يراقب العالم باهتمام وقلق تأرجح بندول الصراع في الشرق الأوسط بين الحرب والسلام في ظل التلويح الغربي بشن الحرب على دمشق اقدم عاصمة في التاريخ و القابل للتغيير بالنسبة لنا بين ساعة وأخرى دون ان تتضح في الأفق إبعاد الموقف الحقيقي لواشنطن او حلفاءها و حسابات الإطراف الأخرى المناوئة وهي موسكو وواشنطن وطهران بينما يتمسك حزب الله بخيار الصمت المطلق في وقت لم يعد فيه البحر المتوسط يتسع لهذا العدد الكبير من البوارج والمدمرات والصواريخ والأعصاب المتوترة,
و بعيدا عن زيارة وزير الخارجية الإيراني لبغداد للبحث في احتمالات وتداعيات الضربة العسكرية الأمريكية المحتملة على سوريا وتأكيد العراق بالناي عن النفس وعدم السماح باستغلال أجوائه وترابه ضمن المخطط العسكري الغربي المعلن الساعي لتقليم أظفار نظام الأسد وحزب الله بمساعدة بعض الإطراف العربية لتغيير ميزان القوى لصالح المعارضة السورية ان لم يكن توسيع نطاق الحرب وتوريط الولايات المتحدة في حرب تشعل منطقة الشرق الأوسط برمتها وضرب جميع إطراف ما يعرف بمحور المقاومة بما في ذلك حزب الله وإيران…… إلا أن الحكومة العراقية تجد نفسها أمام حسابات خطيرة وحاسمة قد توثر بصورة كبيرة ومباشرة على مجمل الأوضاع العراقية وتهدد بانفجار الوضع الأمني وتغيير في التوازنات الطائفية بحكم الجغرافيا وتداخل الملفات وانعكاسات الوضع السوري على الداخل العراقي والذي كان سببا أساسيا شجع التظاهرات في غرب العراق المحاذي للحدود السورية وكذلك الموصل وأجزاء من محافظة ديالى بعد ان أمست دمشق حجرة عثرة أمام المخطط الغربي الهادف الى أعادة تقسيم منطقة الشرق الأوسط وإبعاد أي نفوذ روسي او صيني عنها خاصة بعد اكتشاف اكبر حقول الغاز في البحر المتوسط أمام السواحل السورية اللبنانية الإسرائيلية منذ أكثر من عشر سنوات وتأكد امتلاك العراق اكبر احتياطي نفطي في المنطقة.
ان من بين الحقائق ألمعروفه ان ألاف المسلحين العراقيين أما انخرطوا في صفوف الجيش الحر او هم جزء من تنظيم القاعدة الذي وحد جناحيه العسكريين في الشام والعراق مقابل متطوعين يقاتلون لحماية المراقد الشيعية في سوريا ناهيك عن الانقسام العراقي بين مؤيد للنظام السوري او مناصر لمعارضيه والذي لا تحكمه في كثير من الأحيان قراءه إستراتيجية لمرحلة ما بعد الأسد بل هي مواقف خاضعة للحسابات الطائفية ولانفعال الطائفي فيما تخشى الحكومة العراقية من أي انتصار للمعارضة السورية التي يهيمن عليها أصوليون من القاعدة والإخوان المسلمين ستمثل عمقا خطيرا لاندلاع حرب طائفية جديدة في العراق.
لقد عاش العراق مطلع عام 2003 أجواء مشابهة للتي تعيشها سوريا اليوم من حيث القلق من العدوان العسكري الأمريكي والشعور بالضعف إمام قوه عسكرية هي الأكثر تطورا في التاريخ رغم ان خطة الحرب الأمريكية على سوريا تعتمد على ضرب عناصر القوة العسكرية للجيش السوري وفصل القيادة الميدانية عن الوحدات العسكرية وتجريد النظام من مخزونه من الصواريخ الكيميائية ومنظومة دفاعه الجوي الصاروخية وبالتالي وإنشاء مناطق عازلة و فتح الطريق إمام المعارضة للتوجه نحو دمشق وإسقاط النظام على غرار ما حصل في ليبيا الذي استمرت طائرات الناتو بقصفها لأكثر من سبعة أشهر وكان ألقذافي حينها وحيدا بلا جيش حقيقي او إسناد دولي …..لكن هل ستقف موسكو وطهران مكتوفي الأيدي إذا ما تم ترجيح سيناريو الحرب ضد سوريا وهما يتعاملان مع القضية باعتبارها مصيرية لكل منهما؟ فوزير الخارجية الروسي قال قبل أكثر من عام ونصف ان سوريا تحدد شكل النظام العالمي الجديد وإيران ترى فيها معركة حياه او موت وسبق للمرشد علي خامنئي ان هدد بمحو تل ابيب وحيفا عن الوجود فيما بغداد أشبه بمن وجد نفسه وسط معركة هو في غنى عنها ولكن لابد له من الخيار مع هذا الطرف او ذاك شاء ام ابا خاصة انه الحكومة العراقية لا تجد أي مصلحة حقيقية في تقدم جبهة النصرة والقاعدة نحو دمشق كبديل عن الاسد.
قبل الاتفاق بين وزير الخارجية الإيراني والعراقي في بغداد الذي تريد طهران اعتباره انحيازا لصالح جبهة المقاومة او توجيه رسالة لواشنطن بان حلفاءها الشيعة في العراق سيكونون رهن إشارتها لضرب المصالح الأمريكية إذا ما شنت عدوانها ضد سوريا وهو تصور مبالغ فيه او ربما غير قابل للوقوع.. سبق للعراق والولايات المتحدة الاتفاق على تعزيز التعاون لمنع إيران من إرسال أسلحة عبر المجال الجوي العراقي الى سوريا و تبادل الاستخبارات والمعلومات والثمن بيع نظام متكامل للدفاع الجوي ومقاتلات إف-16 في صفقة بقيمة 2,6 مليار دولار لبغداد أضافه إلى نظم مراقبة وإنصات وتعقب وتعاون استخباراتي لمواجهة مخاطر القاعدة والمشاكل السياسية وراء التمرد المتنامي في عدد من المحافظات.. فقدا ستنجد المالكي خلال الأشهر الماضية بالأمريكيين وطلب مساعدتهم لمواجهة نشاطات القاعدة واستمرار الخلاف مع شركائه السنة الذين أصبحوا أكثر تقاربا مع الصدر والحكيم ضده وطلب منهم ثني عدد من الدول العربية وتركيا عن الاستمرار في دعم العمليات الإرهابية التي باتت تهدد بسقوط هيبة الحكومة ورحيل المالكي.
لكن الأمر قد لا يبدوا في حقيقته بهذه البساطة الحسابية لاعتبارات ثلاث الأول: ان ما يحدث في سوريا لا يقتصر على حدودها ونظامها فقط على غرار ما حصل في أفغانستان والعراق بل هو جزء من صراعات لها أبواب متعددة تبدأ إقليميا بحزب الله وتنتهي عند طموحات آيات الله النووية وإعادة ترتيب البيت العراقي وفق تحالفات جديدة.
والثاني: ان كلا من الصين وروسيا وأوربا لديها مصالح إستراتيجية في هذا الجزء من العالم تريد ضمانها بأقل شي من الخسائر دون التورط بالحرب في سوريا مباشره وفي أسوء الأحوال اللجوء للحرب الجراحية النظيفة. يشير المؤرخون ان تشرشل عندما تنامت قوه ألمانيا النازية ومعها قوه الولايات المتحدة أراد جر الطرفين لحرب لصالح بلاده وأوربا لكن حسابات الحقل لم تكن مثل حسابات البيدر…
وثالثا :ايا كان شكل الوضع او الترتيبات الجديدة في سوريا في حال قبول الأسد بإخضاع ترسانته العسكرية من أسلحة الدمار الشامل للرقابة الدولية او تسليمها مع حفظ ماء وجهه من خلال الدور الروسي الإيراني فان ذلك لا يعني توقف الصراع في سوريا وتوقف الغرب عن محاولة التحكم بخيوط الصراع لان باكستان دولة نووية ولكنها طرف قوي في الحرب في أفغانستان فالهدف الأهم هو الملف النووي الإيراني ونزع سلاح حزب الله وهذا ما وجده الغرب في الصراع الدموي السوري الأقل كلفة ولأكثر فاعلية والذي أعفى الغرب من إعلان الحرب مباشرة ضد ايران والميليشيات الشيعية اللبنانية التي أجبرت على القتال في سوريا و حسمت معركة القصير وريف دمشق قبل ان يفجر الغرب سيناريو السلاح الكيميائي الذي لا يقتنع به حتى السذج في السياسة لان ما جرى في العراق لازال حاضرا في الأذهان وهذا يعني ان الصراع الطائفي في المنطقة سيتواصل بمباركة الغرب ودعم النظام العربي حتى لو قام الأسد بتسليم صواريخه الكيميائية الذي لن يكون بلا ثمن.
من هنا فان سيناريوهات الحرب على سوريا تأخذ بأولوية رد الفعل الإيراني على اي عمل عسكري وتتوقع هجمات تشنها الميليشيات الشيعية في العراق ضد السفارة الأمريكية المحصنة وأهداف غربية أخرى بما فيها السفارات والرعايا الغربيين والتي تأخذ بجدية قابلية حزب الله على شن هجمات صاروخية على إسرائيل وإعطاء المبرر للأمريكيين لتدميرها بالنيابة عن إسرائيل التي طلب منها التزام الصمت. انها المرة الأولى في التاريخ التي يصبح فيها الذيل الإسرائيلي قادرا على تحريك الجسد الأمريكي لتسديد فواتير بقاء الرئيس اوباما في البيت الأبيض لدورتين.
ان واحدة من أسباب استمرار الحرب في سوريا وعدم السماح بسقوط النظام والتردد الغربي في توجيه ضربة قاصمة له طوال أكثر من عامين ونصف ومنحه فرصة للالتقاط الأنفاس وقيام الغرب باحتواء الحرب السورية وتنشيط طرفي الصراع الداخلي بتقوية المعارضة ضمن حدود (اللاغالب واللامغلوب) كان الهدف من وراءه استنزاف حزب الله وإيران التي تعاني من عقوبات اقتصادية لإنهاكها قبل توجيه اية ضربة لها بعد فشل الرهان على إسقاطها من الداخل ويصدق نفس الأمر بالنسبة لسكوت واشنطن على دعم دول إقليمية للعنف في العراق لاستنزاف الحكومة العراقية وإظهار عجزها وإجبارها على الوقوف مجددا إمام البيت الأبيض الذي بيده مفاتيح الحرب والسلام معا بدلا عن طهران.. ويرى البعض ان المالكي ربما بات أكثر قناعة بالدور الأمريكي لان أكثر من أي وقت مضى خاصة وانه يطمح للبقاء في كرسيه لدورة ثالثه وهو أمر اشك فيه شخصيا.
ان إطراف عراقية تتهم واشنطن وإسرائيل وتركيا والسعودية بالضلوع وراء الإرهاب الذي حصد أرواح ألاف الأبرياء منذ مطلع العام الجاري كعقاب غربي لعدم تصدي بغداد لشحنات الأسلحة الإيرانية لسوريا على مدى أكثر من عامين وعدم تفتيش الطائرات الإيرانية في رحلاتها المكوكية التي ساهمت في صمود الجيش العربي السوري وإحباط هجمات المعارضة فيما ترى إطراف أخرى ان سقوط الأسد في دمشق سيقود الى تقوية المعارضين الطائفيين لها وإسقاط الحكومة الشيعية في بغداد وهيمنت الرياض وانقره على مجمل المنطقة من خلال التنظيمات المتطرفة التي تتعامل معها الإدارة الأمريكية وتسلحها وتدربها رغم إعلانها للحرب ضد القاعدة وبالتالي فلا بديل إمام العراق سوى التأهب والدعاء لله أن لا تندلع الحرب التي ستجبر العراق على اتخاذ مواقف متحيزة شاء ام أبى وسيدفع ثمنها ناهضا لان نهاية الأسد ربما تعني ضربة قوية للأحزاب الشيعية العراقية دون استثناء ولا يمكن لأي احد ان يطمئن للوعود الأمريكية.
ومن هنا جرى الحديث مؤخرا في الخليج عن ترشيح بديل عن المالكي الذي لم يعد يعرف من يرضي واشنطن ام طهران…. وتم تسريب اسمين كبالونات اختبار وهما الدكتور علي الدباغ والدكتور موفق الربيعي والحديث عن مؤتمر يجمع جميع الإطراف العراقية في بلد مجاور او خليجي لتحقيق المصالحة الوطنية وإنهاء الصراع الطائفي بإشراف ومباركة الرياض وأنقرة باعتبارها جزءا من الحرب النفسية لثني المالكي عن التورط باي شكل لنجده بشار الأسد الذي سبق للحكومة العراقية وقبل أشهر من بدء التظاهرات ضده قبل عامين ونيف ان اتهمته بإيواء البعثيين ودعم المقاتلين العرب والتورط بالإرهاب في العراق وهددت بإحالة الشكوى الى مجلس الأمن.
وسبحان مغير الأحوال!!!