بعد 2003 فقد العراق قوته في العلاقات الدولية بحكم تداعيات الاحتلال الأمريكي والنفوذ الايراني وتأثير الدولة العميقة وميليشياتها والفساد والفشل ودور مرجعية النجف التي احتضنت ودعمت الطبقة السياسية ودستور مليء بالألغام شاركت هي في كتابته .
وعنصر القوة يمثل جوهر العلاقات الدولية التي تكمن في ممارسة النفوذ والتأثير عندما توظف على تحويل مصادر القوة المتاحة أو الكامنة الى قوة فاعلة حتى في حالة تساوي دولتان بامتلاك نفس مصادر القوة إلا ان قدرة احدهما تتوقف على التوظيف الصحيح لمصادر قوتها .هذا الكلام ليس الغاية منه الأن المقارنة بين تركيا القوية في تعاملها الخارجي وبين العراق الضعيف بعد 2003 الذي أصبح على مستوى العالم الأول في الفساد والفشل والأزمات والظلم وقهر المواطن والعجز المالي. فيما تركيا تعتبر العراق أحد أهم خيارات أمن الطاقة كبديل لغاز روسيا وإيران ، إضافة إلى النفط الذي يعتبر ركيزة أساسية في العلاقات التجارية بين البلدين عموماً وبين تركيا وإقليم كردستان خصوصاً. ويبقى الملف الاقتصادي أحد أهم محددات السياسة التركية إزاء العراق، الذي يبرز كأحد أهم الشركاء التجاريين لأنقرة من حيث التجارة البرية والغاز الطبيعي والاستثمارات التركية في العراق.
كانت الغاية من زيارة السيد الكاظمي مع وفده الكبير إلى تركيا يوم 17/12 لمناقشة الملفات التالية (التواجد العسكري التركي في شمال العراق، المياه، العلاقات التجارية والاقتصادية ، التعاون الثقافي) . ماذا حصل خلال الزيارة؟، نبين :-
- موضوع التواجد العسكري ، أكدت تركيا على بقاء قواتها تحت عنوان ” محاربة حزب العمال الكردستاني الإرهابي”، وكان رد الكاظمي ” العراق يدين أي عمل عدائي ضد تركيا من أراضيه “. وغلق الموضوع ، رغم تصريحات نواب العراق التي أكدت على أن التواجد العسكري التركي في شمال العراق يعتبر احتلالاً عسكريا . وسبق وأن طلبت الحكومة من مجلس الأمن الدولي والجامعة العربية بالضغط على تركيا لسحب قواتها لأنه يُعد انتهاكا لسيادة العراق.
- اما ملف المياه فكان كلام أردوغان واضحا في المؤتمر الصحفي المشترك مع الكاظمي عندما قال ” لن نختلف مع العراق حول المياه”. أي بمعنى أن العراق لن يستلم حصته المائية بموجب القانون الدولي والإتفاقيات بل ستبقى حصة العراق المائية أقل من 30 مليار متر مكعب سنويا، في حين كانت تصل إلى 70 -100 مليار متر مكعب قبل 2003 ، أي أن الانخفاض وصل إلى نسبة الثلثين. ومشكلة الحكومة الحالية وقبلها وربما بعدها أيضا أنه عندما يشتد الجفاف تظهر هذه الأزمة، لكن عندما تكون نسبة الأمطار غزيرة وتمتلئ السدود، تنسى حكومة بغداد هذه المشكلة؛ لذلك العراق غير مستمر في مواصلة الضغط على الجانب التركي في هذا الملف المهم كما تعامله مع إيران. وكل ما فعله الكاظمي هو تسمية وزير الموارد المائية مهدي الحمداني ممثل عنه في ” المفاوضات “القادمة!.
- لم يتطرق الكاظمي مع أردوغان حول إتفاقيته مع حكومة البارزاني ببيع النفط إلى تركيا لمدة 50 عاما بدون علم الحكومة الاتحادية وهناك دعوى قضائية رفعت ضد تركيا أمام المحكمة الدولية في زمن حكومة العبادي كانت تلزم حكومة أردوغان بدفع 26 مليار دولار للعراق ولكنها توقفت بعد نهاية حكومة العبادي ولم تتابع من قبل حكومتي عبد المهدي والكاظمي وما أحوج العراق إلى هذا المبلغ في أزمته المالية الحالية.
- تركيا حققت خلال مفاوضاتها مع صاحب ” الورقة البيضاء” بأن صادرتها للعراق ستصل إلى (20) مليار دولار سنوياً. في حين العراق صادراته إلى تركيا لاتتعدى تصدير النفط عبر ميناء جيهان.
- الإتفاق الذي جرى خلال الزيارة هو “تعزيز التعاون الثقافي وإلغاء الازدواج الضريبي وتركيا هي المستفيدة من ذلك قبل العراق” .
- لنجاح الجانب التركي بحكم توظيف مصادر قوتها في العلاقات الخارجية قدمت للكاظمي ولوفده الكبير “أغنية أم العيون السود” للراحل ناظم الغزالي وهذا ما رجع به الكاظمي للعراق .
الكاظمي فشل فشلا ذريعا في معالجة الملف الاقتصادي ومسودة موازنة 2021 التي سربت تخالف الدستور بالمواد التي تتعلق بالعيش الكريم وكذلك متناقضة في تخصيصاتها فبينما عنوانها يحمل ” التقشف” ولكن أبواب تخصيص النفقات لمؤسسات الدولة لاتنسجم مع حالة التقشف ولم تتطرق إلى تخفيض رواتب وتخصيصات الرئاسات الثلاث وكبار المسؤولين بما فيهم النواب وحملت الشعب مسؤولية نتائج الفساد والفشل والتبعية وزيادة الضرائب وبالتالي زيادة في معدلات الفقر والجوع والتشرد وتمزيق النسيج الاجتماعي العراقي بعد تخفيض سعر صرف الدينار العراقي في حين لاتوجد دولة في العالم تسعى لتخفيض قيمة عملتها الوطنية عدا حكومة الكاظمي. وإن نسبة إنجاز البرنامج الحكومي للكاظمي للفترة من 7/5/2020 لغاية 17/11/2020 كانت 17% وفقا لتقييم لجنة مراقبة البرنامج الحكومي النيابية في تقريرها الصادر يوم 19/12/2020.
نجدد ما أكدنا عليه في مقالاتنا السابقة لامستقبل للعراق في ظل هذه الطبقة السياسية الجاثمة على صدر الشعب منذ 17 سنة وبقائها سيسرع في تفكيك الدولة ولذلك نقول لاخيار إلا بتشكيل حكومة إنقاذ وطني من كفاءات الداخل والخارج لتكون بداية المشروع الوطني لتحقيق الدولة المدنية وخلاف ذلك الانهيار. حمى الله العراق وأهله من شر الخونة والفاسدين.