تتعدد تعريفات الموظف وتختلف من دولة الى اخرى نظراً لأختلاف الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية لأية منها, ناهيك عن الوضع القانوني للموظف بين دولة واخرى، لذا فأن اغلب التشريعات الصادرة في ميدان الوظيفة العامة اكتفت بتحديد معنى الموظف العام.
في العراق وعلى عكس اغلب التشريعات نجد ان المشرع العراقي قد درج على تعريف الموظف العام في صلب قوانين الخدمة المدنية وقوانين انضباط موظفي الدولة, فقد عرفه المادة الاولى من قانون انضباط موظفي الدولة رقم (14) لسنة 1991 المعدل (كل شخص عهدت اليه وظيفة داخل ملاك الوزارة او الجهة غير المرتبطه بوزارة) لذا يشترط في الموظف ان يعهد اليه بعمل دائم لذا لا يعد العاملون بصورة مؤقته او موسمية كالخبراء والمشاورين القانونيون موظفين وايضاً ان يكون الشخص ضمن الملاك الدائم في الوحدة الادارية وكذلك ان يعمل الموظف في خدمة مرفق عام تديره الدولة او احد اشخاص القانون العام ومن الشروط الاخرى ان تدير الدولة او احد اشخاص القانون العام هذا المرفق إدارة مباشرة والشرط الاخير لكي يكتسب الشخص حقه الوظيفة العامة ان تكون توليه الوظيفة العامة بواسطة السلطة المختصة أي ان يتم تعيينه بقرار من السلطة صاحبة الاختصاص بالتعيين، هذه الشروط هي الاساسية ولا نريد الخوض في اعماقها لأنه يدفع بنا الى طرق ابواب عديدة وبالتالي الخروج عن موضوع مقالنا.
يحكم علاقة الموظف بالحكومة تشريعات خاصة بالوظيفة وتختلف تسمياتها ولكنه يمثل الاطار القانوني لهذه العلاقة والتي يمكننا ان نسميه (بالعقد) الذي يلتزم بموجبه الموظف بالالتزام بمواعيد الدوام الرسمي وبتنفيذ القوانين والتعليمات الصادرة اليه من الجهات ذات العلاقة وعدم انتهاك الانظمة والتعليمات واستغلال الوظيفة للمصلحة الذاتية الخاصة وفي مقابل ذلك تلتزم الحكومة بدفع راتبه الشهري وتأمين المكان الملائم لأداء ما يقع عليه من مسؤولية بالاضافة الى حمايته من الاخطار والتهديدات الموجه اليه اثناء العمل او بسببه وتأمين الحقوق التقاعدية بعد احالته الى التقاعد، فعلاقة الموظف بالحكومة علاقة تعاقدية يترتب على الاخلال ببنوده جزاءات انضباطية.
الموظفون بشكل عام هم اصحاب الدخل المحدود إلا القليل منهم من يعمل بعد اوقات الدوام الرسمي ويعتمد على راتبه الشهري ربما يكون الموظف اكثر الشرائح في المجتمع تضرراً من الازمات والتقلبات في الحياة، وان حالته السيئة سرعان ما ينعكس على الحركة الاقتصادية للبلاد لكثرة عددهم فلا يمكن ان نتصور بيتاً دون وجود موظف فيه وما يتقاضاه يلعب دوراً في حركة السوق والقوة الشرائية.
الموظف الكوردستاني قطع مراحل صعبة جداً وايام عسيرة وهو دليل على صدق إخلاصه لأرضه و وظيفته خاصة منذ قطع موازنة الاقليم من قبل الحكومة الاتحادية في بغداد لزيادة ايام استلامه للراتب الى اكثر من (45) يوماً وطول فترة هذه الأزمة المالية، وهذا ما اثر على معنوياته وقدرته الخدمية، ونرى ان استمرار الازمة الاقتصادية سيكون لها تداعيات خطيرة على حياة الموظف ويؤثر بشكل سلبي على هيبة الحكومة و ايمانه بسياساتها الاصلاحية لانه يعتبر نفسه الضحية ودخل مرحلة الخجل من افراد عائلته ولا بد لها ان يأمن لهم لقمة العيش ومن هذه التداعيات :-
ضعف الالتزام بأوقات الدوام الرسمي, لان الدوام الحكومي لم تعد مصدراً اميناً وثابتاً لحياته، فالروح المعنوية في ادنى مستوياتها واندفاعه للخدمة دخل في فترة السبات، بل يشعر بتلك الساعات كابوساً مخيفاً له ومن ناحية اخرى يحاول ان يستغل تلك الساعات لكسب رزق ولقمة العيش .
قبول الرشوة، على الرغم من علمه بأنها جريمة و وقف بالضد منها ايام وسنين طويلة لكنه مضطر الى قبوله لضيق العيش وحاجته الملحة للمال، ويرى اصحاب المصالح الخاصة فرصة لهم بالحصول على الموافقات اللازمة بالضد من القوانين والانظمة الصادرة باستغلال الوضع المعيشي للموظف وتقديم الرشاوى بشتى الطرق اليه وتحت مسميات عديدة.
الاختلاس، عالج المشرع العراقي في المادة (315) من قانون العقوبات العراقي جريمة الاختلاس ويقصد بها اختلاس او اخفاء موظف او مكلف بخدمة عامة مال او متاع او ورقة مثبته لحق او غير ذلك مما وجد في حيازته, لذا يرى الموظف بان الفرصة ذهبية للاختلاس في سبيل كسب لقمة العيش وينتهك كل القوانين والانظمة مع علمه المسبق بفعله.
عدم الاهتمام او الحفاظ على الاثاث والممتلكات والابنية العائدة للحكومة ويرى فيها السبب في وضعه المعاشي وبعد ان كانت تلك المواد مقدسة عنده.
التعامل الشرس والعنيف مع المراجعين بسبب الوضع النفسي غير المستقر والمتفكر دائماً بوضعه الاقتصادي وقائمة طلبات اسرته اليومية وانشغاله المستمر بما سيؤل اليه الايام القادمة من احوال سيئة.
اضعاف ارتباطه بمبادئه وارضه و مقدساته لانه فقد ابسط مقومات الحياة ناهيك عن الموقف الحرج امام اقربائه واقرانه.
سيكون لقمة سائغة لأطراف سياسية من اجل استغلال وضعه المعاشي الرديء وباباَ مفتوحاً لمزايدات سياسية او ورقة ضغط وذلك بدفعهم للخروج الى الشارع كمتظاهرين والاعتصام، بأختصار سيكون الموظف المسكين أداة لتحقيق أهداف سياسية.
سيكون الموظف بيئة مناسبة لبث الاشاعات المغرضة السوداء ضد الحكومة والقيادة السياسية التي تؤثر على نفسيته وعائلته .
هذه التداعيات واخرى كثيرة تزداد بشكل يومي، وان تأخير مسألة دفع الرواتب من قبل الحكومة سيزداد سوءاً وإن كان ما ذهبنا اليه لا يشمل جميع الموظفين ولكنهم الاغلبية والايام القادمة ستبرهن ما قلناه لانه كالمرض المتفشي المنتشر بسرعة، وهذا يمثل تشخيصا لداء قاتل نامل علاجها.