مفهوم “أقلمة القيادة” او القيادة المتأقلمة هو احدث ما وصلت له الدراسات والبحوث السياسة في القرن الحالي، يُفهم منه ان معيار البقاء لم يعد للاقوى، او ان القوى العظمى لا تستطيع ان تحتفظ بلقب العظمى، ما لم تصمد أمام التغيير، وتتأقلم وفقاً له، إذن القوى العظمي، لم تعد عظمى ما لم تتأقلم وتتكيف بسرعة، مع المتغيرات الطارئة، سواء كانت تغييرات سياسية او اجتماعية او اقتصادية، او وبائية!
من هنا تبرز اهمية (مرونة) الأنظمة السياسية التي تحكم العالم، والديناميكية التي تتمتع بها، على ان تخلو من تكلسات ايديولوجية، فلا يمكن ان يستمر نظام سياسي، جامد لا يتقدم للأمام ولا يؤمن بالتغيير والتطور، ولا يصلح برنامجه بأستمرار.
انها صيرورة مستمرة لا يصمد أمامها شيء، بل على الجميع مجاراتها وتقبلها والتكييف وفقها
لكن ما الذي نقصده بأقلمة القيادة وفرعنة السلطة؟
الكثير يخلط بين مفهومي السلطة والقيادة، لذلك علينا ان نضع تعريف للمفهومين؛ يقصد بالسلطة: هي أشبه بعقد بين طرفين او لنقل تفويض الناس (لبعض الأفراد) على ان يتمتع هؤلاء الأفراد بصلاحيات محددة يقومون، بموجب تلك الصلاحيات بأدارة النظام، في المقابل يتوقع الناس جملة توقعات، وينتظرون تحقيقها، وتكون هي كميثاق شرف بين الطرفين، ربما يكون هذا ابسط تعريف للسلطة بعيداً عن التابو الذي يحيط بها.
اما القيادة فهي على النقيض من ذلك، فهي ممارسة نابعة من الشعور بالمسؤولية الانسانية، دون تكليف او تفويض فالقائد ليس بالضرورة ان يملك سلطة.
لان القائد يتحرك وفق برنامج يهدف الى كمال مجتمعه، وهذا نابع من شعوره بالمسؤولية اتجاه محيطه، فهو من يبادر للتغير بل وقد يسلم مقطورة القيادة لمن يلمس لديه ذات روح المبادرة والشعور بالمسؤولية،فهو لا يسعى للقيادة من اجل القيادة.
وفي التاريخ العديد من الشخصيات، وصفت بالقيادية التي ألهمت الشعوب وغيرت مجرى التاريخ.
تكمن خطورة الخلط في فهم هذان المفهومان، الى الجهل الطرفين، ونقصد به (جهل الجماهير) بحقوقهم وجهل(الأفراد) الذين يفوضوُن لتولي السلطة، فجهل هؤلاء بحدود صلاحياتهم، يؤدي بهم الى التمادي الى حد قد يعتبرون انهم يملكون سلطة مطلقة، ومثل هكذا نوع من النظام، لا يؤمن بالتغيير، بل قد يرى بالتغيير تهديد لكيانه، فهو يقمع أي بادرة للتغير، لكن هذا القمع لا يمكن ان يستمر الى ما لا نهاية، فسيصطدم في النهاية بتيار التغيير الجارف، وسينقرض بدون ادنى شك، لانه يقاوم التغيير بدون وعي، ولانه خلاف للسنن الكونية، فالأمر لا يتعلق بعالم الأنظمة السياسية، بل في كافة المجالات، فالكثير من الشركات الرائدة، التي رفضت مبدأ التغيير ولم تؤمن به، بل وقمعت من تنبأ به، كان مصيرها الإفلاس والتلاشي، وشركة نوكيا للهواتف النقالة مثال حي!
ولتقريب الصورة اكثر، السلطة المطلقة التي لا تؤمن بالتغيير، تنتج لنا أنموذج كهتلر، صدام حسين، ومن شابههم
اما القيادة فهي مفهوم اعم واشمل، لا تطمح للفردية ولا تبني اصنام بل تنبذ الشخصانية والتأليه للأفراد بل تعمل على بناء منهاج للإنسان، اقترح ان نقرب الصورة مرة أخرى، يعد الإمام الحسين اكثر القادة تأثيراً عبر التاريخ، لانه سار وفق منهاج التغيير وأمن به حد الشهادة.
اما المقارنة بين إنجازات السلطة والقيادة فهو عنوان مقالنا القادم
اقلمة القيادة وفرعنة السلطة\٢
السلطة متى تنتهي؟