال الامم المتحدة. هذه الفقرات هي من اجمل ما كتب لحفظ السلم الدولي وسيادة الدول كل الدول في اركان المعمورة؛ اذا ما جرى الاخذ بها على قاعدة الانصاف والعدل والحق والتي من اهمها الاعلان العالمي لحقوق الانسان، وتطبيق القانون الدولي؛ الذي شُرِع بعقول واقلام خبراء القانون والعلاقات الدولية من مستشاري هذه الدول حصريا. لكن التطبيق لهذه الفقرات جرى بصورة او بشكل مختلف كليا عن مداخيل هذه الفقرات بل ان ما جرى من تطبيقاتها في النزاعات والصراعات التي ظهرت خلال السبعة عقود التي مضت، بالضد تماما مما يتوجب على مخارجها تكون عليه تنفيذا لمداخيلها في حفظ السلم العالمي وحق الانسان في الحياة وسيادة الدول وحقوق الانسان في الحرية والرأي والكلمة والموقف. أن استثمار مداخلها بكسر مجرياتها وجعلها تجري في مجرى يختلف تماما عن اصل مجراها، من قبل المسيطرون على صناعة القرارات في اروقة مجلس الامن الدولي. هي التي قادت او نتج عنها مخارج للصراعات الدولية بما يخادم اجندة واهداف القوى الدولية الكبرى؛ فهي قد اججت الصراعات وزادت من لهيبها، تبعا لتناقض مصالح هذه القوى الدولية الكبرى، فقد رمت حطبها على نار الصراع سواء بين دولتين او داخل الدولة الواحدة، لزيادة نار الاشتعال؛ كي تحصل احداها او محور ضد المحور المنافس، بصرف النظر عن ما سوف يلحق بالشعوب او بالشعب من قتل وسفك للدماء وخراب ودمار وجوع وتشريد. والامثلة هنا هي من الكثرة المعروفة والمعلومة بالشكل الذي لا يدفعنا لتعدادها. مجلس الأمن الدولي؛ هو سواء في التأسيس الاول له او في الذي قام به لاحقا في وضع الحلول لمناطق النزاع في كرة الارض؛ منصة للدكتاتورية العالمية التي تتحكم من خلاله القوى الكبرى في مصير العالم باستخدامها حقها في النقض اي قرار لا يتماشى مع سياستها في مجلها الحيوي الكوني، طبقا لما تفرضه عليها مصالحها وليس مصالح اطرف النزاع. هذه القوى التي لا يتجاوز عددها الخمسة؛ هي صاحبة الحل والربط في جميع ما يظهر على سطح الكرة الارضية من حرب او صراع سواء كان داخل الدولة او بين دولتين، وفي ذات الوقت لا يكون لأصحاب الشأن اي رأي او حتى مشورتهم في اخذ اي قرار بل يفرض عليهم فرضا، وبالذات حين يكون ملزم التطبيق او يفرض بالقوة المسلحة حين يصدر طبقا للفصل السابع من ميثاق المجلس. الا يعتبر هذا من اكبر واعنف اشكال الدكتاتورية الدولية و الاستبداد الدولي. في اكثر هذه القرارات ان لم نقل جميعها؛ تصدر بالضد من إرادة الشعوب والدول المستهدفة، او يتم ايقاف اصدارها حين تتعارض مع اهداف احدى هذه الدول من خلال حق النقض( الفيتو)؛ حتى وان كان لإصدارها؛ حَقناً لدماء الناس، وحفظا لحقوق الانسان، وحقهم المشروع في الحياة الحرة والكريمة. هنا نحن لا نحتاج الى ايراد الامثلة، فهي كثيرة ولا يوجد احد في العالم لا يعرفها. لكن من الجانب الثاني، وحين تتحدث دولة عظمى في الليل والنهار وفي كل حين وفي كل ساعة وعبر الاعلام؛ من انها اي هذه الدولة العظمى ونقصد هنا امريكا؛ التي تتحدث عن الديمقراطية وحقوق الانسان والسلم العالمي بما يتناقض تماما مع سياستها الواقعية اي التي تجري على ارض الواقع؛ الا يعتبر هذا نفاق وخداع غير اخلاقي، ولا يمت بأدنى صلة وعلاقة وارتباط بالإنسانية، وهنا ليس امريكا وحدها بل تكاد تكون جميع القوى الدولية على ذات المسار ولو بدرجة اقل كثيرا من امريكا، لجهة الاهداف وليس لجهة العدد. الولايات المتحدة الامريكية تتحدث كثيرا عن اهمية ان يكون للفلسطينيين؛ دولة تمثلهم وعلى وجه الخصوص في الفترة او الزمن الذي سبق تولي ترامب الادارة الامريكية، لأن الادارة الأخيرة، قلَ حديثها في هذا الاتجاه كثيرا، بينما ما تقوم به في الواقع يختلف تماما وبالكامل عن هذا الخطاب، بدليل الامثلة التالية او العدد التالي الذي به او عبر حقها في النقض؛ اوقفت في السنوات بين عام 1980الى عام 2017؛ اكثر من 44قرار لصالح القضية الفلسطينية أو انها قرارات كان السبب في تبني اصدارها من مجلس الامن الدولي؛ هو ايقاف انتهاك الصهاينة لحقوق الشعب الفلسطيني سواء في الحياة او في الوجود على الارض، كعائلة يجري هدم منزلها المقام على ارضها، ومن ثم دفعها الى العراء، كما جرى عند اتخاذ قرار من مجلس الامن الدولي في ايقاف بناء المستوطنات الاسرائيلية؛ والذي عطلته او نقضته امريكا، فلم يتم اصداره. أو ايقاف صدور قرارات اخرى؛ من مثل قرار ايقاف بناء جدار الفصل من قبل الكيان الصهيوني، وليس انتهاءا بقرار ايقاف نقل سفارة امريكا من تل ابيب الى القدس، كما انه لم يكن اخرها؛ قرار رفض الاعتراف الامريكي بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني بما يتناقض مع قرارات الامم المتحدة ذات العلاقة، ولم يصدر لأن امريكا منعت صدوره بما لديها من حق النقض. هناك امثلة كثيرة جدا على دكتاتورية مجلس الامن الدولي بما يتناقض تماما مع موجبات تشكيله، او بما يختلف مع موجهات رسالته في نشر السلم والامن الدوليين او نشر الديمقراطية وحق الحياة وحرية الرأي والكلمة والتعبير عن المواقف والآراء. القوى الكبرى التي تتحكم في مجلس الامن الدولي، كل حسب استراتيجيته في الفضاء الدولي، والمجال الحيوي؛ يتخذ الموقف او يتبنى هذا الموقف او ذلك الموقف طبقا لما تملية عليه مصالحه؛ في تبني هذا القرار او نقض ذلك القرار بصرف النظر عن مدى عدالة هذا الموقف او ذلك الموقف، بل المهم مدى تمثيلة لمصالحه او انه ان صدر لا يضر بمصالحه او مصالح مناطق نفوذه ومجاله الحيوي. في السنوات الأخيرة، وهي السنوات التي تراجع فيها النفوذ والهيمنة الامريكية، احادية الجانب في صناعة القرارات الدولية تحت سقف مجلس الامن الدولي؛ بصعود قوى دولية عظمى وكبرى؛ الصين وروسيا اللتان عطلتا الفعل الامريكي في صناعة القرارات الدولية؛ باستخدام حق النقض، الفيتو، لحساب مصالحهما الجيو سياسية، وايضا الاستراتيجية في المنطقة العربية أو جلها في المنطقة العربية، وليس لمصلحة الشعوب العربية ولو انها في المحصلة للبعض منها وليس جميعها؛ تقع في هذا المسار من حيث النتيجة.. في خضم هذه الاحداث وتدافعها وتزاحمها، غير المسبوق، على سطح المعمورة؛ برزت امام هذه القوى الدولية العظمى والكبرى، الحاجة؛ للبحث عن طريق او طرق متعددة؛ لإعادة صياغة النظام الدولي، بتوسعة التمثيل فيه، بإضافة دول كبرى لها القدرة والامكانية في التأثير على مسارات الاحداث الدولية ونتائجها، كاليابان والبرازيل والهند وربما جنوب افريقيا والمانيا، اي زيادة حجم وعدد وسعة الكتلة الدولية الدكتاتورية التي سوف تتحكم في مصائر شعوب الارض، وليس، في نهاية المشاور هذا؛ اقامة نظام عادل ينشر السلم والاستقرار في العالم كما يجري في الوقت الحاضر؛ الترويج له، عند الدعوة إليه، بل ان العكس هو الصحيح؛ الا وهو ايجاد فضاء دولي واسع أو منصة دولية واسعة التمثيل لاستيعاب الكبار الجدد؛ كي يتسق العمل فيه، ويتناغم مع إرادة جميع، هؤلاء الكبار، سواء القدماء منهم او الكبار الجدد، وحتى يخلو العمل فيه لجهة الاجراءات والقرارات من اعتراض من قوى عالمية كبرى صار لها تأثير وقدرة على الاعتراض ان ارادت او ان كانت هذه القرارات تؤثر على مصالحها الوطنية سواء في فضاءها الداخلي او في الفضاءات خارج حدودها وهي الاهم لها. لذا، فأن ضمها الى منبر مجلس الامن الدولي؛ يجعل منه، منبر منسجم ومتألف ومتعايش بلا خلاف او اختلاف لناحية شرعية وجوده، وليس لإصدار قرارته، فهذه مسألة؛ يجري العمل فيها كما هو جاري العمل فيه، منذ اكثر من سبعة عقود. اكبر دليل على ما ذهبنا اليه؛ من ان اعادة تشكيل المنظومة الدولية والتي من اهمها بل ركيزتها الاساسية؛ هو مجلس الامن الدولي، لم يطرح للنقاش بصورة جدية وحاسمة؛ ألغاء حق النقض الا بعض الاصوات الخافتة والخجولة من هنا ومن هناك.. مما يدفعنا الى الاعتقاد من ان حوار القوى الدولية الكبرى حول اعادة صياغة المنظومة الاممية، ربما كبيرة؛ لن يقود الى ألغاء حق النقض.. في الختام نقول: لا تحصل الشعوب ومنها بل في مقدمتها الشعوب العربية على حقها بالحياة والوجود، مهما تغير شكل النظام الدولي في المقبل من السنوات، إلا بالنضال والجهاد سواء في كنس انظمة الفساد والرذيلة والجبن والخنوع، أو في اجبار الدكتاتورية الكونية بالاعتراف بحقوقها المنصوص عليها في القانون الدولي الحالي او الجديد القادم أو ما تفرضه السماء على خليقة الله في ارض الله من عدل وحفظ لكرامة الانسان..

أحدث المقالات

أحدث المقالات