22 نوفمبر، 2024 3:37 م
Search
Close this search box.

عندما تسود الفوضى

منذ أن كنا تلاميذ في المدارس سمعنا قولًا: (من أمن العقاب أساء الأدب) يردده المعلمون في هذه المدارس وتحديداً، في أوقات إنزال العقوبات (المعروفة) بحق المخالفين (كما جرت تسميتهم) من الذين يثيرون الفوضى والضجيج، أو الذين لم يفلحوا في تحصيل درجات النجاح في الاختبارات الصفية.
أذكر جيداً أن الأيام، التي تلي تنفيذ العقوبات المدرسية كانت المدرسة يسودها الهدوء وتخلو من مظاهر الفوضى التي كان يثيرها بعض التلاميذ من هواة الشغب المعروفين، فكلما كانت هذه العقوبات قاسية نتج عنها هدوء لوقت أطول حيث ينزوي مثيرو الفوضى جانباً تحاشياً للعقوبات الرادعة، حيث يعدل قسم كبير منهم عن تخطي التعليمات المعلنة والتجاوز عليها ويلجأ بعضهم الى إعلان براءته من مواقف الخطأ السابقة التي مارسوها في التجاوز على ما هو معروف في السلوك السليم وقواعده.
على مستوى المجتمعات فإن من مسؤوليات قادتها وضع ما هو فاعل تجاه المحافظة على القيم والأعراف العامة على وفق ضوابط تؤمن السلوك السليم لأفرادها، يحدد فيها شكل الواجبات والحقوق وحدودهما على صعيد المفاصل كافة مؤسسة على لوائح تشريعية واضحة، وأن تعدها بمرتبة (خطوط حمر) لا يسمح بتجاوزها مهما كانت الدوافع والاسباب وتطبق، بنحو عادل على الجميع ولا تخضع لأي نوع من المجاملات.
في ظل غياب القيادة الواعية وغياب الاجراءات الصارمة، فإن ما يجري في المجتمع العراقي اليوم من انفلات في سلوكيات الكثير من الأفراد وكذلك إدارات المؤسسات الحكومية المختلفة يعد خرقاً للمفاهيم السليمة، التي يجب أن تسير على وفقها المجتمعات المتطورة.
عملت في مؤسسات حكومية مختلفة وعديدة تسنمت فيها مواقع إدارية متقدمة وكان لي من التجارب الكثير في مراقبة سلوك العاملين في هذه المؤسسات ومعالجة جوانب الانحراف فيها، وبخاصة، الذين تقتضي واجباتهم التعامل المباشر مع المواطنين وأصحاب المهن ورجال الأعمال من القطاع الخاص، فكان من إحدى أهم المهمات هي الحفاظ على الأداء الوظيفي على وفق الضوابط العامة وكذلك الخاصة بالمؤسسة المعنية، وتالياً منع ما يضر بسمعة المؤسسة والعاملين في مجال خدمة توزيع الكهرباء، التي تنتشر دوائرها على كامل مساحة العراق حيث المئات من مراكز الصيانة والجباية والخدمات الأخرى الواقعة ضمن مسؤولية هذه الدوائر، وفي ذروة ما خلفته تداعيات الحصار الاقتصادي الجائر على العراق، الذي فرض مع بدايات عقد تسعينيات القرن الماضي والذي أدى الى تدهور العملة الوطنية وتدني الدخل المالي للفرد ولعموم الموظفين العاملين في المؤسسات الحكومية، وقفت، بصفات مختلفة، على العديد من حالات الانحراف في سلوك بعض منتسبي هذه الدوائر من خلال التعاملات غير النزيهة مع المواطنين وأصحاب المصالح من القطاع الخاص.
كان على المعنيين في إدارة قطاع الكهرباء وضع ما يمنع تفاقم هذا الانحراف ويؤمن تفاديه، وتوالت إجراءات المعالجة (توجيهات مباشرة للعاملين.. إعمام أوامر المكافآت والعقوبات على منتسبي هذه الدوائر.. وضع أنظمة حوافز مجزية.. حضور الإدارات العليا في ميادين العمل.. دعم مجسات المراقبة… الخ)، وقد صاحب هذه الاجراءات الكثير من القرارات الإدارية الرادعة، وكان لهذا تأثير فاعل في دعم التحوطات المطلوبة، التي وفرت مناخاً يمنع الانزلاق في متاهات الفوضى والسلوك الشاذ.

 

أحدث المقالات