مشغل القصة القصيرة السنوي الأول.. درس تطبيقي في الكتابة السردية

مشغل القصة القصيرة السنوي الأول.. درس تطبيقي في الكتابة السردية

 

خاص: إعداد- سماح عادل

انطلقت فعاليات مشغل القصة القصيرة السنوي الأول الخاص بالتجربة النسوية الأربعاء 2 ديسمبر 2020 في محافظة البصرة، حمل اسم “القاص محمود عبد الوهاب”، يقيمه ويشرف علي فعالياته اتحاد الأدباء والكتاب في البصرة، بالتعاون مع منتدى أديبات البصرة، وبمشاركة فاعلة من نخبة من الأكاديميين والمختصين وعدد من القاصات وكتاب القصة في المدينة، واستمر لثلاثة أيام.

وصرح رئيس الاتحاد الدكتور”سلمان كاصد”عن المشغل: “يعتبر هذا المشغل أو هذه الورشة هي درس تطبيقي في الكتابة السردية، وهذا التمرين الإبداعي معمول به في كل التجمعات العربية والعالمية، التي ترى أن الأدب معرفة وإبداع وابتكار، كما هو الحال في جائزة البوكر العربية، والمشغل السردي البصري الذي كان انطلاقه من اتحاد أدباء وكتاب البصرة على أيدي شبابنا البصري الذين أصبحوا اليوم كتابا للقصة والرواية ممن يشار لهم بكل احترام”.

وأضاف: “أن يوم الختام سيكون بحضور مبدعي البصرة ممن يقدمون ثراء معرفيا حقا يتكئ على رؤية مستقبلية بالقص واحترام طاولة ومنبر الثقافة لغويا”.

وقالت القاصة “ميرفت الخزاعي” التي شاركت في الفاعليات: “خلال أجواء شتائية بارة وماطرة، وبحضور نخبوي مميز، انطلقت فعاليات مشغل القصة القصيرة السنوي الأول، ولمدة ثلاثة أيام استمرت الفعاليات التي تنوعت بين قراءات لنصوص المشاركات التي تمت كتابتها وفقا لتوجيهات وملاحظات الكاتب “محمد خضير”، وتمرين قصصي وأوراق نقدية وشهادات لتجارب سردية ومداخلات وتعقيبات على النصوص. واختمت صباح يوم  السبت 5 ديسمبر 2020 فاعليات المشغل، بحضور جمع من مبدعي البصرة وتم توزيع شهادات تقديرية للمساهمين والمشاركين فيه وللقائمين على تنظيمه وإدارته، وبلغ عدد المشاركات في هذا المشغل (15) مشاركة، بإدارة الكاتبة منتهى عمران والشاعرة أسماء الرومي والشاعرة جنان المظفر”.

مشغل الحكايات..

وواصلت: “انطباعي عن المشغل، أؤمن بأنه يمكن للأحلام أن تتحقق إذا ما آمنا بها وعملنا وسعينا لها بكل قوتنا. فهاهو ذا مشغلُ الحكايات الذي طالما سمعتُ عنه وذكرته في مقدمة مجموعتي القصصية الأولى (حرير فراشة الحكايات): “حين كبرتُ، جذبتني الخطوات، رغما عن ارادتي، إلى طريق السرد، عرفتْ أن هناك مشغلا للحكايات، ولما كانت فرصتي في الانضمام إليه كفرصة سقوط المطر في صيف البصرة، افتتحتُ واحدا خاصا بي، ادخلهُ لدقائق حينا أو أنسى نفسي فيه لأيامٍ أحيانا أخرى”. يصبحُ واقعا ملموسا وذلك بفضل جهود اتحاد الأدباء والكتاب في البصرة ومنتدى أديباته. لذا أعد المشغل السردي للقصة القصيرة/ التجربة النسوية الذي أقيم في شهر نوفمبر من عام 2020 الأول من نوعه في العراق.  فقد أعطى ومنح فسحة للطاقات النسوية. ودفعها للتفاعل، وللأفكار بالتلاقح وشكلَ حلقة وصل بين جيلي الكتاب الرواد والشباب.  وتميز بإدارة وتنظيم عاليين والحرص الشديد والاهتمام بالمادة المقدمة وبتنوع فعالياته وفقراته التي أضافت لرصيدي الأدبي و الثقافي والمعرفي. فطوبى لكل الأيادي الناعمة والخشنة التي ساهمت وقدمت ما جادت به القريحة من تجارب سردية غنية وقراءات قصصية وأوراق نقدية قيمة  وإضاءات أدبية ثرية ومشاركات مميزة”.

وقد قدمت الكاتبة “ميرفت الخزاعي” ورقة في المشغل قالت فيها: ” لكل كاتب تجربته الخاصة بالحياة وفي الأدب أيضا، ولا يمكن لتجربتين أن تتشابها تماما.  ولدتُ وبيدي قلم وهو بظني أثمن بكثير من كل الملاعق الذهبية والفضية.

في فترة النفاس، اتّبعتْ أمي إرشادات ووصايا أمّها، وضعتْ قلمًا في المهد، بانَ تأثيره جليًّا حين قبّلتني المعلمةُ بعد أيّام من التحاقي بالصفّ الأوّل الابتدائي، طالبةً من الطلاب التصفيق بحرارة:

“عفية بالشاطرة” ولدتُ ببشرةٍ بيضاء وزمرّدتين تشعّان ألقًا. توأمي المرضُ ونديمي الضعفُ. قطْعًا، انتزعَ الله شيئًا من نُطفِ أخواتي المعقودة وأضافه لي فكنتُ الجميلة، الهادئةَ، الرشيقة، الذكية، المحبوبة والأقلّ حظًّا. أوردت هذا النص لأنوه أن للموهبة وبذورها الأولى أهمية فحين تجد البذرة من يرعاها ويعتني بيها تنمو وتكبر لتصبح شجيرة أو شجرة وارفة الظلال، وحين تُهمل ولا يلتف لها أحد  تندثر وتموت.

عشقتُ قراءة القصص منذ الطفولة وجربت كتابة بعض النصوص أثناء  حصص مادة اللغة العربية التعبير(الإنشاء). اشتركتُ في المهرجانات الثقافية والأدبية (الخطابة) التي كانت تقيمها المدارس والمسابقات. حظي منزلنا بمكتبة كبيرة ضمت عشرات الكتب المتنوعة والمختلفة وكنت (دودة_ يرقة) التهمُ الكتب بشراهة حتى المنهجية منها (الطب، الهندسة، علوم الطبيعة وغيرها) التي كانت تعود لأخوتي وأخواتي.

وإن لم أكن أفهم منها الكثير لكن الفضول وحب الاستطلاع يدفعني للبحث والتزود، فضلا عن مجلات الأطفال والصحف والجرائد اليومية فقد كان والدي رحمه الله مهتما ومواظبا على جمعها وقراءتها ومتابعتها.  انقطعت عن القراءة والكتابة لفترة ليست بقصيرة – بسبب مشاغل الحياة- لكني لم اتركها تماما فقد وجدتُ في كتابة وتحرير الرسائل الشخصية التي نبعثها لأحد أقاربنا المهاجرين خارج البلد متنفسا وفسحة لممارسة ما أحب وأهوى: الكتابة.

عدت لعالم الكتابة بعد توفر وسائل التواصل الاجتماعي ومواقعه الافتراضية، وتعرفت بنخبة من الكتاب والكاتبات والشاعرات وانضممت لعدة مجموعات أدبية وثقافية وشاركت في عدد من المسابقات الأدبية. هوسي وشغفي بالكتابة جُوبه بالرفض من قبل المحيط والبيئة التي أعيش بها وتعرضت لانتقادات جارحة ومضايقات مما اضطرني للكتابة والنشر بأسم مستعار، وحضور ورش الكتابة والجلسات والمنتديات الأدبية بشخصية مستعارة (التخفي خلف قناع).

جمعت نصوصي القصيرة وقدمتها للمعاينة لكبار الأدباء والكتاب في مدينتي وأبدوا اهتمامهم وإعجابهم بها وأشاروا عليَّ بطباعتها. وشجعني وحثني أصدقائي.  فعلا أبصرت حروفي النور بمجموعتي الأولى “حرير فراشة الحكايات” 2016 وتركت انطباعا جيدا لدى القراء.  وبعدها توالت  الانجازات والإصدارات ومنها المجموعة القصصية الثانية، العرض الأخير التي صدرت عام 2019. أعد القص القصيرة لوحة فنية يجب الاهتمام بكافة عناصرها (العنوان، المتن، الخاتمة، اللغة، الأسلوب، التقنية وغيرها) والعناية بها.

 

وقالت الكاتبة “منتهى عمران” عن المشغل: “أن ننهي عام ٢٠٢٠ بعمل على أرض الواقع كان أبعد ماهو متأمل فقد منعت نفسي عن أي نشاط اجتماعي أو ثقافي طيلة هذا العام بسبب الجائحة.. بعض الأشياء الجميلة تحدث هكذا ولن تتكرر.. سريعا وبلا مقدمات أنجزنا خلال ثلاثة أيام مشغل القصة القصيرة السنوي الأول (التجربة النسوية) وبنجاح كبير بشهادة الجميع مشاركين ومتابعين.. وأولهم القاص الكبير “محمد خضير” إذ كتب لي: “المشغل نجح نجاحا باهرا وحقق هدفه بعدد من النصوص المتميزة ما يجعلني فرِحا ومليئا بالفخر. خاصة وأن إدارتك للجلسات كانت في منتهى النظام وتحديد المهام. ممكن إصدار كتاب بإنتاج القاصات توثيقا وتشجيعا للقاصات”. وتلك شهادة عظيمة يحق لي أن أفتخر بها.

شكرا كبيرة وكثيرة لاستأذنا “محمد خضير” وكل من دعمنا بدء من د. “سلمان كاصد” رئيس اتحاد الأدباء والكتّاب في البصرة ونائبه الشاعر “حبيب السامر” ورئيس اللجنة الثقافية “د. سراج محمد”.. وكل الأساتذة المختصين والقاصات وصديقات الأدب “جنان المظفر” و”أسماء الرومي”.. وكل من ساهم معنا ولو بكلمة طيبة. لقد كان هذا المشغل تحديا كبيرا أقلقنا عدم نجاحه ولكنه نجح بفضل الحب الذي كان سيد الموقف حب الجماعة، وانتفاء الأنا وهذا نادر في هذا الزمان.. يحق لي أن أقول ياجماعة مايزال فينا خير كثير”.

هو الطريق..

وقد كانت ورقة الكاتب “صلاح حسن عيال” بعنوان “من الصورة إلى القصّة.. هو الطريق” وكتب فيها: “بعد أن غادرتني ثكناتُ العسكر وملاجئ الحروب ولم أغادرَها كوني الجندي الملتزم بخدمته الحَسَنة والمواطن الجبان الذي لم يجرب الهروبَ سوى مرةٍ واحدةٍ وسُجنَ بأثره ستةَ أشهر. وتحديدا في العام 1992 تسرحتُ واشتغلتُ كمصورٍ جوالٍ، والحق أنني لست مصوراً عاد إلى مهنته ليزاولها، كما لست من يجيدُ مهارة التصوير، لكنني التقطتُ غير صورةٍ جعلتني معتصماً بكاميرتي.

يوما ما، صوَّرت رجلاً بَناءً لم يُكلفني عناء التقاط صورةٍ له، أُعجبتُ بمهارتهِ أيما إعجاب، فلقد كان على مرتفعٍ بسيطٍ، يضعُ طابوقته الأخيرة  لتكتمل جدران الغرفة الوحيدة، كان يبني برشاقةٍ وأناقةِ متمرسٍ. أتذكر أني صورته بدشداشته وحزامه وانحناءاته باذخة التفاصيل، فباتت الصورة جميلة كجمال الحائط المرصوف بتقنية. كان فضاءُ الصورةِ قد وسعه وعامله الذي كان يساعده مع زرقة السماءِ وبقايا غيمة.

ولا شك في أن الصورة ثابتةٌ، بينما القصة تُحركها، ويتسنى لي تحريكها عبر واقعٍ لا ينتمي لي كمصورٍ جوالٍ، ولفضول المشاركة هنا أتبنى هذا الواقع، لأخلق منه معنىً آخر وغايةً بعيدةً عن بناء غرفة تسكنُها عائلة وحسب. ومن الصورة اندفعُ كقاص متدربٍ لتأثيثِ صورةَ بَنّاءٍ آخر عبر قصة، ربما سرقتُها من جهدِ ذلك البَنّاء.

للواقعِ الحقيقي شكلٌ خاص جَسَدتْ بعضَه الصورةُ الصامتةُ أما المعنى فهو ما انبسطَ في الذهن لإتمام ذلك الشكلِ الصامت عبر تحريكه بحرفةِ القص والتقاطاته القريبة من ذاكرتنا وليس الصورة الجامدة والثاوية التي نراها، مثل عابر سبيل، ونمضي. هكذا بينما وأنا أكتبُ أخال نفسي المصور الذي التقط الصورةَ وبث فيها الروح من أجل بلوغ المعنى أو الغاية المشكّلَة في الذهن. وما المعنى في ذلك، سوى تحريكٍ حذق لسكون الصورة وشكلها التقني الذي يحتاجهُ كلّ كاتبٍ وقارئ معا.

أنا لم أكتبْ القصص بل أُعيدُ كتابةَ ما كُتب وحُكي من قبل. فالقراءةُ لأول مرةٍ سَفرةٌ. فإن كانت هذه السفرةُ موفقةً تكررتْ وتنوعتْ، ففي دوامِ السفرِ والتجوالِ يطيبُ الحديث عنها وأفضلُ صورِ الحديثِ الكتابةُ. هذه الكتابةُ تكررت لي مثلما تكررتْ لمن قرأتُ لهم. وفي كتابة القصة (الجنس الذي أعشقه أكثر من الرواية) الميدان الذي أعيدُ فيه حكايةَ ما رويَ لي أو قرأته.. فمن أجل هذا أقول:

لا أكتب القصصَ بل استضيء بإعادةِ ما سمعتَهُ أو قرأتَهُ من حكايات، قد أدّعي ابتكارها وما أنا غير بطنِ حاملٍ  تلدُ وتحملُ لتلد وليداً بعد حين. وبالطبع ليس الحديثُ هنا عن كاتبٍ راسخٍ ومتمرسٍ، بل عني أنا، أُقلّبُ دفاترَ شتى لأعودَ إلى بداياتِ هذه المتواليةِ من الولاداتِ. أُصارحُكم، لم أكتبَ قصةً بعد… فثمة قراءاتٌ كتبتها عن قصصٍ أدهشتني بتجاربها الأثيرة والتي انحرفتْ بي ولم أعِ خطورتها.

لمْ أعرفْ من قبل كيف تُكتبُ القصصُ ولماذا هي تُنشَرُ ومن ذا الذي يقرؤها؟ أنها مرحلةُ تأسيسٍ سيئةِ النتاجِ لكنها كانت العتبةُ الأولى والأهمْ والتي أتت بقصصٍ أُشير إليها بالبنانِ،  وأجبرتنا من بعد إعادة كتابة ما نقرأه في الصنعة وتقنياتِها تصحيحا وتنقيحاً وفرادة.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة