ما الأسباب التي تدفع بعض الجماعات العربية والإسلامية لممارسة التطرف والإرهاب؟
الإرهاب موضوعة إشكالية، ومصطلح (إرهاب) نفسه مثير للإشكال، يمكن للمرء أن يقرأه بطرق مختلفة في آن واحد، وربما من الأجدى أن يتحدث المرء عن الإرهاب العالمي، يعني أن دوافع (العمل المسلح) دائماً لها (شكل وسبب متقارب) عند مختلف الحركات الإرهابية، فهي نفسها عند الحركات العربية والإسلامية الإرهابية اليوم وكذلك في سبعينات القرن العشرين كما في حركة RAF في ألمانيا وIRA في هولندا وETA في أسبانيا وحركة الجيش الأحمر في إيطاليا.
الظلم وفقدان السيادة وعدم وجود موقع تعريف داخل السلطة للشعب يولد دوماً غضبا وشكا في الحياة نفسها وقيمتها، وفي الإرهاب تجتمع كل هذه مع مشاعر أخرى داخل وعي إيديولوجي يبرر (ضرورة العنف) للوصول إلى غايات حتى لو كان على حساب الأبرياء، وذلك على أساس عقائدي (بالتكلم نيابة عن الشعب) والتواجد في مكان (أعلى من سلطة القانون)، الإرهاب عموماً هو صورة على مرآة الحكومات الإرهابية أو توابع لتلك الحكومات، فالدكتاتورية كانت دوما أرضاً ممهدة للإرهاب، جيلاً بعد جيل داخل دكتاتورية فاشية يولد منها حتماُ حركات إرهابية، هذا ما حدث في ألمانيا وإيطاليا وفي اليابان أيضا، ولكن تبقى هنالك إشكالية منْ يمكننا أن ننعته (إرهابياً) ومنْ ننعته (ثائراً) أن ياسر عرفات الفلسطيني والأيرلندي Eamon da Valera والشيشاني أسلان ماشادوف نماذج وأمثلة واضحة على هذه الإشكالية، تزايد دائرة العنف من الإرهابيين وتصاعد وتيرة الحرب ضد الإرهاب تسيطر على العالم اليوم والضحية هم من يستغلهم الإرهابيون والمحاربون ضد الإرهاب، باسم الحرب على الإرهاب فقدَ المواطن في الغرب الكثير من حريته الشخصية وحقوقه أيضا، فقانون الحرب على الإرهاب أصاب خصوصيات الفرد وحريته الشخصية عبر سن قوانين تمنح الدولة التنصت على هاتفه وحجزه أن تطلب الأمر دون تهمة محددة، تغيرت بالنسبة إلى سبعينات القرن العشرين أشكال التنظيم وخصوصا في نطاق تمويل الإرهاب وشبكة التواصل الدولي مثل الاستفادة من التقنية الحديثة للاتصالات وجعلها وسيلة إستراتيجية في العمل الإرهابي، صعود الإرهابيين من العالم الإسلامي والعربي في قاطرة الإرهاب يرجع بالدرجة الأولى إلى الاستخبارات الباكستانية وCAI الأمريكية التي قامت بتدريب وتمويل ودعم (المجاهدين) في أفغانستان ضد الإتحاد السوفيتي، واليوم يوفر ويضمن هؤلاء الإرهابيون- من حيث لا يعلمون ربما- الظروف لاستمرار الوظائف وإعداد رجال الضرائب في الاستخبارات الأمريكية وUS Department of Homeland Security وكذلك يمهدون الطريق لامبريالية أمريكية جديدة، وبهذا هم يشدون من قوة من يحاربوه.
* كيف نتمكن من احتواء حالات التطرف والإرهاب أو استئصاله جذريا؟
كيف نتمكن من احتواء الإرهاب أو القضاء عليه من جذوره؟ على مثل هكذا سؤال لا أمتلك إجابة واضحة، الخبرة تقول إن الحركات الإرهابية بدأت دوما كحركات ثورية أيديولوجية وجدت قبولا لدى الشعوب ويراها البعض على إنها ضرورية، لكن بمرور الأيام تفقد هذه الحركات هذا الموقع في الشارع الشعبي وذلك بسبب سقوط الأبرياء ضحية العنف التي تمارسه هذه الجماعات، ثم يزداد العنف والإرهابيون يتحولون إلى (شكل مشابه تماما) للذي حاربوا ضده، ولهذا أعتقد أنه من المهم توضيح مسألة مهمة لرجل الشارع وهي أن هذه الحركات لا تتحدث بالضرورة (عن الشعب) فهم ليسوا أكثر من حركات متطرفة إجرامية تهدد حرية الآخرين ولا دخل لها بالتحرير والنضال أو العدالة الاجتماعية فهم لا يقدمون أكثر مما قدمه منْ يحاربونه.
لأن الطرق المؤدية إلى الإرهاب عديدة ومنها الظلم والشك بقيمة الحياة وبسبب أقدار لا يد للبعض فيها تأتي النقطة المهمة في عملية القضاء على الإرهاب من الجذر وهي أن يصبح المجتمع قادرا على الحرية والاختيار، ففي مجتمع حر وبلا ظلم وغياب للعدالة الاجتماعية يمتلك الإنسان حريته واختياراته في الحياة بكل أشكالها، ليس فقط في مجال التساوي بين الأفراد والعدالة وحقوق الإنسان إنما أيضا في الاستقرار المادي والأمن والشعور بالاستقلال، في مثل هكذا مجتمع لن تجد حتما أي حركة إرهابية أعوانا بحجم يهدد الحياة.
من المهم أيضا مراعاة الجانب التعليمي والتربوي ودور هذا النطاق في دعم احترام الأديان والثقافات والحضارات المغايرة والمختلفة، لكي لا تتحول (بقية العادات) التي تغذيها جذور لا إنسانية إلى نوع من (الضغط والتهديد) على التعايش بين الشرائح المختلفة من البشر.
* هل للمنظومة المعرفية العربية علاقة بانتشار التطرف والإرهاب والكراهية للآخر؟ وهل تمثل هذه المنظومة عائقا للتطور والإصلاح والديمقراطية؟
الكراهية والإرهاب ليس من صنع عربي وتتواجد في أمكنة كثيرة، وحسب اعتقادي أن لهما أقصد الإرهاب والكراهية مع (اللا أمان) وشيجة، ألمانيا مثلا في تاريخها وصلت إلى الوحدة الوطنية بعد دكتاتورية ثم ديمقراطية على نموذج غربي، والإرهاب كما قلتُ سابقاً يأتي بعد كل نظام دكتاتوري، نظام يقتل ويعذب يعدُ الأرض حتما للإرهاب والكراهية، فحركة RAF الألمانية لا يمكن فهمها بدون النظر جيدا إلى دكتاتورية النازية وما تركته خلفها من كوارث، ف RAF كانت حركة إرهابية نتجت بعد حكومة دكتاتورية إرهابية، أن المنظومة المعرفية للحركات الإرهابية التي تقدم استعدادا للقتل والموت المجاني هي تشابه الأنظمة الفاشية تماما.
إن عدم وجود الشجاعة في قراءة المنظومة المعرفية ونقدها وأقصد المنظومة المعرفية التاريخية أيضا ومحاولة قراءتها بطريقة مغايرة وكذلك تجريب ما هو جديد وغريب عنها إضافة لمعرفة الآخر وموقعه فيها ومحاولة إيجاد حضور له تاريخيا ومعرفيا وإنسانيا، عدم وجود هذه الشجاعة يشكل عائقا في فهم الذات والآخر ويزيد من حجم الكراهية في عمق هذه المنظومة.
أغنية ألمانية شعبية قديمة تقول (الأفكار حرة)، بالتأكيد أن الرقابة والضغط في العالم العربي لهما حصة الأسد وخصوصا في حرية التعبير والصحافة، أن المرء يستطيع أن يتحدث عن منظومة معرفية عندما تصبح ليس الأفكار حرة فقط إنما عندما تكون للأفكار الحرة القابلية على أن تكون حرة في الانتشار، فهذا ما سيقود إلى الفكر الديمقراطي.
* هل يكون العصيان المدني بديلا حضاريا للعنف في العالم العربي الإسلامي، وهل ستحقق أهداف التغير للحكومات السائدة؟
المهاتما غاندي استطاع تحرير الهند من الاحتلال الانكليزي عبر وسائل مدنية وبلا عنف، ونيلسون مانديلا قضى على النظام العنصري في جنوب أفريقيا عبر طرق سلمية وغير دموية، و (مظاهرات يوم الاثنين) في ألمانيا الشرقية استطاعت أن تنهي نظام ألمانيا الشرقية وتهده.
لكن العصيان المدني والمظاهرات قد تؤدي أحيانا إلى رد فعل عنيف وخسائر كبيرة، فمثلاً أن المظاهرات لأجل الصحفي الإيراني أكبر غانجي كانت تؤدي إلى زيادة فترة بقائه في السجن.
في صفحات الانترنيت توجد خيارات كثيرة أيضا مثلا من التجمعات العراقية في الغرب Salam Pax، Jarrer، Riverbend وغيرها لعبت دورا مهما في اطلاع الغرب على حقيقة ما يجري في العراق والعالم العربي، كذلك باللغة الإنكليزية من البحرين والأردن ودول عربية أخرى.
إن حكومة فايمار في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية كانت جمهورية بلا جمهوريين لهذا انتهت بوصول هتلر لسدة الحكم وعبر الانتخاب الديمقراطي، دخول فئات الشعب المختلفة في العملية الديمقراطية ضروري جدا، وبالذات من هم (في العالم السلفي) أي الوعي بأهمية العمل الديمقراطي والتظاهر والعصيان في حدود الوعي الديمقراطي نفسه وليس لمجرد المشاركة أو التظاهر، عدم تعاون النظام في هذه الحالة يعني بالضرورة عدم شرعيته.
انتفاضة العمال شرق برلين ضد النظام الشرقي عام 1953 لم تهز شيئا في هذا النظام، يقول برتولد بريشت وهو يقدم مقترحا للدكتاتورية في العالم وهو:
أمر سهل جدا الحكومة تلغي الشعبَ
وتنتخبُ شعباً آخر
* هل يحتاج العالم العربي والإسلامي الضغوط الخارجية لكي يتقبل الإصلاح، خاصة ونلاحظ أن التغيير في العراق صار بقوة وقد رافقه في العالم العربي والإسلامي دعوات متفجرة للعصيان وطلب التغير؟
الضغط الخارجي على الدكتاتوريات لكي يسهل عملية التغيير وحقوق الإنسان والحركة الديمقراطية للشعوب المضطهدة، هذا الضغط مرغوبا به لو كان لأجل الديمقراطية حقا وتغيير النظام القمعي وليس لمجرد الضغط، ولكن أفكرُ أن هذا الأمر فيه الكثير مما يستحق أن يقال، إن بعض الدول تضغط على بعض الدول لأجل مصالح معينة وليس لهموم الشعب ومشاكله أي وجود أو أهمية في عملية هذا الضغط، تغيير النظام في العراق كان عبر (قوات متعددة الجنسيات) بقيادة أمريكا وهنا يجب مراعاة أن أمريكا نفسها قد دعمت هذا النظام سابقاً في الحرب ضد إيران وكذلك ضد الشعب العراقي نفسه في انتفاضة 1991، ونفس الأمر كان في أفغانستان أقاموا طالبان ثم هدوه بالقنابل.
من ناحية أخرى لم يجد مثلاً أحمد شاه مسعود الذي سعى لبناء دولة ديمقراطية في أفغانستان أي دعم من الغرب والديمقراطي الإيراني المنتخب محمد مصدق الذي بمساعدة CAI الأمريكية تم إنهاء حياته السياسية، هذا يقول لنا ويشير إلى أن دعم الحركة الديمقراطية ممكنة في العالم العربي ولكن من المفترض أن يكون ليس عبر دولة بعينها إنما عبر دعم دولي جماعي حتى لو كان في هذا التغيير والدعم ضرباً للمصالح الاقتصادية.
بالنسبة لي هنالك وضع مرّ وهو أن الضغط الغربي على العالم الإسلامي لأجل التطور الديمقراطي يمر عبر قنوات حقوق المرأة، ولكن بعد التغيير في العراق وأفغانستان تم نسيان هذا الأمر تقريبا والخطوة للوصول إلى حرية المرأة كانت ضعيفة وأقرب بأن تكون خطوة للوراء.
عموما في العالم العربي توجد عناصر ديمقراطية حتما ولكن بمجرد أن تسيطر أحزاب محافظة تلغي أي خطوة في طريق الوصول إلى حرية المرأة مثلا، في نفس الوقت يُنظر إلى مسالة حرية المرأة إلى أنها ايديولوجيا غربية وهكذا يبدو أن المرأة في العالم العربي تجلس على كل الكراسي إلا كرسي حريتها.
إذا كان في البحرين التغيير في الحقوق قد أدخل المرأة البرلمان لكنه لم يتكلم من جانب عن مصالحها وعارض من جانب آخر أيضا بالأصل المبادئ الديمقراطية، فهذا التغيير ليس أكثر من كارثة.
في الديمقراطية القوة والإرادة والاختيار في يد الأغلبية، يعني أن يكون للمرأة الحق بما أنها نصف المجتمع بالتساوي مع الرجل في البرلمان والحكومة وتكون هي بنفسها المتكلم الرسمي عن حقوقها ومصالحها، أن حكومة نسائية مازالت غير موجودة في أوربا نفسها، فهذا أمر يحتاج إلى زمن طويل.
أن شابة في البحرين يمكن فهمها لو لم تشارك في السعي للوصول إلى حقوقها في وسط ديمقراطي لأنها على يقين بأن الرجل سيجعل من الديمقراطية كمّاما على وجهها، ولكن إذا نجحت نوال السعداوي في مصر للوصول إلى أن تكون رئيسة عربية سيكون هذا خطوة حقيقية اتجاه الديمقراطية وحقوق المرأة والإنسان.
* هل ينظر الآخر (الأوربي) إلى الأنظمة الاستبدادية والدكتاتورية على أنها جزء من منظومة طبيعية في العالم العربي والإسلامي أم أنها تأخر عن ممارسة الديمقراطية؟
توجد أجوبة بعدد الأوربيين رجالا ونساء على هذا السؤال، إن الدكتاتوريات العربية وحكومات شيوخ النفط حكومات غير شرعية لأنها لا تمثل شعوبها على الإطلاق، وهذه الحكومات إحدى أسباب الدمار الرئيسي في العالم العربي.
ولو أخدنا حكومة ديمقراطية مثل الألمانية فهي تتمتع بأنها منتخبة وعبر تطور طويل الأمد ولكن سنجد أن المصالح السياسية تمر عبر المصالح الاقتصادية وأسواق التجارة ومن المؤكد هذه اللعبة الاقتصادية تلعب دورا في نوعية العلاقات السياسية بدول العالم مثل إيران والصين ودول العالم العربي، والدعوة إلى التغيير والديمقراطية في هذه الدول موجودة عبر القنوات الألمانية ولكن مليون وربما مليار من الأعمال التجارية المشتركة بين هذه الدول ورجال المال الألمان تحيل دوما إلى نسيان موضوعة المطالبة بحقوق الإنسان والديمقراطية وتكون أحيانا غير مهمة لدى السياسة الألمانية في تعاملها مع هذه الدول.
* آليات الممارسة الديمقراطية المستعارة من الغرب هل ستنجح في العالمين العربي والإسلامي في تحقيق انظمة ديمقراطية؟
ربما المشكلة في العالم العربي هي أن (الديمقراطية) تفهم على أنها مجرد (صناعة غربية) لا أكثر، لكن المرء يمكن أن يرى الأمر بطريقة أخرى: الديمقراطية بشكلها الكلاسيكي كانت في أثينا وتعني حكم الشعب على الرغم من استثناء العبيد والنساء والمستوطنون الجدد يومها، والفكر والفلسفة اليونانية قدم للعالم عبر الفلسفة العربية وبالذات عبر ابن سينا وعبر العرب وصل هذا الفكر وهذه الفلسفة إلى أوربا، بدون العرب لم يعرف الغرب شيئا عن الديمقراطية.
التطور الديمقراطي بدأ في العالم الأوربي منذ عصر التنوير والثورة الفرنسية، ولكن ما تبع أيضا دكتاتوريات وخير مثال دكتاتورية نابليون، ولكن هذا التطور وصل إلى قيام أنظمة ديمقراطية أخيرا، اليوم الديمقراطية يبدو وكأنها مجرد (مريض) غربي ولكن هذا (الاختراع) أصبح تقليداً تحاول مختلف الشعوب أن تلبسه وتطوره أيضا، وتوجد في هذا (الاختراع) أشكال عديدة من الحكم تحتاج أولا إلى نقاش، كيف يكون شكل الحكومة والنظام الحاكم والقضاء والصحافة والرقابة وبقية المجالات المهمة للعرب وإلخ.
عناصر الديمقراطية موجودة في العالم العربي حتما ولكنها لعبة زمن، في أوربا الشرقية وجدت حركة قوية وصلت إلى نهاية الشيوعية واستطاعت أن تضع لها أشكالاً ديمقراطية في دول عدة، فلماذا لا ينجح الأمر في العالم العربي؟ ربما أن الشعب العربي سيجد شكلاً جديداً من أشكال الديمقراطية التي تلائم خصائصه، ما أخافه هو التفكير بأن (الديمقراطية) مجرد صناعة غربية ويجب أن تصدر للعالم العربي مثل هذا التفكير سيعطل حتما الكثير من عناصر التطور في الفكر الديمقراطي وفي الحركة الديمقراطية عند العرب، لأن مثل هذا التفكير قد يفتح مشكلة ذكريات الإمبريالية والاحتلال ويضع موضوعة الشرق والغرب كعائق أمام أي تغيير، الديمقراطية فعل مفتوح، فعل حر لا يملكه أحد، الكل يستطيع أن يجد له فيها مقراً، مثل هذا الوعي هو الوحيد الذي يسمح لنا أن نتكلم عن عالم واحد يتقاسمه الجميع.
الحكومات في العالم العربي والاسلامي ليست أكثر من عاشق طويل الامد ضد أي تطور لفكر ديمقراطي
* ما الأسباب التي تدفع بعض الجماعات العربية والإسلامية لممارسة التطرف والإرهاب؟
أسباب كثيرة ولكن السبب الرئيسي هو رد الفعل على الدوافع الاقتصادية والسياسية والعسكرية للقوة الأمريكية أي بالأصح على الإمبريالية العالمية.
* كيف نتمكن من احتواء حالات التطرف والإرهاب أو استئصاله جذريا؟
وضوح الأهداف، واتحاد سياسي لكل الدول العربية، وترك الثقافة الإسلامية نظيفة من الشوائب.
* هل للمنظومة المعرفية العربية علاقة بانتشار التطرف والإرهاب والكراهية للآخر؟ وهل تمثل هذه المنظومة عائقا للتطور والإصلاح والديمقراطية؟
ربما تلعب (المنظومة المعرفية العربية) دورا في انتشار الكراهية والإرهاب. ولكن بكل تأكيد أنها تعيق الإصلاح والديمقراطية.
* هل يكون العصيان المدني بديلا حضاريا للعنف في العالم العربي الإسلامي، وهل ستحقق أهداف التغير للحكومات السائدة؟
العصيان المدني بالتأكيد خيار مهم. ولكن نتائجه دائما محصورة بتغييرات طفيفة وليست جذرية. وذلك لأن رأس المال- USA في حالة الخطر يحشد كل قدراته العسكرية لتأمين نفسه
* هل يحتاج العالم العربي والإسلامي الضغوط الخارجية لكي يتقبل الإصلاح، خاصة ونلاحظ أن التغيير في العراق صار بقوة وقد رافقه في العالم العربي والإسلامي دعوات متفجرة للعصيان وطلب التغيير؟
مبدئياً الإجابة نعم. ولكن الضغط الخارجي يحرك نحو ديمقراطية بشكل غربي. وهذا يعني ليس بالضرورة أنها صالحة للعالم العربي.
* هل ينظر الآخر (الأوربي) إلى الأنظمة الاستبدادية والدكتاتورية على أنها جزء من منظومة طبيعية في العالم العربي والإسلامي أم أنها تأخر عن ممارسة الديمقراطية؟
بالطبع. هذه الحكومات في العالم العربي والإسلامي هي ليست أكثر من عائق طويل الأمد ضد أي تحول أو تطور لفكر ديمقراطي.
* آليات الممارسة الديمقراطية المستعارة من الغرب هل ستنجح في العالمين العربي والإسلامي في تحقيق أنظمة ديمقراطية؟
إن نقل التفكير الديمقراطي الغربي إلى العالم العربي ليس مستحيلاً. ولكن ليس هو المطلوب والمأمول لأن مثل هذا التفكير (المواطنة العالمية) (القادم من الغرب) قد يصطدم وربما يهمش الثقافة الإسلامية والعربية.
النظام العالمي يريد من الانظمة العربية ان تطبق على شعوبها القوة كي لا يفكر الشعب بالتغيير
* ما الأسباب التي تدفع بعض الجماعات العربية والإسلامية لممارسة التطرف والإرهاب؟
الإرهاب حرب ضد عدو. هذه الحرب ماديا وعسكرياً تظهر فيها عضلات الولايات المتحدة الأمريكية قوية جداً وكذلك حلفائها مثل الحليف المدلل إسرائيل. وفي الجانب الآخر من هذه الحرب تقف الدول العربية في هذه الحرب وهي لا تستطيع أن تقاوم بقدراتها العسكرية البسيطة ومثال ذلك العراق، فلسطين، وليبيا وحتى إيران. لذا لهذه الدول يوجد خياران:
الأول: هو العمل مع الولايات المتحدة، ويعني هذا ترك النفط يسيل بالاتجاه الأمريكي والاستفادة كذلك من دعم هذه القوة العظمى، ولكن هذا يعني أيضا البقاء تحت النفوذ الأمريكي بشكل من الأشكال كما في السعودية والإمارات.
ثانياً: وضع برنامج عمل لتطوير البلاد عبر الاستفادة من النفط كما فعلت سابقا العراق، إيران وليبيا ولكن هذا الأمر لم يستمر إلا لنصف الطريق. ففي زمن الحرب الباردة والاتحاد السوفيتي كان الأمر ممكنا ولكن رغم هذا تم استغلال بعض الدول والاستفادة منها بطريقة ما كما حدث مع العراقيين الذين استغلوا (كحمقى مفيدين) لأمريكا وغيرها من الدول في الحرب ضد الملالي في إيران.
بمجرد أن تنتهي الخيارات التي ذكرناها أو طرق التعامل المطلوبة في أمريكا تأخذ الأمور مجرى آخر. منْ يفكر أن يشق طريقه وحيدا دون اليد الأمريكية يقع في إشكالية واحدة وهو تحوله إلى خطر وهذا يعني بسهولة لأمريكا بأنه (إرهابي) وتشن عليه (الحرب).
* كيف نتمكن من احتواء حالات التطرف والإرهاب أو استئصاله جذريا؟
منْ نحن؟ أمريكا والدول الغربية والعراق وأفغانستان وأنا وأنتَ؟ أنا وأنتَ لا دخل لنا بالأمر. ولماذا لا دخل لنا؟ حكومات مسرح العرائس وقوتها المحدودة، أيضا لا دخل لها. هي مخصصة فقط للقيام بالأعمال الرديئة نيابة عن القوى الكبرى. الغربُ هو الوحيد هو الذي لديه اليد الواضحة في الأمر. وضده تنظم نفسها الحركات الإرهابية. ولكن كيف يتم هذا، يستطيع المرء مشاهدته على التلفاز يومياً. بالحرب والعنف والتعذيب واللامعلوماتية وهذا يعتمد نجاحه على قابلية الإرهابيين وقدرتهم. لكن استئصال الإرهاب من جذوره هذا ما لا يفكر به أحد. ولا أظن بأن السياسة العالمية تفكر به على الإطلاق. من المؤكد أن احترام خصوصيات العالم العربي والنظر إلى هذه الدول ليس على إنها منبع للنفط فقط، وتطوير البلاد من الداخل بعيدا عن سيطرة التقاليد والأديان مهم جدا، ولكن هذا ما لا يريده الغرب والدول العظمى وهذا ما أثبتته بسياساتها اتجاه هذه المنطقة.
* هل للمنظومة المعرفية العربية علاقة بانتشار التطرف والإرهاب والكراهية للآخر؟ وهل تمثل هذه المنظومة عائقا للتطور والإصلاح والديمقراطية؟
لا أعرف.
* هل يكون العصيان المدني بديلا حضاريا للعنف في العالم العربي الإسلامي، وهل ستحقق أهداف التغير للحكومات السائدة؟
عصيان مدني ضد منْ؟ ضد المحتل؟ المحتل يضحك من كلّ قلبه على هذا العصيان وإن تطلب الأمر يفتح عليه النار وربما البلدوزر لتصفية العاصين.
عصيان ضد حكومات مسرح العرائس؟ رد الفعل لا يختلف عن رد فعل المحتل كثيرا.
عصيان ضد حكومة مثل مصر أو السعودية يعني أمرين، لو كان الغرب لا يحبذ بقاء هذا النظام سينجح العصيان حتماً وسيدعمه هذا الغرب، القوانين الجائرة مثل قطع اليد حتى 2001 لم تثر أحدا في الغرب. واليوم تعذيب (الإرهابيين) في السجون الأردنية والسورية أصبح البعض من الغرب يراه مفيدا! ولكن إذا تصور الغرب أن النظام الفلاني مفيد وعليه تذهب رايز إلى هناك وتتحدث عن الحركة الديمقراطية في البلاد، وربما تعلن أن الأخوان المسلمين مجموعة محترمة! ولكن إذا كان هذا الأمر في رأس حسني مبارك أو لا هذا غير مهم.
* هل يحتاج العالم العربي والإسلامي الضغوط الخارجية لكي يتقبل الإصلاح، خاصة ونلاحظ أن التغيير في العراق صار بقوة وقد رافقه في العالم العربي والإسلامي دعوات متفجرة للعصيان وطلب التغير؟
لماذا يحتاج العالم العربي الضغط الخارجي؟ أظن أن الشعوب العربية تعرف تماما ما هو المفيد لها، ولكن رأي هذه الشعوب غير مسموع وغير مرغوب فيه في النظام العالمي الجديد. النظام العالمي يريد من الأنظمة العربية أن تطبق على شعوبها بقوة، لكي لا يفكر الشعب بالتغيير كاستغلال النفط لصالح البلاد وبقية العناصر الاقتصادية.
* هل ينظر الآخر (الأوربي) إلى الأنظمة الاستبدادية والدكتاتورية على أنها جزء من منظومة طبيعية في العالم العربي والإسلامي أم أنها تأخر عن ممارسة الديمقراطية؟
ما يحدث في قضية إيران ومفاعلها وكذلك في أمريكا لا دخل له بالديمقراطية من قريب أو بعيد، ولكن هنالك أمر واحد وهو: إن الأوربي يسعى لأن يتعلق بأمريكا ويحصل على النفوذ من خلالها ولكن هذا صعب جدا لأن أمريكا قد قررت أن الشرق الأوسط يخصها وحدها، لهذا (إنكلترا، إيطاليا، بولونيا، أسبانيا) قبل الانتخابات يسعون للحصول على عمل مع أمريكا، ولكن (فرنسا وألمانيا) تبحثان عن موقف مخالف ليقوى موقفها في العالم، ولكن الجميع يظهر بمظهر الأحمق وذلك لأن أمريكا لا تحتاج من هذه الدول سوى أن تعمل معها لتخفيف الحمل العسكري أو لتقليل الاحتياجات المادية، وما حدث في حرب العراق كان واضحاً.
* آليات الممارسة الديمقراطية المستعارة من الغرب هل ستنجح في العالمين العربي والإسلامي في تحقيق أنظمة ديمقراطية؟
أسئلة ضد هذه الأسئلة: لماذا ينبغي هذا؟ ولم لا ؟ ولكن منْ ينفع؟ فهل تحسن حال العراقيين اليوم كثيرا عن الأمس؟
أغناطيوس: جهات خارجية عملت على تغذية ظاهرة الإسلام السياسي المتطرف وإن كانت الأغراض الأصلية مختلفة
الباحث والمستعرب الأسباني أغناطيوس غوتيريث دي تيران (de Teran Ignacio Gutierrez) المولود عام 1967، دكتوراه باللغة والأدب العربي من جامعة مدريد المستقلة، حيث يعمل اليوم أستاذاً في قسم اللغة العربية بكلية الفلسفة والآداب، مختص بالشؤون السياسية والاجتماعية والأثنية لمنطقة الشرق الأوسط.
وهو على هذا واحد من الأصوات المهمة في الكتابة بموضوع العرب والعصر الراهن وهذا يتضح من خلال متابعاته ومقالاته في الصحف والمجلات المهتمة بالعرب والعالم الإسلامي، وعلى هذا يعد من الكتاب القلائل المتفهم للمعضلة العربية والإسلامية ومدافع منصف في الكثير من القضايا ذات الثقل العام في أوربا.
يضاف لذلك، وعلى الرغم من سنيه القصيرة مع آداب وفكر العرب، فقد استطاع الكتابة عنها وكذلك نقل عشرات الكتب العربية للغة الأسبانية ونشر العديد من النصوص والتعريف بها في الوسط الأدبي الأسباني، فهو إضافة إلى مؤلفاته في الشأن السياسي والاجتماعي للعرب، فقد ترجم كتباً تراثية وأخرى معاصرة من الآداب العربية، نذكر من بينها: رواية التبر لأبراهيم الكوني، سيرة مريد البرغوثي، حبات النفثالين لعالية ممدوح، منتخبات شعرية لمحمد الماغوط، انتحالات عائلة لعبد الهادي سعدون ومنها أيضا ما يعده منذ وقت ليس بالقصير منتخبات شعرية للمتنبي وأخرى لسعدي يوسف ومظفر النواب، هذا دون ذكر القصائد والقصص المتفرقة المنشورة في مجلات ودوريات لعدد كبير من الأدباء والمفكرين العرب..
* ما الأسباب التي تدفع بعض الجماعات العربية والإسلامية لممارسة التطرف الإرهاب؟
* في رأيي هناك عدد من الأسباب الهيكلية منها السياسية والاقتصادية والايديولوجية والدينية، فمسألة العنف الإسلامي يتضمن جوانب كثيرة لا بد من بحثها بدقة وإمعان. بطبيعة الحال، يسعى كثير من هذه الجماعات إلى إضفاء الشرعية إلى عملياتها الوحشية بالمبررات الدينية والإيديولوجية وباللجوء إلى خطابات وأفكار معينة وكذلك تفسير النصوص الدينية بطريقة تخدم رؤيتهم الخاصة، وبالتالي فلا يمكن أن يقال بشكل من الأشكال إن هذه الجماعات نتاج غريب عن المحيط العربي الإسلامي، فهي شئنا أم أبينا انطلقت من بيئة إسلامية وتدّعي الانتماء إلى تراث عقائدي وفكري وديني واضح الملامح، وإذا سألنا أي واحد من أمراء هذه المجموعات سواء أكان في الجزائر أو العراق أو أفغانستان أو أي من البلدان الإسلامية عن إرهاصاتهم الفكرية فإنه سيجيب حتما إنها إسلامية خالصة لا تشذ عما أجمع عليه العلماء والفقهاء المعتمد عليهم، وأعتقد أن نزعة التطرف والتشدد هذه موجودة في جميع الأديان والتاريخ شاهد على ذلك، ولكن المشكلة الرئيسية تكمن بنظري في الآليات والظروف التي ساعدت في تفعيل هذه الفرق المتطرفة وإعلاء شأنها لدرجة أنها أصبحت عنصرا مهماً جدا في اللعبة السياسية الحالية، ومن هنا نصل إلى الأسباب الظرفية التي تهمني أكثر، وأود أن أشير تحديدا إلى العوامل الاستراتيجية والاقتصادية. فصعود هذه الجماعات إلى العلن وانتشار شهرتها يعودان بصورة كبيرة، وإن كان الإسلاميون المتشددون يرفضون ذلك، إلى الدعم غير المباشر الذي لقيته من الخارج ولا سيما من بعض الدول الغربية والبلدان الإسلامية المتحالفة معها، والحالة الأكثر شهرة طبعا هي حالة بن لادن والطالبان والأموال الهائلة والأسلحة الحديثة والتغطية الدبلوماسية وكل ما حظي به المجاهدون الأفغان والعرب أثناء الثمانينات، وهناك حالات أخرى تثبت أن جهات خارجية عملت على تغذية ظاهرة الإسلام السياسي المتطرف وإن كانت الأغراض الأصلية مختلفة تماما عما آلت الأمور إليه، ودعونا نذكر أيضا حرص حكومات معينة وخلال فترات زمنية متفرقة كالإندونيسية أو التركية أو المصرية على تشجيع نشاطات الإسلاميين بغية الحيلولة دون نمو المعسكر اليساري، ولا شك أن دولا عربية كالمملكة العربية السعودية تتحمل مسؤولية كبيرة فيما يتعلق بانتشار هذه الجماعات واتساع رقعة نفوذها إذ أنها مولت منذ عقود من الزمن حركات ومؤسسات وأشخاصا يتبعون بشكل أو آخر المذهب الوهابي المحرف ومذاهب متحجرة أخرى، وللأسف الشديد فإن الحكومة السعودية بذرت ملايين الدولارات من أجل الترويج لإسلام لا يمثل حقيقة القيم الروحية الأصيلة للإسلام، ويمكننا أن نرى الآن أن السحر، مرة أخرى، انقلب على الساحر فالجماعات المتطرفة والأفغان، أي هؤلاء (الأبطال) الذين طالما تشدقت بهم وسائل الإعلام والمؤسسات والدوائر الثقافية والسياسية السعودية، بدأوا يطعنون في شرعية العائلة المالكة الفاسدة وإسلاميتها، ونعرف أيضا أن السعودية ومعها حكومات أخرى كالباكستانية شجعت التطرف الإسلامي في بعض الأحيان بالتواطؤ مع السياسة الخارجية الأمريكية وهنا تكمن عين المصيبة، وزد على ذلك كله أن بقاء الأنظمة القمعية الوحشية المستبدة من موريتانيا إلى السعودية وتفاقم الأزمة الاقتصادية وذيوع الأمية والجهل والتجهيل والاستخفاف بالمواطن وحقوقه وإسكات أي صوت مستقل يحاول أن يقدم للمواطن طريقا ثالثا بين مطرقة الحكم الجائر وسندان التطرف المطلق المعادي للسلطة، كل هذه العوامل تزيد من يأس ابن الشارع ويفتح المجال أمام التشنج والعنف، ويجب أن نضيف أن بعض التجارب (الديمقراطية) كالاختبار الأمريكي في العراق لا يسهم في كبح جماح نزعة التطرف لدى شريحة واسعة من المجتمع، وإنما العكس صحيح فالخطاب الغربي الأمريكي الملتبس بشأن الإصلاح السياسي والديمقراطية هو خطاب وقح يتعارض مع ما يجري ميدانيا، والمثال على ذلك نجده في علاقات واشنطن الممتازة مع ديكتاتوريات كثيرة وكذلك الفوضى السياسية والمؤسستية الراهنة في العراق وأفغانستان.
* كيف نتمكن من احتواء حالات التطرف والإرهاب واستئصاله جذريا؟
* يلزمنا العدول عن ارتكاب الأخطاء المذكورة سابقا، أي الاستغناء عن التعامل مع أي منظمة أو حزب أو جهة لا يستنكر بصورة قاطعة إرهاب المدنيين والأبرياء ولا يضع خطا أحمر بين المقاومة الشرعية إزاء السلطة الجائرة أو قوة أجنبية محتلة والتهجم على المواطنين سعيا لتحقيق أهداف مشتبه بها، ما زلنا نتساءل ماذا تريد القاعدة من قتل العراقيين في الأسواق والمساجد (هذا تسليما بأن القاعدة أو جماعات متأسلمة أخرى تنفذ فعلا هذه العمليات) وهل ستؤدي هذه الأعمال الهمجية إلى جلاء قوات الاحتلال. والحل الرئيسي يتطلب كذلك أن يطرأ تغيير جذري على الأنظمة الإسلامية بحيث تسمح بتعدد الآراء والتيارات السياسية وحرية التعبير واحتواء الأزمة الاقتصادية والتعامل مع المواطن بصفة إنسان وليس رعية، أعتقد أن الجماعات المتطرفة تستغل جهل المواطن ويأسه وأفضل السبل لتجنب التطرف هي الشفافية وخلق جو من الثقة والاحترام المتبادل والترويح عن الكبت السياسي والاجتماعي، أي ما يمكن أن نلخصه بعبارة إزالة ثقافة العنف الاجتماعي، ولسوء طالع المواطن العربي والإسلامي فإن إمكانية تحقيق انفراج سياسي حقيقي وليس مسرحيات إصلاحية كالتي شهدناها في بعض الدول العربية إمكانية ما زالت بعيدة المنال.
* هل للمنظومة المعرفية العربية علاقة بانتشار التطرف والإرهاب والكراهية للآخر؟ وهل تمثل هذه المنظومة عائقا للتطور والإصلاح والديمقراطية؟
* هناك مسلمون وعرب يستشيطون غيظا إن أومأنا إلى أن هناك، في المنطق أو المنظومة المعرفية العربية والإسلامية، ربما ما مهدت الطريق أمام التطرف الذي نعانيه اليوم، وإذا قال قائل إن التراث الإسلامي مسؤول بصورة أو أخرى عن تخلف المجتمعات الإسلامية، من الانغلاق الفكري إلى القهر، فوضع المرأة، فإن هناك أصواتا سترد قائلة إن الإسلام بريء من كل هذه الشوائب وكأنهم لا يستطيعون التمييز بين الدين كمجموعة من النصوص والتعاليم، والدين كتطبيق ومنظومة يستغلها البعض لأغراض فردية، وكذلك، هناك مسيحيون وغربيون يغضبون غضبا شديدا إن ألمحنا إلى المكونات الفكرية الغربية التي ربما ساهمت في تكوين ظاهرة الاستعمار والاستيطان واستخدام العنف المفرط ضد شعوب أخرى، وطبعا، هذه المنظومات المعرفية تسعى دائما لتبرير هذه الأفعال أو التقليل من سلبيتها، وقلت أعلاه إن الجماعات المتشددة تنادي عادة بإسلامية أقوالها وأفكارها وفعلا نراها ملوحة بآيات قرآنية أو أحاديث شريفة أو أقوال الفقهاء القدامى، وبالتالي فإننا لا يمكن أن ندعي أنها لا تمت بصلة إلى المنظومة المعرفية العربية والإسلامية، كذلك الأمر مع النزعة القومية العربية المتطرفة التي قادت إلى مصائب كثيرة لاسيما في مجال تركيب السلطة ومفهوم التعايش الطائفي والعرقي، إذ أن هذه النظرية تعتمد على منظرين عرب وتراث فكري عربي بحت. وهل كانت هذه الأفكار صحيحة أم لا أو هل تتطابق مع أصالة التراث الإسلامي والعربي، وهل تشكل انحرافا سافرا عن المبادئ الحقيقية للحضارة الإسلامية والعربية، فهذه مسائل لا بد أن تُطرح علنا نجد إجابة لها (وأنا شخصيا أقول إنها انحراف). ويجب كذلك مساءلة الضمير والبحث عن أسباب العلل في منأى عن خزعبلات المؤامرة والتجني الغربي على الإسلام. ولكن هذه المراجعة مستحيلة في الوقت الراهن لأن السلطة السياسية والدينية الرسمية في العالم الإسلامي والعربي قد صادرت جميع أنواع الخطاب والمساءلة ولذلك يصعب التطرق إلى هذه المسائل الحساسة وإثارة نقاش بناء.
* هل يكون العصيان المدني بديلا حضاريا للعنف في العالم العربي الإسلامي وهل ستحقق أهداف التغير للحكومات السائدة؟
* العصيان المدني في الوقت الراهن حق بل واجب على جميع المواطنين المسلمين ولاسيما العرب منهم. إن الحالة السياسية والاجتماعية والاقتصادية تردت إلى الحضيض بحيث يستحيل التغاضي عما يجري. شهدنا في الآونة الأخيرة حركات مدنية مستقلة تدعو إلى الإصلاح الحقيقي وتغيير السلطة والشيء الإيجابي أن هذه الحركات تشكلت خارج إطار التيارات المتشددة المتطرفة وإن كنا نخشى أن تؤدي ردة الفعل العنيفة من طرف السلطة إلى زيادتها تطرفا. ولا نعرف الآن هل ستنجح أم لا، لا سيما وأن الحكومات المحلية تتمتع بقوة رادعة رهيبة وتحظى كذلك بالدعم أو السكوت كعلامة الرضى من طرف الأنظمة الغربية، على كل حال، أول الغيث قطرة.
* هل يحتاج العالم العربي والإسلامي الضغوط الخارجية لكي يتقبل الإصلاح، خاصة ونلاحظ أن التغيير في العراق صار بالقوة ورافقه في العالم العربي والإسلامي دعوات متفجرة للعصيان وطلب التغيير؟
* إذا كنا نقصد الحكومات العربية والإسلامية فإن الجواب لا بد أن يكون بالإيجابي لأن كثيرا من الأنظمة المحلية تستمد شرعيتها الشكلية من عنصرين أساسيين: القوة ورضى الغرب. وإذا أبى الغرب أن يخصص أنظمة قمعية معروفة بالمساندة فإنها ستتعرض لمشاكل داخلية عويصة ربما لا تستطيع أن تتغلب عليها. المشكلة الرئيسية أن المصالح الغربية- ودعونا الآن عن الخطاب المنمق الرسمي حول الديمقراطية والإصلاح في العالم الإسلامي- تفرض روزنامة ثابتة تقضي بالحفاظ على الشر الذي لا بد منه، ولا يتخلى المسؤولون الغربيون عن التعاون مع أنظمة يحكمها أشخاص أو طغمة أو مجموعة منغلقة وستظل هذه الأنظمة المحلية تنعم بالتفهم الغربي ما دامت مستعدة لخدمة المصالح الغربية. وما حصل في العراق غريب للغاية فجميع العراقيين يعرفون أين كانت الولايات المتحدة من نظام صدام حسين في الثمانينات. وتبين للكل أيضا أن سقوط البعث في العراق سمح بتأسيس نظام مختلف ولكن هذا النظام ليس ديمقراطيا ولا يلبي طلبات المواطنين العراقيين. وأشك كذلك في ديمقراطية النظام الأفغاني ولم أحس بأن المساعي الأمريكية الهادفة إلى إخراج القوات السورية من لبنان أفضت إلى تقوية الديمقراطية في هذا البلد فالأمور ما زالت كما هي وإن كانت قد تبدلت بالظاهر، والمؤسف أن التدخل الإصلاحي الأمريكي انتقائي وانتهازي ولا يستهدف في كثير من المرات إلا إجبار حكومات محددة على تقديم مزيد من التنازلات. والخلاصة أن الولايات المتحدة تريد تغييرا لا يعرض للخطر مصالحها وخططها الحالية، ولذلك تتوجس حركات عربية وإسلامية دينية أو يسارية أو قومية تنادي بالإصلاح الحقيقي لأنها تحمل بشكل ضمني أو علني الولايات المتحدة نفسها جزءا من المسؤولية عما ألم بالمجتمعات العربية من جمود سياسي منذ سنوات. والطريف أن عددا من هذه الحركات الإصلاحية تتهم واشنطن بعرقلة جهودها وفعلا لم نر الولايات المتحدة تقيم الدنيا ثم تقعدها حين اعتقل الإصلاحيون في السعودية أو قمعت المظاهرات في مصر أو اعتقل البعض الآخر في البحرين وتونس. ومقابل هذا الخطاب الفارغ لا بد أن نقترح خطة مفصلة تشتمل على دعوة صريحة لا تضع المصالح الأنانية في المرتبة الأولى بل تسعى إلى عدم التساهل مع الأنظمة المتسلطة بصرف النظر عن لونها السياسي أو الديني فالاستبداد استبدادٌ سواء أكان يمينيا أو يساريا أو دينيا، وكذلك البحث عن مخاطبين يمثلون المجتمع ويلتزمون صدقا وليس زورا بقواعد التسامح والتعددية وحرية الرأي. وهذا ربما يؤدي إلى تصادم مباشر مع الأنظمة القمعية والإضرار بالمصالح الاقتصادية الغربية ولكنه الطريقة المفضلة لتقديم عون حقيقي وغير انتهازي للمجتمعات الإسلامية والعربية. ولا ننكر أنه حل حالم أو ساذج ولكنه على الأقل ليس مسموما بالأقوال الإصلاحية المسمومة والصفاقة الكلامية الرسمية.
* هل ينظر الآخر (الأوروبي) إلى الأنظمة الاستبدادية والدكتاتورية على أنها جزء من منظومة طبيعية في العالم العربي والإسلامي أم أنها تأخر عن ممارسة الديمقراطية؟
* أعتقد أن المواطن الأوروبي يحس بأن التخلف السياسي والثقافي والاجتماعي في العالم العربي والإسلامي مرده ثغرات ونواقص عدة في المنظومة الخاصة به. ويجب أن ننبه إلى أن المواطن الغربي تنقصه معلومات ووسائل كثيرة لمعرفة حقيقة المجتمعات الإسلامية فكثيرا ما يكتفي باستيعاب المقولات الرسمية التي تشدد على سلبيات هذه المجتمعات. والحق يقال إن الأدلة تدعو إلى الإحباط في هذا المجال فيتعذر علينا أن نجد دولة إسلامية واحدة تتمتع بكامل المواصفات الديمقراطية. ويعتقد البعض أن المشكلة كامنة في الدين والمفهوم القبائلي وتسلط الرجل على المرأة وإلخ ويرى البعض الآخر أن العالم الإسلامي ميؤوس منه فيحتاج إلى إفراغه من مكوناته الحالية وشحنه بمقومات جديدة سليمة. أما نسبة الذين لا يعتقدون أن التخلف العربي والإسلامي الراهن (حتمي) إنما زمني فإنها تتفاوت من بلد إلى آخر. وهنالك من لا يؤمن وأنا منهم أنه بمحرمات ثقافية عربية أو إسلامية تمنع نمو الديمقراطية، ونخشى أن تعود أزمة الديمقراطية والحرية في العالم العربي الإسلامي إلى جهات انتهازية تحاول أن تستغل جوانب هذه المنظومة الأكثر انغلاقا من أجل الحصول على أهداف خاصة. ونقول مرة أخرى إن عدم ظهور تيارات فكرية مستقلة في العالم الإسلامي والعربي تتمتع بمساحة تسمح لها بطرح الآراء والتعريف بنفسها ومجتمعاتها، هو مما يمنع المواطن الغربي من التعرف على وجهات نظر مختلفة.
* آليات الممارسة الديمقراطية المستعارة من الغرب هل ستنجح في العالمين العربي والإسلامي في تحقيق أنظمة ديمقراطية؟
* لا أعتقد أن فصل السلطات والقضاء المستقل وإزالة الرقابة والتعددية السياسية وقوة القانون والانتخابات الشفافة والحرة وما إلى ذلك من ثوابت اللعبة السياسية الغربية بدعة مرفوضة إسلاميا من حيث المبدأ. الحقيقة أن الأنظمة الراهنة والجماعات الإسلامية المتشددة هي التي ترفض هذه الآليات (الأنظمة تعمل على تزييفها لا غير). فالإسلاميون يقولون إن مفهوم سيادة الشعب والحرية الكاملة والسماح لتيارات لا دينية بالتعبير عن رأيها أمور تتعارض والمبادئ الإسلامية، ولكنه صحيح أيضا أن ثمة مجموعات إسلامية أخرى تؤكد أن هذه الآليات يمكن أن تطبق بالكامل دون أن يعني ذلك المساس بتعليمات الدين. ولا نعرف هل هذه الدعاوى صادقة مائة بالمائة أم لا.. فالواقع الاستبدادي لم يتح لنا فرصة التأكد من نوايا المنظمات المعارضة الدينية وغير الدينية فالتغيير جاء دائما في العالم العربي عن طريق الانقلاب أو التدخل الخارجي والنتائج غير مشجعة بتاتا. وبيت القصيد في نظري أن ثقافة الديمقراطية غائبة أو شبه غائبة عن المجتمعات العربية والإسلامية حتى على المستويات الدنيا وأقصد العلاقات الاجتماعية والعائلية. وإصلاح هذا الوضع يتطلب أولا التأسيس لما يسمونه المجتمع المدني والدعوة إلى العمل الديمقراطي داخل البيوت وفي مقرات العمل وفي الشوارع، ولكن السلطة التي تدأب على استغلال الدين والوطن والقومية تحرص دائما على إسقاط محاولات من هذا النوع. وختاما، لا أعتقد أن المنظومة العربية والإسلامية تعادي هذه الآليات ولا أرى كذلك أن هناك حاجة إلى (تكييف) هذه الآليات مع الخصوصية الإسلامية والعربية كما يزعم بعض الزعماء العرب من باب المراوغة والاحتيال.