يقول مظفر النواب في بيعة لا تراجع عنها :
(انه ارد الوك الحمد ماالوك انه لغيره )
لكن بعد تعدد الخيبات في صحبة حمد يشكي الحال ويطلب من الريل ان يواصل مسيره مع مايشتعل بين جوانحه من نار الخيبة والخسران بسبب إرهاصات زمن حمد :
( ياريل طلعو دغش والعشك جذابي
دك بيه طول العمر وترابك ترابي )
وفي خضم المعاناة مع حمد يمارس الهروب إلى ماض أصبح جميل بسبب قبح الحاضر ومرارته فيذكر مجروح ندما :
( ياريل بأول زغرنا العبنا طفيره
يجفلني برد الصبح واتلجلج الليره )
وهذا الاستذكار الطافح بالحنين للبدايات يمنحه روحا معنوية عالية فيول امل جديد رغم الليل الطويل والسير نحو المجهول يولد امل لكن هذا الامل لا يمكن تحقيقه بدون العودة للتربية البكر والعودة للفطرة ..
( مرينا بيكم حمد واحنه بقطار الليل
واسمعنا دك اكهوه وشمينا ريحة هيل )
نعم لقد كان صوت الهاون الذي يطحن القهوة بطريقة بدائية يعني في ضمير الشاعر وجود خطر داهم لا يمكن تجاوزه إلا بالعودة لأخلاق الماضي والايفاء بالعهود واقران القول بالفعل وما ريحة الهيل إلا عطر الماضي الجميل ونقاوته يوم كان صاحب الوعد لايقر له قرار حتى ينفذ وعده أو يموت دونه ويوم كانت الرجولة موقف وليس مال أو جاه أو موقع أو ممتلكات وسطوة ومع أن متلازمة ( الريل وحمد ) تعني وطن ومسيرة كانت في حلم الشاعر تختلف عن المسيرة الحالية التي يقودها ( حمد ) لا نعرفه وحتى لو كانت له ملامح تشبه ملامحنا واسم يقترب من اسمائنا إلا أن هذه الملامح بهتت منذ زمن بعيد مذ عبر الحدود هاربا من المواجهة متخليا عنا راميا نفسه في أحضان( ريل) آخر لا يشبه ( ريلنا ) وتعلم رطانة اهله وعاداتهم ومكرهم وباع انتماؤه لنا بانتماء لهم . وفي ضمير الشاعر ان الجدلية لا تكتمل مالم يضاف لحمد والريل طرف ثالث هم ( ركاب القطار ) الذي رمز لهم ب ( الطواشات ) اللواتي يركبن الريل في مواسم هجرة لا تنقطع من مواطن الجوع إلى أماكن العمل بحثا عن مايسد الرمق ويقتل الجوع فيطوف بهن هذا الريل إلى أقصى الجنوب حيث النخيل ومواسم ( الثمره ) ليعود بهن بعد حين إلى حيث الافواه الفاغرة جوعا والما وانتظارا لما يملا البطون الخاوية في ريل أو وطن سمه ما شئت ثم يعود ليحمل في مواسم هجرة إلى الشمال الهاربين من الجوع وسلطة الإقطاع وسياط العوز والفاقة إلى العاصمة ومجمعات الصرائف فيها في الشاكرية والمجزرة والنزيزة وخلف السدة ومساطر العمال علهم يجدون فيها زادا ثم امن ويتعرفون لاول مرة في حياتهم على صورة الملك وهي تزين العملة الوطنية ( الدينار ) لكن الحال لا يختلف إلا قليلا وحمد لازال مشغولا بنفسه ومشاكله وخيباته الشخصية وفشله في قصة حبه الكبير للسلطة وهكذا عاشت ( الطواشات ) أزمنة الإقطاع والملوك وصورهم المطبوعة على الدينار وشهوة العسكر للحكم والسلطة وتسلط شذاذ القرى على مقادير الأمور حتى مارس أبناء العم ( سام ) موسم الهجرة إلى العراق فهرول خلفهم ( حمد ) الراطن بغير لغتنا والمتطبع بطباع قوم آخرين والمتوثب لاشغال مكان الهاربين فعقد في ليلة غاب فيها القمر والاخلاق ورائحة الهيل وصوت الهاون وصوت الريل وانين الطواشات واوجاعهن صفقة ليكون بموجبها هو الملوك والعسكر وشذاذ القرى والسارق لقوتنا ووضعه في افواه قوم آخرين وعندما تمكن لم يكتفي بهذا بل رفع سعر الرصاص ورخص سعر الأرواح وحول المال العام إلى( مجهول مالك ) وحمله بعيدا بعيد ثم باع الريل والسكة وقتل النخيل وحول الصرائف إلى( عشوائيات ) تحضرا وزور الانتخابات ليفوز بها كلما قام باجرائها ولازال ( مشتت ) صنيعتهم يحلم بقيادة الريل في جولة انتخابات لا تخلو من التزوير مع ان الطواشات وصلن مرحلة اليأس وسن العجز بعد أن أنهكهن الجوع والعوز والفقر والمرض وخانهن الأمل وسرق حمد الذي تعلم الرطانة كل متاعهن جلسن ينظرن للريل الذي حمل همومهن وامالهن والامهن يوما ويخبرنه بما جرى عليهن من حمد الذي يرطن بلغة أخرى: ياريل طلعو دغش والعشك جذابي
دك بيه طول العمر واترابك ترابي .