خاص: قراءة- سماح عادل
رواية “الحلم العظيم” للكاتب العراقي “أحمد خلف” تحكي عن كاتب في بداية حياته في فترة الستينات من القرن الفائت، وكيف يعيش صراعاته النفسية وتقلباته كشاب في مقتبل العمر، وسط أحداث سياسية هامة يقرر ألا ينخرط فيها لكن يبقى شاهدا عليها.
الشخصيات..
المؤلف: البطل، أصر الكاتب على إعطائه اسم “المؤلف”، وهو بطل يكتشف العالم من حوله، يتعرف على الحياة بمنظور المراهق الذي يتحول إلى شاب، يتخبط أحيانا في علاقات مع نساء، وينساق معها، ويعاني من رغبته في أن يكون عونا لأسرته الفقيرة، ويظل يتمسك بحلمه في أن يكون كاتبا معروفا.
هناك شخصيات أخرى داخل الرواية حكى عنها المؤلف من خلال وجهة نظره ومن خلال تقاطعه معهم.
الراوي..
يحكي المؤلف معظم الرواية بصوته، لكن نجد راو عليم يتدخل أحيانا ليحكي عن المؤلف، أو ليوضح فكرة ما.
السرد..
الرواية محكمة البناء تقع في حوالي 304 صفحة من القطع المتوسط، يبدأ السرد فيها عن المؤلف ويسير بشكل تصاعدي، يهتم الحكي برصد تقلبات البطل النفسية، وأفكاره واستجاباته النفسية تجاه الواقع المحيط، وينقل من خلال رؤيته الشخصية أحداثا سياسية هامة جرت في الستينات.
اكتشاف العالم بعيون مراهق..
تحكي الرواية عن المؤلف ذلك المراهق الذي على عتبات الشباب، وهو نهم في القراءة يلتهم الكتب التهاما، يقرأ “ألف ليلة وليلة” وتغزو عقله وتثري خياله، ويتلصص على نساء الحي ليلا وهو يستلهم إحدى قصص ألف ليلة وليلة التي أخذت فيه سيدة جميلة شابا إلى بيتها، وتنجذب إليه إحدى الجارات الجميلات رغم حداثة سنه وتعرفه على عالم النساء بثرائه وجماله، فيتسلل إليها ليلا في السر بعد أن ينام زوجها المتعب من العمل والذي لا يشبع رغباتها.
لكن المؤلف ما يلبث أن يمل منها فتظل تطارده، لكنه يبدأ التفكير في أن يحب فتاة من سنه، لكن تغويه امرأة أخرى، هي زوجة أبو أحد أصدقائه الذي يذهب إلى منزله، وينساق إلى إغوائها. وأثناء تخبطه في علاقاته يقبض على صديقه جلال ليكتشف أنه ينتمي إلى الحزب الشيوعي، وأن له أصدقاء آخرين ينتمين إلى هذا الحزب، فيتعرف على بعض التفاصيل حيث يكتشف أن الحزب داخله صراعات فكرية مما أدى إلى انشقاقه، ثم وعن طريق المصادفة وبسبب من صداقته لبعض الأصدقاء الشيوعيين يكتشف أن فريق منهم ينتوي عمل ثورة مسلحة على النظام الذي كان قد بدأ حملة مسعورة لملاحقة الشيوعيين والحزب الشيوعي وتصفيته.
فجوة..
ومن خلال نظرة المؤلف الذي أصر ألا يكون منتميا إلى أي كيان سياسي، مشددا على أن حلمه الشخصي أن يكون كاتبا وأن تنشر نصوصه في المجلات وربما في كتب فيما بعد، فلا يريد أن ينتمي إلى حزب البعث الذي ينتمي إليه أخيه العسكري، ولا يريد أن ينتمي إلى الحزب الشيوعي، لكنه متفرج وشاهد بمعنى ما، يرى تخبط الحزب الشيوعي وأفراده حين اشتدت الأزمة وأحكم النظام قبضته لكي يقضي على هذا الحزب.
ومن خلال رؤية هذا الشاهد، غير المتورط في العمل السياسي بشكل فعلي، يستنتج القارئ أن أفراد الحزب الشيوعي لم يكونوا متفقين ودخلت بينهم الاختلافات الفكرية والعملية، حتى وصلت بهم إلى الانشقاق، ورغم أن بعضهم كان يرى أن هذه الخلافات صحية إلا أن البعض الآخر كان يكره هذه الاختلافات والانشقاقات. كما عكس من خلال بعض المشاهد البسيطة كيف كان بعض أفراد الحزب بعيدين عن الفئات الحقيقية التي من المفترض أن يمثلونها الفلاحين والعمال، وكيف أنهم رغم شجاعتهم وبسالتهم وتحملهم للقمع الوحشي الذي مارسه عليهم النظام من سجن وتعذيب، إلا أنهم لم يعقدوا صلة حقيقية بالكادحين الذين يعملون من أجلهم.
كما بين المؤلف أن الثورة المسلحة التي حدثت في الأهوار، والتي سعى إلى تنفيذها بعض الأفراد لم تنجح أيضا، لأنهم لم يدرسوا وضع المجتمع بشكل صحيح ولم يكن لهم جذور داخل المجتمع، فقد اعترف له صديقه الذي خبأ عنده حقيبة مليئة بالأسلحة، اعترف للمؤلف بعد أن زاره في السجن وبعد أن فشلت الحركة وتم قمعها والقبض على جميع أفرادها أو قتلهم، أن الفلاحين خانوهم، بما يشي بعدم وجود صلات حقيقة بين أفراد تلك الحركة وبين الفلاحين، وأنهم انساقوا وراء أفكار خارجية وتجربة تشي جيفارا والثوار الآخرين، دون الاهتمام بتحليل ظروف مجتمعهم بشكل حقيقي ومعرفة ما يناسبه.
الرواية مميزة، تغوص في أعماق شخصية المؤلف وتبين لحظات ضعفه تخبطه وحيرته، وترصد بعض ملامح فترة الستينات.
الكاتب..
“أحمد خلف” قاص وروائي عراقي، يحتل مكانة هامة بين العراقيين المعاصرين باعتباره أكثر عطاء منذ ستينيات القرن العشرين. يحاول في عالمه الروائي والقصصي، أن يحلل التناقضات الاجتماعية والثقافية وكان ضد ثقافة الاستبداد من أجل بناء مجتمع عراقي ديمقراطي يعترف بالرأي والرأي الآخر.
عمل في مجلة الأقلام عام 1985، وأصبح محررا ثقافياً بدرجة سكرتير تحرير. في عام 2010 تولى رئاسة تحرير مجلة الأديب العراقي الناطقة باسم الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق.
أعماله..
عام 1969 ظهرت قصته الشهيرة “خوذة لرجل نصف ميت” في مجلة الآداب البيروتية. وقد حظيت باهتمام النقد الأدبي.
عام 1974 صدر كتابه الأول “نزهة في شوارع مهجورة” مجموعة قصصية.
عام 1978 صدر كتابه الثاني بعنوان “منزل العرائس” قصص.
عام 1980 صدرت روايته الأولى والتي حملت عنوان “الخراب الجميل”.
عام 1986 صدر له كتاب نقدي مشترك عن القصة والرواية العراقية.
عام 1990 صدر كتابه “صراخ في علبة – مع رواية – بعنوان (نداء قديم)”
عام 1995 أصدر مجموعة قصصية بعنوان “خريف البلدة” وعدت أفضل مجموعة قصصية، وفاز بجائزة الإبداع في العام نفسه.
عام 2000 اصدر مجموعة قصصية بعنوان “تيمور الحزين”.
عام 2001 صدرت له في دمشق مجموعة مختارة من قصصه بعنوان “مطر في آخر الليل”.
عام 2002 صدرت روايته المعروفة “موت الأب”.
عام 2005 صدرت له في دمشق عن دار المدى رواية “حامل الهوى”.
عام 2008 صدرت له رواية بعنوان “محنة فينوس”. وتتعرض الرواية إلى مسألة الاضطهاد السياسي والاجتماعي في العراق قبل سقوط النظام، من ويلات ومحن في السنوات التي تلت السقوط.
عام 2009 صدرت له رواية بعنوان”الحلم العظيم” نشرت بواسطة دار المدى.
وصدرت رواية “الذئاب على الأبواب” 2018 في القاهرة.