كثر الحديث عن الحقوق والحريات المسلوبة، وعن الأحزاب والتيارات والميليشيات الفاسدة ومدى تأثيرها في اتخاذ القرارات وإرباك الوضع العام في البلد؛ وكل ذلك أصاب شرائح المجتمع بالقنوط واليأس من تحسّن الوضع العام.
أما شريحة التابعين للأصنام فمازالوا متمسكين بأصنامهم وجعلوهم أربابا من دون الله ونزّهوهم عن الخطأ والسهو، ولاننسى فئة أخرى تزاد على هؤلاء تهوى المصالح – وماأكثرها والحمد لله – والتسلق على ظهور الناس لتحقيق غايات خاصة منها الشهرة أو الثروة على حساب المجتمع بالاتكاء على تخبّط المتبوع مرة أو فساده مرة أخرى.
سنتساءل فيما بيننا ما الذي بقي من المجتمع في ظل ماتقدّم من تقسيم؟.
الجواب : ما تبقّى هي الفئة الكبيرة الصامتة التي تقسّم على أقسام أيضا بين مثقفين وأكاديميين وتربويين وشرائح متعددة؛ وهذه الفئة لايمكن الاستهانة بها، ولاتظنوا أن مانراه من كثرة في الشوارع أو في مؤتمرات بعض الأحزاب والتيارات تعكس الصورة الكبرى للمجتمع! كلا هم من ضمن المؤيدين فقط لمصالح ذكرناها في بدء حديثنا، وما يؤكد ذلك نسبة المشاركة في الانتخابات السابقة وماقبلها أيضا التي فضحت الجميع وبينت أن الذين يدعون السيطرة على الشارع من الفئات كافة هم على جرف هارٍ بانتظار ساعات سقوطه على يد الزمن فقط.
بعد تصديع رؤوسكم بما تقدم لضرورته نعود إلى البديل عن جرم السياسيين وانتهاكهم للنفس المحترمة وتجويع الناس، ولابد من إعادة الثقة بالعملية السياسية لنفخر بما يُقدّم للمواطن كحسرة مظلومنا حين يقارن بلده بالبلدان الأخرى عربية أو غربية التي تهرول لتقديم الخدمة لمجتمعاتها، بل بسبب ما يُقدّم هناك في (دار الكفر) جعل السياسيّون دار الإيمان هنا وشعارات الإسلام ممقوتة بين الناس لأسباب يعرفها القاصي والداني.
فكيف نخرج من هذه الدائرة؟ وهل سينتخب المجتمع من يمثله إذا تم إجراء الانتخابات؟ هل تغيّر شيء بعد التظاهرات؟ إذا كانت الفئة الكبيرة جدا صامتة من دون تحرك، فما البديل عن بضاعة كاسدة لا تعرف ربا ولا دينا ولا فقيراً ولا مسكينا ولا جائعا ولايتيما؟!.
هذه الأسئلة تجيب عنها فئتان الأولى الفئة الصامتة بتنوع شرائحها والثانية فئة المتظاهرين السلميين الذين قُتلوا وشُوهت سمعتهم على يد السياسيين ومن أعمى الله بصيرته فخلط بين الحق والباطل؛ هنا لابد من العودة إلى مصطلح البديل.
والبديل من ضمن معانيه اللغوية أن يكون الشيء في مكان الآخر؛ وهذا لايتحقق بالصمت أو الابتعاد عن المسؤولية التي ألقيت على عاتق الجميع وأساسها خلافة الأرض، والخلافة لاتعني الأكل والشرب والنوم والعزلة عن المجتمع بل من واجبات المستخلَف أن يتصدى لخدمة أخيه الإنسان حتى إذا كلفه الأمر حياته… نعم حياته…..
وإلا لمَ نبكي على الحسين، ع، وعلى أصحابه ونهتف بقولنا (ياليتنا كنا معكم) فأية أمنية هذه وأنا لا أحرّك ساكنا باتجاه مجتمعي البائس الذي يتطلّع إلى منقذ بكلمة وفعل!؟.
أيها الأحبة المسؤولية كبيرة فلسنا في زمن نطلب فيه إسقاط نظام الحكم كما صُنع مع صدام، وليس الزمن زمن انقلابات عسكرية بل الزمن هو زمن التغيير السلمي على الرغم من صعوبته ووعورة طريقه؛ لكن الألف ميل يبدأ بخطوة؛ وهذه الخطوة هي تأسيس حراك من المثقفين والمتظاهرين ولايقف هذا في محافظة واحدة بل السعي لذلك في المحافظات كافة ولاسيما الوسطى والجنوبية حتى إذا كان الأمر صعباً للتحضير لهذه الانتخابات سيكون بداية للانتخابات الأخرى التي يتصدرها هؤلاء الشرفاء الذين لم يلطخوا أيديهم بدماء الناس وأموالهم، ولاتظنوا أن الأمر يقع على جهة دون الأخرى بل هو واجب على الجميع؛ وإذا لم تتحرك الفئتان سيؤول أمر بلدنا إلى الهاوية إن لم يكن فيها الآن؛ لأن الأمنية لاتتحق إلا بالسعي الجاد لتكون حقيقة برّاقة.