ذات طابع عسكري في إطار التطبيع .. زيارة الوفد الإسرائيلي للسودان تكشف فوضى حكم الخرطوم !

ذات طابع عسكري في إطار التطبيع .. زيارة الوفد الإسرائيلي للسودان تكشف فوضى حكم الخرطوم !

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

بعد أسبوع من النفي، وهو ما يدل على التخبط في السياسات الداخلية لمتخذي القرار الفعليين، أكد “السودان” أن وفدًا إسرائيليًا أجرى زيارة “ذات طابع فني عسكري” للخرطوم، الأسبوع الماضي، مشيرًا إلى أن محادثات التطبيع: “متوقفة”.

فقال المتحدث باسم مجلس السيادة الانتقالي السوداني، “محمد الفكي سليمان”، قوله إن الزيارة: “كانت ذات طابع فني عسكري”، مشيرًا إلى أنه: “لم نعلن عنها في وقتها؛ لأنها ليست زيارة كبيرة أو ذات طابع سياسي، ولذلك الحديث عنها لم يأخذ حيزًا كبيرًا على مستوى مجلسي السيادة والوزراء”.

مؤكدًا أن المحادثات بشأن تطبيع العلاقات: “مع الجانب الإسرائيلي متوقفة، لأن هناك إلتزامات سياسية واقتصادية منذ النقاش الأولي لم يتم الوفاء بها”. ولم يعطِ مزيدًا من التفاصيل بشأن هذا الموضوع.

وهو ما زاد التكهنات حول ما قد يكون ذلك مرتبطًا بواقع أن شطب “السودان” عن “القائمة السوداء” الأميركية للدول المتهمة بدعم الإرهاب ليس فعليًا بعد، لأنه ينبغي الحصول على موافقة “الكونغرس” الأميركي.

وقال “الفكي” إن: “هذا من شأنه تأخير الاتفاق الذي تم الإجماع عليه بمشاركة مجلس السيادة والوزراء، ما لم يحدث تقدم في الملف”، مضيفًا أنّه: “لن يكون هناك جديد؛ وربما تتوقف عملية الحوار برمتها مع الجانب الإسرائيلي بسبب هذه المعوقات”.

وكانت “إسرائيل” قد أعلنت، في 23 تشرين أول/أكتوبر الماضي، أنها أرسلت في اليوم نفسه أول وفد إلى “السودان”، منذ إبرام اتفاق تطبيع العلاقات بين البلدين قبل شهر.

لكن المتحدث باسم الحكومة السودانية، “فيصل محمد صالح”، قال في اليوم التالي، لوكالة (فرانس برس) إن: “لا علم لمجلس الوزراء بزيارة الوفد الإسرائيلي؛ ولا علم لنا بزيارة وفد سوداني إلى إسرائيل”.

تأتي في إطار التطبيع..

وتعددت القراءات حول أسباب الزيارة، فقال الخبير العسكري السوداني، الفريق “جلال تاور”، إنه: “يمكن قراءة زيارة الوفد الإسرائيلي في إطار عمليات التطبيع التي بدأت بالفعل، وقد تدخل في إطار التعاون العسكري بين الطرفين، وتطوير هذه المناطق الصناعية العسكرية بالاستفادة بالتكنولوجيا المتوفرة لدى الجانب الإسرائيلي”.

وأوضح “تاور” أن: “الجهة التي زارت السودان ليست سياسية؛ إنما عسكرية ذات اختصاص معين ولا يتضمن الحديث عن التطبيع الذي يخص القوى السياسية، لذلك اختصت فقط بالشق العسكري”.

تعطي شرعية للجانب العسكري في الحكم..

كما أوضح القيادي في قوى المقاومة السودانية، “محمد صالح رزق الله”، إن إسرائيل تهدف من وراء تلك الزيارة إلى تثبيت العلاقة؛ وتثبيت أن “السودان” أصبح دولة لها علاقة وطيدة وعميقة مع “تل أبيب”، حتى على المستوى العسكري، كما أن تلك الزيارة تعطي شرعية للجانب العسكري في الحكم بأنه أصبح يمتلك علاقة مع الدولة المتحكمة في المنطقة؛ وأنه يتعامل معها عسكريًا، “لكنني متأكد أن الإسرائيليين لن يستفيدوا كثيرًا من السودان، سواء كان على المستوى العسكري أو السياسي”.

ولفت القيادي بالمقاومة إلى أن “إسرائيل” تساعد دول “الترويكا الأوروبية” من أجل تثبيت الهبوط الناعم في “السودان” والإبقاء على الطرف الذي تريده لبناء علاقات اقتصادية وعسكرية.

إشكالية توزيع السلطة..

وقال إن هناك حالة من الفوضى والإزدواجية في اتخاذ القرار داخل البلاد، الأمر الذي يعني أن بعض الزيارات واللقاءات قد تجري دون علم من الطرف الآخر.

موضحًا أنه: “لدينا في السودان إشكال كبير جدًا في الوقت الراهن؛ يتعلق بتوزيع أو تضارب السلطات بين ما يسمى بمجلس السيادة والحكومة الانتقالية، حيث نجد أن هناك إرتباك وتداخل في الصلاحيات وإنكار للمسؤولية، على سبيل المثال فإن ملف العلاقات الخارجية هو المسؤول عن مثل تلك الزيارات، (زيارة الوفد العسكري الإسرائيلي)، لكن في السودان المسألة غير واضحة تمامًا، وحتى العلاقة مع إسرائيل بغض النظر عمن يوافق عليها أو يرفضها، من الطبيعي أنها كانت تتم عن طريق القنوات الأساسية والتي تمثلها وزارة الخارجية”.

فوضى عدم التنسيق..

وأشار “رزق الله” إلى أن: “سبب النفي المتكرر من الحكومة ثم الإقرار بتلك الزيارة؛ ربما يعود إلى أن الحكومة قد تكون على غير علم بتلك الزيارة، لأن هناك طرف آخر يحكم في البلاد، أي أن هناك حكومة داخل حكومة، حيث أن المجلس العسكري داخل مجلس السيادة يتصرف كأنه حكومة، وهناك تداخل في الصلاحيات، بل أن العسكريين تجاوزوا صلاحياتهم، وبعد أن كان مجلس السيادة عبارة عن مجلس تشريفي أصبح الآن مجلس تنفيذي”.

وتابع القيادي بالمقاومة: “علينا أن نتذكر أن، البرهان، هو أول من سافر لمقابلة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، في أوغندا، كما يقوم بالعديد من الزيارات الخارجية، وهذا ليس من اختصاصه أو عمله، بكل وضوح (نحن لدينا فوضى في السودان)، لذا فمن الصعب أن تحدد المسؤول عن ملف معين، لذا فإن زيارة الوفد الإسرائيلي لبعض المناطق العسكرية قد لا يكون لدى الحكومة علم بها، حيث قاموا بزيارة مناطق التصنيع العسكري وهي تحت سيطرة الجيش ومجلس السيادة”.

وأشار إلى أن السياسيين في “السودان” ليس لديهم علاقة بـ”إسرائيل”؛ والدولة حتى اليوم هي دولتين، هناك المجلس العسكري الذي يسيطر على مقدرات البلاد، وكما قال رئيس الحكومة، “عبدالله حمدوك”، إن 85 في المئة من دخل البلاد لا تمتلكه “وزارة المالية”، بل تمتلكه الشركات التابعة للجيش، وهذه لا تدخل في حسابات الدولة، فالمسألة ليست في زيارة “إسرائيل”؛ لأن هناك زيارات كثيرة تتم وسط هذا التخبط.

تعتيم متعمد..

من جانبه؛ قال المحلل السياسي السوداني، الدكتور “ربيع عبدالعاطي”: “فيما يبدو أن أي علاقة مع إسرائيل، سواء كانت تجارية أو ذات طابع عسكري أو أمني أو سياسي، إذا تم كشف النقاب عنها، هم يعلمون تمامًا في الجهاز التنفيذي انها ستلاقي رفض ورد فعل عنيف جدًا من جانب الشعب السوداني، لذا تم التعتيم على تلك الزيارة التي قام بها الوفد العسكري الإسرائيلي تمامًا”.

مضيفًا أن ما تم من كشف عن تلك الزيارة، بعد أيام، على لسان المتحدث باسم مجلس السيادة؛ يشير إلى إنعدام التنسيق بين الجهات الحاكمة، سواء كان مجلس السيادة أو الحكومة الانتقالية والأحزاب الحاضنة لها، وتصريح عضو مجلس السيادة يُعد من التفلتات التي تُحدث ربكة بين الأجسام الحاكمة، وهو أمر واضح جدًا يؤكد على أن هناك عدم تفاهم وتنسيق وانسجام بين تلك الجهات التي تتسيد المشهد السياسي.

عقبات في طريق التطبيع..

وتابع بالقول أن هذا الوفد العسكري لم يكن وفدًا مكشوفًا بالنسبة للشارع ولا بالنسبة للأجهزة الإعلامية، نظرًا للمخاوف التي يخشاها “مجلس السيادة” من الآثار السلبية التي يتوقع أن تأتي من وراء تلك الزيارات، خاصة أن كلمة “التطبيع” قد اختفت تمامًا من المشهد السياسي والمشهد الإعلامي.

وشدد “عبدالعاطي” على أن: “أمر التطبيع أو العلاقة مع إسرائيل، لن يكون أمرًا سهلاً ولن يكون الطريق ممهدًا بالنسبة للجهاز السيادي والجهاز السياسي أو التنفيذي، وغير مقبول من جانب الشعب السوداني، لذا أتوقع أن يواجه هذا الموضوع الكثير من العقبات ولن يتحقق الأمل في ذلك التطبيع”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة