خاص : كتبت – نشوى الحفني :
بعد تعليق لرحلات الحج حول العالم بسبب وباء (كورونا) المستجد استمر خمسة عشر شهرًا، أعلن “الفاتيكان”، أمس الأول، أن “البابا فرنسيس” يستأنف السفر بشكل استثنائي، وسيزور العراق للفترة ما بين 5 و8 آذار/مارس من العام المقبل؛ وتستمر لمدة أربعة أيام، وتشمل خمس مناطق من بينها “بغداد وأربيل والموصل”؛ و”سهل آور”، المرتبط بذكرى النبي “إبراهيم”، و”قرقوش”، في سهل “نينوى”، تلبية لدعوة العراق والكنيسة الكاثوليكية المحلية، فتكون بذلك، أول زيارة للبابا إلى العراق.
وأكد “ماتيو بروني”، الناطق باسم “الفاتيكان”، في بيان، أن برنامج الزيارة سيعلن في حينه، وستأخذ بالاعتبار تطور حالة الطواريء الصحية في جميع أنحاء العالم؛ بالنسبة لانتشار وباء (كورونا).
علق رئيس الجمهورية، “برهم صالح”، على إعلان “الفاتيكان” زيارة “البابا فرنسيس” إلى العراق، قائلاً في تغريدة عبر (تويتر)، إن الزيارة التاريخية لـ”البابا فرنسيس” إلى العراق، ستكون رسالة بليغة لدعم العراقيين بمختلف أطيافهم، وتؤكد وحدة الإنسانية في التطلع إلى السلام والتسامح ومجابهة التطرف.
من جهتها؛ قالت “وزارة الخارجية” العراقية أن: “زيارة البابا إلى العراق بلاد ما بين النهرين، وأرض الرسل والأنبياء وموطن آور والنبي إبراهيم، تمثل حدثًا تاريخيًا، ودعمًا لجميع العراقيين بمختلف تنوعاتهم”.
وتابعت الخارجية العراقية، أن: “هذه الزيارة تمثل رسالة سلام إلى العراق والمنطقة بأجمعها، وتؤكد وحدة الموقف الإنساني في مجابهة التطرف والصراعات، وتعزز التنوع والتسامح والتعايش”.
زيارة البابا تأتي بعد استقبال “الفاتيكان”، في الخامس والعشرين من كانون ثان/يناير 2020، رئيس جمهورية العراق، “برهم صالح”. وتناولت المحادثات الوديّة بينهما، بحسب بيان الفاتيكان، التحديات الحاليّة للبلاد، وأهمية تعزيز الاستقرار وعملية إعادة الإعمار، وتشجيع طريق الحوار والبحث عن الحلول المناسبة لصالح المواطنين واحترام السيادة الوطنيّة. كما تمت الإشارة إلى أهمية الحفاظ على الوجود التاريخي للمسيحيين في البلاد، الذين يُشكلون جزءًا لا يتجزأ منه، والإسهام الكبير الذي يقدمونه في إعادة بناء النسيج الاجتماعي، مع التركيز على الحاجة لضمان أمنهم ومكانهم في مستقبل العراق.
زيارة غير مسبوقة بعد تفشي “كورونا”..
الإعلان عن الزيارة نال إستحسان الكثيرون، فأنهالت التعليقات والمقالات حول أهميتها وما يمكن أن تقدمه للعراقيين، فتقول صحيفة (الزمان) العراقية؛ إن “البابا فرنسيس” يقوم بزيارة “غير مسبوقة” إلى العراق في أول رحلة خارجية له منذ تفشي جائحة (كوفيد-19) على أن تشمل مدينة “الموصل”، وإن “وزارة الخارجية” العراقية رحبت بالزيارة “التاريخية” للبابا، معتبرةً أنها: “رسالة سلام للعراق والمنطقة” بأسرها.
مضيفة أن: “تنظيم الدولة الإسلامية كان احتل سهل نينوى بين العامين 2014 و2017؛ ولم يُعد المسيحيون في هذه المنطقة الواقعة في شمال العراق بأعداد كبيرة إلى ديارهم منذ ذلك الحين؛ لأن التوترات بين الجماعات المسلحة تبقى كثيرة فيما البنى التحتية لا تزال مدمرة بشكل واسع. ولم يزر أي مسؤول رسمي أجنبي، الموصل، منذ أكثر من خمس سنوات”.
تقوية النسيج الاجتماعي..
ويقول “جورج منصور”، في (شفق) العراقية؛ أن: “الآمال تظل معقودة على أن تسهم زيارة البابا في تقوية النسيج الاجتماعي العراقي، وأن تفتح آفاقًا جديدة في تعزيز مبدأ التعايش المشترك والتسامح ونبذ الخلافات والصراعات والنزاعات وتحقيق الوحدة الوطنية، ورفض التمييز على أساس عرقي أو ديني أو طائفي أو فكري أو سياسي، بما يفسح المجال لمشاركة أوسع للمسيحيين في العملية السياسية ومؤسسات الدولة”.
ويدعو الكاتب إلى أن: “تكون الزيارة بادرة خير تبعث الأمل في نفوس المسيحيين للتشبث بأرض آبائهم وأجدادهم. إذ أن الحفاظ على النسيج الاجتماعي واعتماد مبدأ المواطنة كأساس لتحديد الحقوق والواجبات، ومد جسور التفاهم والتقارب وتعزيز الآخاء بين أتباع الديانات والمذاهب في العراق، مهمة حتمية لإرساء مباديء العدالة والمساواة في المجتمع”.
موضحًا أن: “حماية المسيحيين والحيلولة دون رحيلهم إلى خارج موطنهم الأصلي، تقع بالدرجة الأولى على عاتق الدولة العراقية، عبر العمل الجاد لتغيير الصورة النمطية الراهنة إزاء حقوقهم ومعالجة التجاوزات التي تقع عليهم، وتطبيق ما جاء في الدستور العراقي في ما يخص أتباع الديانات والمذاهب في العراق”.
داعيًا الكاتب، “جورج منصور”، إلى أن: “تكون الزيارة بادرة خير تبعث الأمل في نفوس المسيحيين للتشبث بأرض آبائهم وأجدادهم”.
دلالات ورسائل مهمة على ثلاثة أصعدة..
من جهتها، تقول “مينا العريبي”، في صحيفة (الشرق الأوسط) اللندنية؛ أنه: “لا شك أن زيارة البابا إلى العراق ستكون لها أهمية خاصة للمسيحيين من أبناء العراق، وخاصة من أتباع الكنيسة الكاثوليكية، رغم أن الزيارة بالفعل تعني كل العراقيين، لأنها تحمل دلالات ورسائل مهمة”.
وترى الكاتبة أن: “الرمزية التي تحملها زيارة البابا يمكن اختصارها على ثلاثة أصعدة رئيسة؛ أولاً: تمثل دعمًا لمسيحيي العراق؛ وتؤكد أهمية وجودهم في البلاد واستمراريتهم رغم صعوبة العيش حاليًا. من المؤسف أن أعداد المسيحيين في العالم العربي تتراجع سنويًا، ولقد تراجعت بشكل ملحوظ في العراق مع الهجرة العالية بسبب أزماته المتتالية”.
وتضيف: “أما على الصعيد الثاني: فالزيارة تعتبر مؤشرًا على مكانة العراق وأهميته إقليميًا ودوليًا، على الرغم من كل المصاعب التي يشهدها”.
أما على الصعيد الثالث؛ فتقول “العريبي” إن الزيارة: “تُشكل مرحلة مهمة للحد من التطرف وكبح جماح من يدعو إليه. وفي الحقيقة، هذا التطرف يأتي ليس فقط من (داعش) والمجرمين التابعين للتنظيم الإرهابي، بل من المتطرفين الذين يرفضون التنوع الديني الذي لطالما إمتاز وتمتع به العراق. زيارة البابا إلى الموصل وقرقوش في سهل نينوى، المرتقبة ستكون ذات رمزية عالية بعد أن سعى أتباع (داعش) لطرد أبناء نينوى من وطنهم التاريخي”.
دلالات هامة لتوقيت الزيارة..
وتقول صحيفة (البيان) الإماراتية: “زيارة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، إلى العراق، في آذار/مارس المقبل، ستكون الأولى على الإطلاق، لرأس الكنيسة الكاثوليكية لهذه البلاد المنكوبة بالحروب والصراع الداخلي، الذي لم يسلم منه أي عرق أو طائفة أو مذهب، وربما من هذه الظروف، تكتسي الزيارة تاريخيتها، أكثر من كونها الأولى لأي بابا، ولا كونها الخروج الأول للبابا نفسه من الفاتيكان، منذ تفشي وباء (كورونا)”.
وتضيف الصحيفة: “الزيارة المرتقبة تكتسب دلالات مهمّة، إذ إن الحروب والصراعات الداخلية، التي شهدها العراق، تسببت بنزوح كبير للمسيحيين عن هذا البلد، ودول أخرى بالمنطقة، إذ عانوا من صعوبات، خاصة عندما سيطر تنظيم (داعش) على أجزاء كبيرة من بلدانهم. وكان البابا الراحل، يوحنا بولس الثاني، أراد عام 2000، زيارة مدينة أور العراقية الأثرية، التي يعتقد أنها مسقط رأس النبي إبراهيم الخليل، وكان من المقرر أن تكون الزيارة، المحطة الأولى، ضمن رحلة تشمل العراق ومصر وإسرائيل، إلا أن المفاوضات بهذا الشأن مع الحكومة العراقية، آنذاك، إنهارت، ولم يتمكن من تنفيذ الزيارة”.
آمال الوصول للمصالحة بين أطياف الشعب العراقي..
راعي الكنيسة الكلدانية في لبنان، المطران “ميشال قصارجي”، قال لـ (المركزية): “تبلغنا بالزيارة، وسنشارك كمطارنة كلدان مع وفد من لبنان. كما أن كل الكنائس مدعوة للمشاركة في هذا الحدث المهم”، لافتًا إلى: “أن البابا تلقى دعوة رسمية من رئيس الجمهورية، برهم صالح، عندما كان في زيارة إلى الفاتيكان والتقى البابا ووزير الخارجية وأمين سر دولة الفاتيكان، الكاردينال بييترو بارولين. كما أن البابا جدد رغبته بزيارة العراق خلال لقائه البطريرك الكلداني، الكاردينال لويس روفائيل، في 19 حزيران/يوليو 2019، الذي كان مشاركًا في اجتماع لـ (رواكو)، وهي مؤسسة كنسية تابعة للفاتيكان؛ تهتم بشؤون وجشون المساعدات للكنائس حول العالم”.
وأشار “قصارجي” إلى: “إن العراق مر بظروف صعبة جدًا، بدءًا بالحرب الإيرانية ثم سقوط النظام وبعدها حرب الكويت الخليج ومن ثم (داعش). هناك الكثير من الألم والحزن والمأساة في العراق، لكن إلى جانبها لدينا أمل كبير، خاصة وأن الكنيسة تدعونا لهذا الأمل، وإلى التشبث بالأرض، وهذه بلادنا ولن نتركها. وكما كانت السفيرة الأميركية، دوروثي شيا، اليوم في زيارة خاصة إلى المطرانية؛ وتطرقنا إلى هذا الحديث أيضًا. ففي العالم الذي نعيشه اليوم هناك نزعة نحو الهجرة ومغادرة البلاد بسبب الأوضاع السيئة. ولكن لدينا أمل أن تكون هذه الزيارات، خاصة زيارة الحبر الأعظم إلى العراق، خاصة إلى الكنيسة بكل أطيافها، نتأمل أن تقدم السلام لأن البابا هو دائمًا رجل الحوار، وقد بدأه خلال لقائه شيخ الأزهر في أبوظبي وانتهى بتوقيع الوثيقة التاريخية المهمة ضد العنف والإرهاب”.
وتمنّى: “أن تصل رسالة البابا؛ أي المحبة، إلى الجميع وأن تصيب في العمق، لا أن تكون الزيارة مجرد بروتوكول أو دعوة رسمية من دولة إلى أخرى”.
وندعو ككلدان لبنانيين، جميع أبنائنا في “لبنان” للصلاة من أجل قداسة البابا كي تكون هذه الزيارة مثمرة وتحمل معها الرجاء للجميع، فنصل إلى مصالحة بين أطياف الشعب العراقي. فالمسيحيون في العراق هم أقلية اليوم، وسيدنا البطريرك ساكو؛ ينادي دائمًا بدولة علمانية، دولة المواطنة، ولا فرق بين مسلم ومسيحي إنما الفرق بين الإنسان الذي يعطي بلده أكثر ويحب بلده أكثر”.
وختم: “لهذا كلنا أمل أن تكون هذه الزيارة التي نحضر لها، ناجحة وموفقة ومثمرة وأن تمد جسور الأخوة بين مكونات الشعب العراقي. ورجاؤنا أن تتم بسلام وألا تحصل أي حوادث كي تكون حقيقة التفاتة محبة من الأب إلى أولاده ورعيته”.