قال الكاتب الكبير إبراهيم الكوني” مأساتنا أننا يستهوينا هذا الهامش ونقلبه متناً وبالتالي الوجود يغيب، ونحتفي بالهامش الذي هو السياسية التي لا حقيقة فيها وهي عمل العاطلين عن العمل. تسييس الوجود خطيئة بحق الوجود والأديان وعبادة الأيديولوجيات هي عبادة إبليس وهي تحتكر الحقيقية لأنها تريد أن تحتكر السلطة. لذلك عندما تناقش مؤدلجاً لا تصل إلى نتيجة لأنه وضع الأحكام مسبقاً وتبقى الحقيقة لديه ضحية”
جاء ذلك في الجزء الثاني من برنامج “كتاب مفتوح” الذي يعدّه ويقدّمه الشاعران عبد الرزاق الربيعي ووسام العاني برعاية مركز حدائق الفكر للثقافة والخدمات بسلطنة عمان في أمسية بُثت عبر جميع منصات التواصل الاجتماعي مساء الخميس إستكمالاً للحوار الذي بدأ في أمسية سابقة.
وأكّد الكوني” الأيدولوجية أفيون الشعوب العربية. وكل الزلازل التي حلت بالواقع العربي هي نتيجة لهذه العقلية وهذا كله موجود في أعمالي. نحن نعيش حرف الواقع وليس روح الواقع لأننا مدمني أيدولوجيات. والأيدولوجيات لا تنتج أدباً بل تميت روح الأدب. عندما تقرأ واقع التراث ستجده شعرياً وثرياً. لدي أصدقاء عرب من المحيط إلى الخليج وعاصرتهم منذ بداية حياتي وأعتقد أنهم ظُلموا بسبب هذه النزعة التي حولت النخبة إلى وسيلة لتغريب الإنسان عن واقعه الوجودي والإنساني. نحن لا نستمتع بالحياة لأننا رهائن أيدولوجيات لا شأن لنا بها، ونعاني من خواء روحي. فمن يعقد صفقة مع السياسة سيخسر نفسه وبالتالي ماذا سينفعه لو كسب العالم كله وخسر نفسه، كما يقول الكتاب المقدس. لذلك، نحن نُكبر حقاً محاولات أمثالكم الذين يحاولون من خلال هذه المنتديات حقن الواقع الثقافي العربي بمصل مضاد للأدلجة ومضاد لتسيييس الوجود ومعالجة ورم يفترس وجودنا كله. مثل هذه الأندية بدأت تتنامى وهي ظاهرة في غاية الأهمية. وبالتالي الإرادة هي التي تصنع وليس الدعم وما تفعلونه أنتم في برنامجكم” كتاب مفتوح” تعجز عنه الحكومات ووزارات الثقافة الرسمية في عالمنا العربي كله. وليت هذه الأندية تتحول إلى وزارات ثقافة في عالمنا العربي. أعبر عن امتناني لكم”
وتحدّث الكوني عن السر الكامن وراء رحلة اغترابه التي تمتد لأكثر من خمس عقود قائلاً:
“يبدو الاغتراب قدراً لكل من قرر يوماً أن يحمل صليب البحث عن الحقيقية، هذا هو السر الأول في أبجدية الاغتراب وهو الروح الرسالية في صدر الغريب، حيث ينام سر عظيم في صدره بمثابة هاجس وهو محاولة لتلبية نداء غيبي بالضرورة، والاستجابة له تستدعي الاستعداد للتضحية ودفع الثمن وبذل القربان لأن كل حلم عظيم يتطلب تضحية عظيمة، وعلى من اغترب أن يتحمل نزيف صليبه. هذا الهاجس بالنسبة لي كان دوما وصية الصحراء التي لقنتني بها الصحراء الكبرى يوم ضياعي الحرفي في متاهتها الكبرى في منطقة الحمادة الحمراء القاسية والحميمة بنفس الوقت. طفل في عمر خمس سنوات يضيع في متاهة أعظم صحاري العالم وأقساها وأكثرها كمالا واتساعا. في تلك الليلة عندما فقدت الأمل في النجاة، حيث استوت السماء بالأرض والحجارة بالنجوم وتحولت الابعاد الأربعة إلى بعد واحد دائري وهو الأبدية أو العود الأبدي حيث الدائرة في المنطق والفلسفة، هي الشكل الهندسي الأكثر اكتمالا كما يصفها أرسطو، وهي المندلة في الديانات الهندية القديمة السنسكريتية. هذه الاستثارة التي تصيب بالدوار حرفيا لكن تشطح فيها الروح ويتجرد الانسان من البدن في صقيع تلك الليلة ليلتحق بالسماء ونجومها. هناك أسرّت لي الصحراء بما لم أنسه ولم أستطع التعبير عنه إلا بهذه الرحلة والنزيف الذي استمر منذ الخروج منها لهذا اليوم. كل ما حاولته هو تفكيك بنية الوصية واستنطاق أبعاد الوصية الغيبية بامتياز. إنها نوع من النبوة واقع الأمر. وأعتقد أن هذا الإحساس في ذلك اليوم هو عندما تنسى أنك ستموت في اليوم التالي وتنسى وجودك الحرفي للتماهي بالوجود الأبدي والاعجازي والفوق أرضي. وبعدها تستطيع أن تنام بهدوء. ما حدث في تلك الليلة كان زلزالاً روحياً حاولت أن ألبي نداءه منذ ذلك الحين ولحد الآن وكل ما فعلته أني أحاول دوما استنطاق تلك الابعاد الخارجة عن اللغة لأن الحقيقة دائماً خارج اللغة وهي مانعيه لكن لا نستطيع أن نعبره عنه، لذا الاغتراب هنا أصبح الطريق الذي قالت عن الطاوية (من عرف الحقيقة في الصباح، يستطيع أن يموت في المساء). خرجت من هناك على استعداد لأن أموت، لأن في ذلك المعراج كان الموت جميلاً. وجمال الموت كما تحدث عنه أينشتاين هو الذي يجعل كل أصحاب الرسالات يفضلون الموت على الاستكانة، وهي الحياة حرفياً كما يحيى كل الناس”.
وحول إذا ما كانت رسالة الصحراء حقيقة مؤكدة أم فكرة وتأمل، تحدث الكوني قائلاً:
“كل فكرة حقيقية ناتجة عن تأمل. كما يقال منذ بداية الخليقة أن الوطن الوحيد الذي تعود له الحقيقة هو التأمل، لهذا السب الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) بقي عشرين عاماً في غار حراء، ويقوم النبي نوح برحلته الخطرة عبر الطوفان، ويسقط النبي يوسف في الجب. يختار كل أصحاب الأفكار العظمى الألم على حياة الاستكانة للواقع. لأن الحقيقة تدعونا دوماً، لكن علينا أن نتطهر بالألم لنسير في ركابها. وهي متحولة لأن الدعاة أولئك الذين غيروا العالم كانوا مسافرين ومهاجرين دوماً، ومن هنا كانت الهجرة في كل الثقافات قداسة. لكي يسيروا في ركاب الحقيقية يجب أن يسيروا في ركاب الزمن ولابد أن يستهينوا بالحس لإعلاء شأن الحدس حيث تقيم الحقيقية والمكافأة في المتناول دوما وهي السعادة. كل إنسان يتألم ويدفع القربان هو يدفع المكوس المستوجبة بحق الحقيقية ولذا فهي متحولة أيضاً لكيلا تتحول إلى دوغما، إلى الحرف، فالحرف يُميت كما يقول القديس ولكن الروح تُحيي. لذا علينا أن نرحل لنطارد الحقيقية وهذا يعني السير في ركاب الزمن والتحرر من المكان لأنه دائما شرَك. والحقيقة إغواء وطوبى لمن استجاب لهذا الإغواء”.
وعن رحلته مع اللغات، تحدث الكوني قائلاً:
“كان هذا وعياً مبكراً بحقيقة اللغة كرديف طبيعي للوجود، فاللغة هي الروح، لذا سافرت إلى موسكو جريا وراء اللغة، حيث اكتشفت شحة وركاكة التراجم من اللغات الأخرى للعربية، وفي ذلك الوقت ظهرت ضرورة التسلح باللغات الأخرى لقراءة ديانات وتراث العالم القديم. لذا التحقت بمعهد غوركي لاكتساب لغة أخرى أستطيع بها قراءة التراث الإنساني. ولم تخذلني اللغة الروسية بل كانت بمثابة الفردوس حيث كل شيء مترجم للروسية. وبالتالي لم يكن هذا جريا وراء سراب وإنما وراء حقيقة تنام في اللغة. الروس في معهد غوركي أهدوني مفاتيح الأدب فقط، وكان عليّ فتح الخزائن، ورهاني كان على تعلم اللغة وليس على تعلم الأدب”.
وحول ما إذا كان المد اليساري حينها هو الذي استهواه للدراسة في معهد غوركي في موسكو، أجاب الكوني:
“هناك مدلول آخر لليسارية، سيمون دي بوفوار تقول (لا يستطيع المبدع أن يقنع نفسه كمبدع إذا لم يكن يسارياً) واليسارية هنا لا تعني اعتناق الأيدولوجيات بل على المبدع اعتناق ما فوقها وهو النزاهة، لا بد أن يكون أخلاقياً. الذين قُبلوا في المعهد قُبلوا لنصوصهم الأدبية وليس لأيدولوجياتهم، فأنا لم أكن شيوعياً، لكن يسارياً بالفطرة وهو مفهوم إرادة النزاهة والقيم الأخلاقية. وللإنصاف والحقيقة، لم يقس الاتحاد السوفييتي، على أي من الذين صرف عليهم للدراسة، مقاييساً أيدولوجية، كما كان الغرب يدعي. فضيلة الاتحاد السوفيتي أن 90% من كفاءات العالم الثالث درسوا في الاتحاد السوفيتي بلا مقابل، في حين تستدعي صرف الملايين لكي تدرس في أي طرف غربي”.
وحول أهمية مشوار الدراسة في معهد غوركي والرحلة إلى موسكو، وهل أفادته في حمل رسالة الصحراء، تكلم الكوني قائلاً:
“قسوة البيئة هناك كانت قاسماً مشتركاً بين صحراء الجنوب وصحراء الشمال حيث تكسو الثلوج الأرض وكأنها تشبه الرمال في صحراء الجنوب. قسوة الطبيعة هناك أيضاً بالغة، ولهذا السبب لم أجد ترحاباً من المناخ هناك أو ما يمكن أن يستدرجني بحيث أسترخي بل دفعني للاستنفار والمحافظ على الحياة وهذا يعود إلى صرامة الانضباط، فانتقلت من الانضباط الصحراوي إلى الانضباط الروسي ومن ثم الأوروبي. المقياس في أداء الواجب ذو علاقة حميمة بمدى القدرة على الانضباط. نحن نرى أن الترف يخلق قيمة وهذا مستحيل. بلهاء كثيرون كانوا يكتبون أن الكوني يعيش في منتجعات الألب بينما أنا في الحقيقة أعيش في جبال الألب حيث البيئة القاسية ولا يعيش هناك سوى الفلاحون وحيوانات الودان والصقيع. ولم انتقل إلى الجزيرة الإيبيرية مؤخراً إلا لأسباب صحية.
وفي سؤال عن سبب اختفاء أو تراجع الأعمال الروسية الأدبية العظيمة كما كانت عليه في السابق، أجاب الكوني:
“ما يصدق على روسيا في هذا المجال يصدق على الغرب كله وعلى العرب أيضا، فالمبدع يصطاد في الماء العكر كما يقال. الأدب الروسي وخصوصاً أدب دوستويفسكي سيطر على أدب أوروبا لأزمنة طويلة. وبقي الأدب الروسي منتجاً حتى في حقبة الاتحاد السوفيتي ولفترة طويلة. بالنسبة لي لم أتأثر بأديب روسي محدد ولكنني تأثرت بالجميع، حيث لا يجب أن يكون التأثر حرفياً بل هو تأثير الاستيعاب ثم الهضم والتحليل. فما يهمنا ليس التقليد والمحاكاة بل استيعاب الدرس، ومن هنا دوستويفسكي هو أب روحي لي، لكن لم أستفد منه لأن واقعه الذي يكتب عنه مختلف تماماً، وأشترك معه بخاصية تمجيد الروح أو سلطة الروح، فهو يكتب من بعد مفقود غيبي مثله مثل شيكسبير وهوميروس وكل الملهمين العظام، وهذا هو التأثير الذي أعول عليه. تقنية الأدب عليك أن تصنعها بنفسك لأنها لا تستعار. نستطيع أن نستوعب كل العلوم ولا نستطيع أن نكتب رواية لأنها يجب أن تنبع منا نحن وليس من الواقع الخارجي كما يتخيل البعض. العمل الروائي الحقيقي هو الذي ينبع من دواخلنا ويعيش بها وليس العكس. نحن نأتي للمكان لكي نرويه وليس العكس. نحن من عليه استنطاق المكان وزرع روح اللغة فيه وهذه هي التقنية الأدبية التي ترتقي لمستوى الإبداع”.
وفي سؤال عن سبب تعلقه باللغة العربية وإصراره على مواصلة الكتابة الإبداعية بها دون غيرها، رغم أنه يجيد سبع لغات أخرى غيرها، وعن رسالته التي أراد إيصالها من خلال سلسلة (بيان في لغة اللاهوت)، أجاب الكوني:
“أنا نفسي مندهش من قدَر العربية في حياتي، ذلك أنني لم أعرف كلمة عربية واحدة في حياتي قبل الحادية عشر من العمر، وهي لم تخذلني أبداً بالتعبير عما يسكنني. بيان في لغة اللاهوت، وهو موسوعة عن تأثير لغة الطوارق في لغات العالم. المفاجأة أن العالم يتكلم بلغة مركبة بلغات سابقة وتأسيسية لها سميتها أنا اللغة البدئية والتي تتكون من حرف ساكن واحد كما يقول علماء اللغات أن كل ما يعرفونه عنها أنها تتكون من حرف ساكن واحد عندما تضيف له حرفاً صوتياً يتحول إلى كلمة، مثلاً عندما نقول (إله) في اللغة العربية أو بلغة الطوارق والعبرية، فهي تتكون من حرف ساكن واحد هو (اللام) وهو حرف ساكن ويعني بلغة الطوارق المالك بالتالي (إله) يعني مالك. وفي اليونانية هناك (إلّا) أيضاً ويقول اليونانيون عن أنفسهم (إلّاس) وتعني أهل الله. وكل الكلمات الدينية والتعابير الميثولوجية والوجودية مصدرها ومعناها من لغة الطوارق تبنتها اللغات الأخرى دون أن تعرف أنها تركيب. ولهذا الكلمات العربية أو اليونانية أو السومرية أو اللاتينية هي جملة باللغة الأصلية وهذا ما أشار إليه روسو عندما استعار عبارة قالها مفكر فرنسي متخصص باللغات (أن ما نفهمه اليوم كلمة هو جملة في العالم القديم كاملة). وهذا العمل ينتظر أن يقرأه الغرب لكي يعترف به العرب كالعادة رغم أنه مكتوب بالعربية. ويكفي هذا العمل شهادة (سعيد عقل) وأعتبرها وساماً على صدري علماً أنه دعاني إلى لبنان ولكني لم أستطع لأسباب صحية”.
وحول مهاجمة بعض الكتاب والنقاد العرب له بسبب حمله لرسالة الصحراء، أجاب الكوني:
“ربما نوع من المازوشية لدينا نحن العرب فالتطرف من شيمنا وحتى عندما نمارس النقد الذاتي نمارسه بمازوشية. أولئك ينسون أن الصحراء لديّ ليست حرفية وإنما استعارية وهذا ما اكتشفه الغرب في أعمالي فهي ساحة للوجود البشري. أنا أتعامل مع أفكار فلسفية في أعمالي. كوني أني أحملها للمكان الذي أحمله ويحملني هي تقنية وليست تأليهاً للصحراء. وفي الوقت ذاته فكرة المكان المجبول بالحرية والمسكون بالروح ذي البعد الغيبي المشحون بذخيرة ميثولوجية يزيد الأمر ثراء. الغريب أن هذا النقد للصحراء حتى ببعدها الحرفي جاء من أناس يعيشون في واقع صحراوي. في الغرب يستغربون أن العرب لا يكتبون عن صحرائهم وهي واقعهم البيئي، لذا أعمالي كانت للغرب اكتشافاً لأنها تدخل بذخيرتها الميثولوجية وهويتها التاريخية التي كانت منبع الديانات والحضارات منذ ما قبل التاريخ. حتى أطلنطينا مدفونة في الصحراء الكبرى، والجمجمة ذات السبعة ملايين عام التي اكتشفت منذ عشرة أعوام، وجدت في الصحراء الليبية. أفريقيا هي منبع الجنس البشري، وليس المقصود بها أفريقيا الأدغال بل الصحراء كما دلّت الاكتشافات وبرهنت الفلسفات. لذا لا أجد مبرراً لهذه الحملة على الصحراء، والذين يقولون أني أسير الصحراء، لم يقرأوا أدبي. هذا الأدب ليس عن الصحراء بل عن الانسان الذي هو لغز الوجود وحيثما حل فأن الإنسانية حلت معه.
وفي مداخلة للناقد والأكاديمي الدكتور سعد التميمي حول سلسلة بيان في لغة اللاهوت، أكد أن هذه السلسلة تحتاج غوصاً في اللغات والفلسفة حسب الشروط التي وضعها الكوني نفسه وربما هذه أحد الأسباب التي أدت إلى ضعف التعامل معها. كما وجه سؤالاً للكوني حول التركيز على الصحراء والقدرة على استشراف المستقبل ربطاً بالواقع المعاصر وهو الذي عاش في أوروبا رغم أن جل كتاباته وهمه عن ليبيا. أجاب الكوني:
“ربما يكون الجواب على السؤال موجودا في أعمالي. الواقع الليبي هو مشابه لأي واقع في مكان آخر. ولا يهمني فيه البعد السياسي الحرفي وإنما البعد الوجودي. ولهذا فإن أدنى واجب على الذين يطرحون الأسئلة عن موقفي من الواقع الليبي، هو قراءة أعمالي مثل (من أنت أيها الملاك) و(الورم) و(رسول السماوات السبع) وعشرات الأعمال التي تتكلم عن هذا الواقع لكن ليس ببعده الحرفي بل ببعده الاستعاري. أنا أتحدث لغة الأدب وليست لغة الشارع فنحن نتغنى بالمفاهيم ولا نتحدث بها. في موسوعة بيان في لغة اللاهوت هناك لغة الفلسفة ولغة المفاهيم واضحة، ولكن لغة الرواية يجب أن تقرأ لكي تطرح سؤالا. مشكلتي مع العالم العربي أنهم يجهلون أعمالي. كل الموضوعات الإنسانية التي طرحت عبر الأزمنة هي موجودة في أعمالي. ومن المفارقة أن أتلقى الاستجابة من الدراسات الغربية والأمريكية والآسيوية لأنهم معنيين بقيمة العمل ولا أتلقاها من العرب الذين هم أهل اللغة. مسألة السلطة ليست سياسية بل وجودية، السياسة فيها هامش صغير جدا ”
وعن الصراع بين الأسطرة والأدلجة وكيفية التحول إلى الإبداع من خلال التأسيس للأسطورة، رغم الواقع الذي يحيطنا بالهزيمة وتشظي الهويات، تكلم الكوني قائلاً:
“الكتابة الإبداعية ليست ترفاً، لأنها ألم. لكن الكتابة غير الإبداعية، أو المؤدلجة هي المشكلة. عندما نتحدث عن الميثولوجيا لا نتحدث عنها بشكلها الحرفي وإنما عن روح الأسطورة وهذا شرط الابداع. لا حقيقة بلا تأمل ولاوجود لاستطلاع ذخيرة الوجود بدون روح تصوفية وهي مصدر كل الالهام لأنها تحكم الحدس في اللعبة وليس الحس، وهي التي تؤسس للأسطرة واستخدام الاستعارات. يقول الروذباري (علمُنا هذا إشارة فإن تحول عبارة خَفيَ) وهذا مبدأ منهجي يقوله متصوف لكنه رسالة موجهة للمبدعين. لكن نحن في الابداع نستخدم ظل العبارة والإشارة والرموز التي تصبح إلى علامات.
وحول رأيه بجائزة نوبل للآداب، تحدث الكوني قائلاً:
“أنا أهاجم جائزة نوبل دائماً لأن كل شيء يتحول إلى أيقونة يفقد شرعية القيمة. نوبل جَنت على كثير من الأدباء التي مُنحت لهم. عندما نراجع تاريخ الذين حصلوا على الجائزة قبل الفوز بها سنندهش أن قيمتهم التي قدمها أدبهم غير قيمة هؤلاء الذين فازوا بها، لذا هي لا تراهن على القيمة، بل على برنامج يرتقي إلى مستوى المؤامرة ربما، فعندما تمنح لصحفيين أو لكاتب أغان أو مهرج مسرحي فهذا يعني تغريب عن الحقيقة التي وجدت من أجلها. والذين تمنح لهم هم الذين يشرفونها وليس العكس. يقال إن المقياس في النجاح دوماً هو العمل، أما المكافأة عن العمل فهذه رهينة الحظ وهذه حقيقة فالحظ له ألعابه وضريبته في استدراج الأمر بعيداً عمن يستحق. ونوبل تضع اعتبارات أخرى كثيرة غير القيمة مثل العلاقات والاستعراض والسياسة وأمور أخرى لذا أصبحت غاية ونهاية مطاف وليس حافزاً لذا أغلب الذين فازوا بها لم يقدموا نصوصاً مهمة. في النهاية الجائزة التي يجب أن نخلص لها هي نصنا لأنه هويتنا وشهادتنا وسفيرنا إلى الإنسانية وإلى الأبدية”
بالإمكان مشاهدة الأمسية كاملة عبر الرابط https://youtu.be/RMwSrwfea_U