في ساعات الصباح الاولى من 2 آب/اغسطس1990 تلقى مكتب الرئيس العراقي صدام حسين الذي كان منتشيا، بنجاح الضربة الخاطفة”Blitzkrieg”، واحتلال الكويت في بضع ساعات، مكالمة هاتفية من المملكة العربية السعودية، طلب فيها المتحدث على الطرف الاخر،سحب القوات العراقية، على ان تنفذ اشتراطات بغداد، الغاضبة من سرقة نفط حقل الرميلة ومطالب الكويت أستعادة الاموال المدفوعة لحرب العراق مع ايران، والتصدي للعدو من ” البوابة الشرقية” ومنع تمدد مدافع أية الله خميني الى الساحل العربي للخليج.
ووفقا لشهادة وزير الخارجية الاردني مروان القاسم(1989-1991) فان المتحدث على الطرف الاخر من الخط الهاتفي الساخن، كان الملك فهد بن عبد العزيز.
لكن من غير المعروف، فيما اذا كان العاهل السعودي تحدث مع الرئيس العراقي صدام حسين مباشرة.
يميط القاسم، اللثام لاول مرة لاول مرة عن تفاصيل خطيرة ،بعد صمت استمر قرابة ربع قرن، وتاكدت
صدقيتها، حين نشر البيت الابيض مؤخرا، نص المكالمة بين الملك فهد والرئيس جورج بوش الاب؛ وتتضمن دعوة سعودية لواشنطن، بالتدخل عسكري” اذ لا ينفع مع صدام الا القوة”.
كما قال فهد لبوش.
ويؤكد القاسم في مقابلات معنا ؛ ان الرئيس المصري المخلوع، حسني مبارك، وبتنسيق مع أمين عام الجامعة العربية آنذاك ، المصري عصمت عبد المجيد،أجهض محاولات العاهل الاردني الملك حسين، للتوصل على حل عربي، يضمن انسحاب القوات العراقية من الكويت، ويشدد على ان
مبارك، ومستشاره السياسي ووزيره ، أسامة الباز،لجئا الى الكذب والتحايل، لفض اي اجماع، او توافق في الجامعة العربية، على حل سياسي للازمة.
الملفت ان بغداد، وخلافا لعواصم الخليج العربي، لم تبذل اي جهد دبلوماسي باتجاه” الحليف السوفيتيّ”؛ اما عن قناعة هشة، بان موسكو، التي ترتبط بمعاهدة صداقة وتعاون، مع بغداد، باعت بفضلها الى العراق أسلحة بمليارات الدولارات على مدى عقد تقريبا، لن تفرط بشريك سخي، اذ ان كل ثالث دولار من مبيعات الاسلحة السوفيتيّة حقبة السبعينيات، كان مصدره عراقي، وفق احصائية رسمية روسية.
او ان القيادة العراقية، لم تكترث لردود الفعل الدولية، بله الاقليمية، بعد ان غرقت في المستنقع الكويتي، وفق رهانات وحسابات خاطئة وغير مدروسة، تصل الى حد الانتحار.
وفيما، اكتفت بغداد، بتلقي رياح الغضب الدولي والاقليمي،اشرعت الدبلوماسية الخليجية، سفنها نحو موسكو،وتمكنت مستفيدة من الانفراج في علاقات موسكو مع واشنطن، العنوان الكبير لسياسة” التفكير الجديد” لميخائيل غورباتشيوف من تعزيز علاقاتها مع الاتحاد السوفيتيّ، وفتح سفارات واستئناف لعلاقات دبلوماسية، قطعتها الرياض مع موسكو، حقبة الثلاثينيات، بعد ان كان الاتحاد السوفيتيّ أول المعترفين بمملكة عبد العزيز بن سعود، مطلع عشرينيات القرن الماضي.
ولم يلتقط صدام حسين، التحولات الجوهرية التي تعصف بالاتحاد السوفيتيّ، او في الأقل، لم تصدر عن بغداد تلك الفترة، إشارات على فهم التحولات الجارية في العالم، مع بداية تفكك الاتحاد السوفيتيّ، وسقوط الأنظمة الشيوعية في المعسكر الشرقي، وانحسار الاحزاب الشيوعية في الغرب،خاصة إيطاليا وفرنسا، بل ان بعض كتاب البعث العراقي، اعتبروا هذا التحول” نصر لاولوية الفكر القومي على النزعة الاممية”!
وانتهى وعيهم بالمتغير العاصف عند هذا الحد.
لقد استفادت دول الخليج العربية، بقيادة المملكة العربية السعودبة، من التحالف مع الولايات المتحدة، فصارت جسرا إضافيًا للتقارب السوفيتيّ الأميركي.
واستثمرت حاجة موسكو غورباتشيوف الى الأموال، إثر انهيار مدو للاقتصاد الريعي السوفيتيّ؛وعرضت على غورباتشيوف قرضا ميسرا، اعتقدته موسكو ” هبة” بقيمة أربعة مليارات ونصف المليار دولار، في وقت كانت القيادة السوفيتية، بذلت جهودا مضنية للحصول على قرض بقيمة مليار ونصف المليار دولار من واشنطن.
واستخدم الوزير جيمس بيكر كل مهاراته الدبلوماسية والتجارية، في المساومة مع فريق غورباتشوف، ووزير خارجيته إدوارد شيفردنادزة، لابتزاز موسكو، المفلسة اقتصاديا، ودفع الكرملين نحو تنازلات اكبر بشأن الملفات الصعبة، خاصة تلك المتعلقة بالحد من الاسلحة الاستراتيجية الهجومية؛ وحل حلف وارسو، وترسيم الحدود في بحر بيرينغوف بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتيّ، وحصلت واشنطن بموجب الاتفاق الذي وقعه شيفردنادزة مع جيمس بيكر في أتون ازمة العراق والكويت؛ على 77 الف ميل بحري، غني بالثروات
السمكية، والنفط والغاز .
وتقدر جمعية الصيادين الروس خسائر بلادهم من الاتفاق الذي يوصف بانه” خط الخيانة البحري” الى اليوم باكثر من أربعة مليارات دولار، عدا عن خسائر روسيا من النفط والغاز.
ويذهب بعض المؤرخين الى ان الاتفاق؛ أبرم بليل، على الضد من المصالح القومية للدولة الروسية؛ وفِي سياق الاندفاع نحو شراكة غير متكافئة مع الولايات المتحدة، كان مهندسها غورباتشوف؛ ومنفذها سكرتير منظمة الحزب الشيوعي في جورجيا،أحد أصغر جمهوريات الاتحاد السوفيتيّ السابق،ادوارد شيفردنادزة الذي لا يفقه في السياسة الخارجية، ويجهل تماما دهاليز البيت الأبيض، وتعقيدات الشراكة الاطلسية.
وقد جرت كل تلك الصفقات؛ على وقع صفقة تسليم راْس
العراق، لجورج بوش الأب، بعد ان فشل المبعوث الخاص
للكرملين ، يفغيني بريماكوف في إقناع او إجبار صدام حسين على الانسحاب من الكويت.
ووفقا لوزير خارجية الاردن سابقا مروان القاسم فان قرار الحرب كان متخذا منذ البداية؛ بعلم ومعرفة دول القرار العربية، مصر والسعودية، وان مبارك والملك فهد بذلا كل ما بوسعهما،لجعل صدام حسين يخوض في المستنقع الكويتي حتى النهاية ،وصولا الى إخراج القوات العراقية؛ مهزومة محطمة، والتخلص من نظام مزعج،يصدع الرؤوس بالحديث عن فلسطين.
وليبدأ مسلسل حصار العراق حتى غزوه واحتلاله.
لقد جر الخطأ القاتل باحتلال الكويت، العراق، شعبا ودولة ونظاما الى الهلاك؛ الحقيقة التي على من يريد
المراجعة؛ الاقرار بها؛ والتاسيس عليها، في إعادة نظر شاملة لمجمل سياسات، وأخطاء، النظام العراقي السابق.
سلام مسافر
انتهى
في الصورة: وزير خارجية الاتحاد السوفيتي ادوارد شيفردنادزة وعقيلته يستقبلان نظيره الاميركي جيمس بيكر وعقيلته بالمنزل في موسكو.
“روابط المقابلات مع مروان القاسم وزير خارجية المملكة الاردنية الهاشمية (1989-1991)