17 نوفمبر، 2024 7:47 م
Search
Close this search box.

امريكا انسحبت !!! وعززت قواتها في العراق ,وحقيقة يأمل البعض ببقائها واخرين باخراجها

امريكا انسحبت !!! وعززت قواتها في العراق ,وحقيقة يأمل البعض ببقائها واخرين باخراجها

لم تعبر الولايات المتحدة وبريطانيا المحيطات لتسلٌم العراق لأحد ..كان الموضوع فقط احكام الوضع بعد ترويض الشعب من كافة الطوائف ليقبل بحكام عراقيون بالأسم ولكنهم يملكون جنسيات اجنبية واموالهم وعوائلهم لدى الغرب وتبعيتهم كاملة له .. تمهيداً لتسليم السلطة الى أسرائيل بحجة التطبيع
حاملة الطائرات الإمريكية يو إس إس نيمتز مع رفقة مدمرة الصواريخ الموجهة يو اس اس جون بول جونز وسفينة حربية مجهزة بصواريخ موجهة في مضيق هرمز الان ..
والدليل الولو ؟؟؟مثّلت الضربة الأميركية على معسكر تابع لكتائب حزب الله في منطقة القائم الواقعة على الحدود العراقية – السورية يوم 29 كانون الأول/ ديسمبر 2019، ثم الغارة الأميركية التي استهدفت الجنرال قاسم سليماني (قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري المسؤول عن العمليات العسكرية خارج نطاق الحدود الإيرانية)، وأخيرًا قرار مجلس النواب بشأن الوجود الأميركي في العراق، فرصة لطرح موضوع السيادة الإشكالي في العراق، وهو موضوع كان مدار جدل عراقي طويل. ومع كل ذلك ينفتح ملف آخر ظل مغيبًا عن قصد منذ عام 2011، وهو ملف على غاية من الأهمية متعلق بالإطار القانوني الذي يحكم عمل القوات الأميركية في هذا البلد.
هل ثمة إطار قانوني لوجود قوات أميركية في العراق؟من المعروف أن القانون الأميركي لا يسمح بخضوع أي قوات عسكرية أميركية لقيادة غير أميركية. وبالرجوع إلى أصل الموضوع، فإن العراق والولايات المتحدة الأميركية وقَّعا اتفاقيتين في عام 2008.
أما الاتفاقية الأولى، فكانت اتفاقية وضع القوات Status of Forces Agreement، التي تُعرف اختصارًا باتفاقية SOFA، وقد وقّعها، في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2008، هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي، وريان كروكر السفير الأميركي في العراق. وفي هذه الاتفاقية، تم تحديد الأحكام والمتطلبات الرئيسة التي تنظّم الوجود المؤقت للقوات الأميركية في العراق الذي يبدأ من تاريخ دخول هذه الاتفاقية حيز التنفيذ في 1 كانون الثاني/ يناير 2009، ويتواصل ثلاثة أعوام (المادة 30/ 1). وليس هناك أي مادة في هذه الاتفاقية تتيح تمديدها، وهذا يعني أن هذه الاتفاقية انتهت مع الانسحاب الكامل للقوات الأميركية من جميع الأراضي والمياه والأجواء العراقية، وهو الأمر الذي تحدد بتاريخ لا يتعدى 31 كانون الأول/ ديسمبر 2011 (المادة 24).

وأما الاتفاقية الثانية، فهي اتفاقية الإطار الاستراتيجي Strategic Framework Agreement التي تُعرف اختصارًا بـ SFA، وهي تتعلق بالصداقة والتعاون بين العراق والولايات المتحدة، وقد جاءت تماشيًا مع إعلان مبادئ علاقة التعاون والصداقة الطويلة الأمد بين العراق والولايات المتحدة. ومن بين المبادئ الواردة في هذا الإعلان، الذي تم توقيعه في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2007، التعاون في المجال الدفاعي والأمني، وقد جاء في ستة أسطر فقط، ونصّت المادة على ما يلي: “يواصل الطرفان العمل على تنمية علاقات التعاون الوثيق بينهما، في ما يتعلق بالترتيبات الدفاعية والأمنية، من دون الإجحاف بسيادة العراق على أرضه ومياهه وأجوائه. ويتم هذا التعاون في مجالَي الأمن والدفاع، وفقًا للاتفاق بين الولايات المتحدة وجمهورية العراق بشأن انسحاب قوات الولايات المتحدة من العراق، وتنظيم أنشطتها خلال وجودها المؤقت فيه”. وكما هو واضح، فإن الاتفاقية لم تحدد آليات هذا التعاون، كما أنها ربطت بينه وبين الاتفاقية الأولى؛ وهكذا ليس ثمة إطار لهذا التعاون بعد انسحاب القوات الأميركية من العراق مع نهاية نفاذ تلك الاتفاقية في عام 2011.

بعد سيطرة تنظيم الدولة في العراق والشام، المعروف بـ “داعش” ISIS، على الموصل في 9 حزيران/ يونيو 2014، وتمدده للسيطرة على ما يزيد على ثلث الأراضي العراقية، لم تكن هناك استجابة أميركية مباشرة. فقد انتظرت الولايات المتحدة شهرين تقريبًا، ليعلن الرئيس باراك أوباما، أوّل مرة، في 7 آب/ أغسطس عن تدخل القوات الأميركية بشكل مباشر في العمليات العسكرية، عبر ضربات جوية أميركية محدودة ضد داعش؛ وذلك بعد مهاجمة الأخير لقوات البيشمركة في مخمور، وقد فُسِّر هذا الأمر بأنه محاولة للدخول إلى أربيل. يضاف إلى ذلك أن التدخل العسكري الأميركي في العراق قد كان من خلال تقديم مساعدات عبر الجو لليزيديين المحاصرين في جبل سنجار. ولكن أوباما كان واضحًا بشأن هذه العمليات العسكرية، فهي في نظره “لا ترقى إلى مستوى المشاركة الكاملة في العراق”، وأكد ذلك بقوله: “بوصفي قائدًا عامًّا، لن أسمح للولايات المتحدة بأن تنجر إلى حرب أخرى في العراق”. ولكن الولايات المتحدة بدت أكثر انخراطًا في الحرب بعد ذلك؛ من خلال إعلان أوباما في 10 أيلول/ سبتمبر 2014 عن تشكيل التحالف الدولي لهزيمة داعش، وتصريحه بأن “المعركة ضد داعش هي معركتنا”، مع تحميل الحرب طابعًا دوليًا: “ليست معركتنا وحدنا”. أما الهدف من ذلك، فهو “تحطيم داعش وتدميره في نهاية المطاف من خلال استراتيجية شاملة ومستدامة لمكافحة الإرهاب”، مع تأكيد أن هذا الأمر يشمل الضربات الجوية، وغيرها من جوانب دعم القوات الموجودة على أرض العراق وسورية. وفعلًا، بدأت عمليات دول التحالف الأخرى في العراق؛ ففي 19 أيلول/ سبتمبر 2014، انطلقت طائرات فرنسية من قواعدها في الإمارات العربية المتحدة، وقامت بأول عملية قصف جوي استهدفت داعش في الموصل.

وكان الاجتماع الرسمي الأول للتحالف قد عقد في بروكسل، في 3 كانون الأول/ ديسمبر 2014، بحضور 60 دولة، وحضور رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ووزير الخارجية إبراهيم الجعفري. وقد تم في هذا الاجتماع تنظيم الجهود وفق خمسة خطوط رئيسة، تقود ضمنها دولتان على الأقل كل خط من هذه الخطوط:

الخط الأول: دعم العمليات العسكرية، وبناء القدرات والتدريب بقيادة الولايات المتحدة والعراق.
الخط الثاني: وقف تدفق المقاتلين الإرهابيين الأجانب بقيادة هولندا وتركيا.
الخط الثالث: قطع وصول داعش إلى الموارد المالية والتمويل بقيادة إيطاليا والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة.
الخط الرابع: معالجة الإغاثة الإنسانية والأزمات المرتبطة بها بقيادة ألمانيا والإمارات العربية المتحدة.
الخط الخامس: فضح الطبيعة الحقيقية لداعش بقيادة الإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.
يبدو، إذًا، أننا أمام أهداف تتعلق بالمجتمع الدولي كلّه، وليس بالعراق فحسب، بل إن العراق قد أصبح طرفًا في هذا التحالف من دون أن تكون له قدرة على فرض شروطه، أو حتى التفاوض بشأن ذلك، بسبب الوضع الصعب الذي كان يمر به، وحاجته الملحّة إلى المساعدة الدولية لمواجهة داعش.

يشرح جيمس جيفري، السفير الأميركي السابق في العراق (2010-2012)، والمبعوث الخاص الذي عيّنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد استقالة بريت ماكغورك، في مقاله “ما وراء الانسحاب الأميركي من العراق”، قرار باراك أوباما، بموافقة من مستشاريه، في كانون الثاني/ يناير 2011، المتعلق بإبقاء القوات الأميركية في العراق، وكان يفترض حينئذ أن تنسحب كليًّا في نهاية ذلك العام بموجب الاتفاقية الموقعة بين الطرفين عام 2008، وأن أوباما أيضًا اتخذ، في حزيران/ يونيو 2011، قرارًا بشأن عدد القوات التي يجب بقاؤها، وهي 5000 جندي، وأنه كان قد حصل على موافقة رئيس مجلس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي على إجراء محادثات جديدة في هذا الشأن. ولكنّ مشكلتَي الحصانة القانونية لهذه القوات، وصعوبة تمرير الاتفاق الجديد في البرلمان العراقي، كلّها عوامل أدّت إلى إجهاض هذه المحاولة. ويصف جيفري، في مقاله، الوضع القانوني لإعادة انتشار ما يسميه “العدد الصغير من القوات الأميركية غير المقاتلة” في العراق عام 2014 (أي بعد سيطرة داعش على ثلث مساحة العراق) بأن ذلك يشكّل استثناءً خاصًّا بحالات الطوارئ لسياسة “اتفاقية وضع القوات” المعتادة.
أما عراقيًّا، فلم يكن هناك أي توضيح رسمي للإطار القانوني الذي يحكم قوات التحالف كلّها، والقوات الأميركية بشكل خاص في العراق، وهو موضوع مسكوت عنه تمامًا، بل إن الجميع يحاولون التهرب من مثل هذا التوضيح. ففي إطار “التراشق” الإعلامي بين المالكي والعبادي، تحدث العبادي عن أن استدعاء القوات الأميركية إلى العراق كان قد تم في ولاية المالكي، وأن هذه القوات كانت موجودة قبل استلامه مهماته بأكثر من شهرين، في حين ردّ المالكي بأنّ ذلك “مغالطات وادعاءات”، وتحدث عما وصفه بمسؤولية حكومة العبادي عن استقدام هذه القوات “ومنحها قواعد ثابتة على الأراضي العراقية وصلاحية التحرك على الأرض وسماء العراق من دون الرجوع إلى السلطات العراقية”. وهذه المحاولة، من رئيسَي الوزراء السابقين، تعكس نزوعهما إلى التنصل من مسؤوليتهما المباشرة عن عدم وجود أي إطار قانوني لعمل قوات التحالف في العراق؛ وبسبب ذلك لم تكن طبيعة العلاقة وسياقات العمل بين الطرفين سوى تفاهمات ضمنية غير معلنة، وربما كانت أمرًا واقعًا مفروضًا على الطرفين، وليس إطارًا قانونيًا محددًا وواضحًا وملزمًا لكليهما.

تصف المادة الأولى من اتفاقية SOFA مصطلح Agreed facilities and areas في مواقع وجود القوات الأميركية بـ “المنشآت والمساحات العراقية التي تمتلكها حكومة العراق، والتي تستخدمها قوات الولايات المتحدة أثناء فترة سريان مفعول هذا الاتفاق”. ولكن هذا التوصيف ينطبق على القواعد العسكرية في الفترة 2009-2011 حصرًا، ولا وجود لتوصيف قانوني جديد لوضع هذه القواعد في الوقت الحالي. فهل ما زال ثمة منشآت عراقية كما جاء في كلمة الرئيس ترامب بعد القصف الجوي الأخير على قاعدتَي عين الأسد وحرير؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا تحدّث ترامب عن تعويضات عن النفقات التي دفعت في بناء هذه القواعد “العراقية” بحسب توصيفه؟ والأهم من ذلك؛ كيف يمكن توصيف وجود القوات الأميركية في هذه القواعد، سواء كانت قوات قتالية، أو مستشارين ومدربين؟ ولكن السؤال الأكثر حرجًا في هذا السياق يتعلق بمسألة الولاية القانونية؛ فاتفاقية SOFA أعطت الولاية شبه المطلقة للولايات المتحدة وليس للعراق، ومن المعروف أن مسألة الولاية القانونية كانت العامل الحاسم في إجهاض مفاوضات الإبقاء على قوات أميركية في العراق بعد عام 2011. صحيح أن المادة الثانية عشرة/ 1 من الاتفاقية تنص على أن للعراق الحق الأوّلي في ممارسة “الولاية القضائية على أفراد قوات الولايات المتحدة وأفراد العنصر المدني بشأن الجنايات الجسيمة المتعمدة […] حين ترتكب تلك الجرائم خارج إطار المنشآت والمساحات المتفق عليها، وخارج إطار الواجب”، لكنّ هذه المادة لا قيمة لها في الحقيقة؛ لأن هذه العناصر، بسبب التهديدات الجدّية، لا يمكن أن تكون خارج هذه المنشآت أصلًا إلا في إطار واجبات محددة، كما أن هناك مواد أخرى تجعل هذه الولاية خالية من أي محتوى، ذلك أنّ المادة نفسها تسلب عن الجهات العراقية حق احتجاز المتهمين (الفقرة 5)، في حين أنّ الفقرة 3 من هذه المادة تعطي الولايات المتحدة الولايةَ القضائية المطلقة داخل المنشآت والمساحات المتفق عليها، وأثناء حالة الواجب خارج المنشآت والمساحات المتفق عليها، وفي الظروف غير المشمولة بنص الفقرة 1.

وكما يبدو واضحًا، وبحسب ما أوردته وكالة “أسوشيتد برس”، ليس ثمة إطار قانوني لوجود أميركي وصل إلى حدود 5200 عسكري، إضافةً إلى أنّ هذا الوجود ليس من أجل التدريب والمشورة ومساعدة القوات العراقية فقط؛ إذ ترتبط القوات الأميركية الموجودة في سورية لوجستيًا بالقوات الأميركية في العراق، وقد كانت القواعد “العراقية” مواقع تمركز وإعادة انتشار هذه القوات في سورية خلال المرحلة السابقة. كما تقوم القوات الأميركية في العراق بالعديد من المهمات الخاصة، المعلنة وغير المعلنة، في الأراضي السورية.

تصف الخارجية الأميركية بعثتها في العراق بأنها مكرسة للشراكة الاستراتيجية الدائمة مع حكومة العراق والشعب العراقي، بالتنسيق مع التحالف العالمي لهزيمة داعش، وأنّ اتفاقية الإطار الإستراتيجي SFA بين العراق والولايات المتحدة، توفر الأساس للعلاقات الثنائية بين البلدين، بما في ذلك الدفاع والأمن، وأنّ ثمة “لجنة تنسيق عليا” والعديد من لجان التنسيق المشتركة لتنفيذ هذه الاتفاقية في مختلف المجالات، وأنّ لدى سفارتها في بغداد مكتبًا للتعاون الأمني بين البلدين لتعزيز هذه الأهداف، وتسهيل دور العراق بوصفه شريكَ أمن مسؤولًا، والمساهمة في تحقيق السلام والأمن في المنطقة ولكنها لا تشرح لنا ما يلي: لماذا لم يتمّ “إنفاذ” هذه الاتفاقية من جانب الولايات المتحدة بعد دخول داعش إلى الموصل؟ ولماذا انتظرت شهرين تقريبًا قبل أن تتدخل، فضلًا عن أنّ تدخلها ليس التزامًا بالاتفاقية، بل فرضته عليها عواملُ موضوعية على الأرض؟ وكيف يمكن بضعة أسطر عن التعاون العسكري والأمني في هذه الاتفاقية أن تشكل إطارًا قانونيًا للقوات الأميركية في العراق؟

أما الأطراف الأخرى في التحالف، فهي تبدو أكثر موضوعية في توصيف مهمتها في العراق، كما هو الحال مع هولندا؛ إذ إنّ وزارة الدفاع الهولندية التي تنشر مدربين عسكريين في العراق، تصف دورها بأنه يأتي في إطار التنسيق مع عدد من الدول الأخرى بقيادة الولايات المتحدة للمساعدة في كسر القوة القتالية لداعش الإرهابي، وأنّ مهمتها تأتي في إطار الحرب الدولية ضد ذلك التنظيم الإرهابي.

الموقف الرسمي العراقي من الوجود الأميركي في العراق , من خلال الرجوع إلى الموقف العراقي الرسمي، وطوال الأعوام ما بعد 2014، لم نرَ مثلًا محاولة، من مجلس النواب العراقي، أو أي سلطة من سلطات الدولة العراقية، تتساءل عن الإطار القانوني الذي يحكم قوات التحالف في العراق، ومن ضمنها القوات الأميركية، مع أنّ هذا الموضوع كان مثارًا للجدل حين زار الرئيس ترامب القوات الأميركية في قاعدة عين الأسد بمناسبة الاحتفالات بأعياد الميلاد في عام 2018. لا أحد من “الساخطين” أقدم على طرح الموضوع طرحًا جدّيًّا في مجلس النواب، أو في غيره من سلطات الدولة ومؤسساتها.
لم يتحول موضوع الوجود الأميركي إلى موضوع جوهري في السجال السياسي إلا بعد قيام الولايات المتحدة بقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، رفقة نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، قرب مطار بغداد في 2 كانون الثاني/ يناير 2020، وهو ما دفع مجلس النواب يوم 5 كانون الثاني/ يناير 2020 إلى اتخاذ قرار “يلزم” الحكومة العراقية بـ “إلغاء طلب المساعدة المقدم منها إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش”، و”يطلب” منها العمل على إنهاء وجود “أي قوات أجنبية على الأراضي العراقية، ومنعها من استخدام الأراضي والمياه والأجواء العراقية لأي سبب كان”. ولا يمكن فهم هذا “القرار”، بطبيعة الحال، إلّا من جهة أنه محاولة استعراضية، وأنه لا يعكس إرادة جدّية لسحب القوات الأميركية بوجه خاص من العراق. فأعضاء مجلس النواب يدركون تمامًا أن هذا المجلس لا يملك صلاحية إصدار “قرارات” ملزمة للسلطة التنفيذية بأي حال من الأحوال؛ إذ حدد الدستور العراقي اختصاصات مجلس النواب بتشريع القوانين الاتحادية، والرقابة على أداء السلطة التنفيذية، فضلًا عن اختصاصات أخرى تتعلق بالتعيينات، والاستجوابات، وسحب الثقة، وإعلان حالة الحرب أو حالة الطوارئ. إنّ الدستور لم يتضمن أي إشارة إلى أن من اختصاصات المجلس إصدار قرارات تكون لها قوة القانون، وتكون ملزمة للسلطة التنفيذية (المادة 61 من الدستور). كما أن النظام الداخلي لمجلس النواب، في المادتين 30 و31، المتعلقتين باختصاصات مجلس النواب، لم يُشر من بعيد أو قريب إلى صلاحية مجلس النواب بشأن اتخاذ قرارات لها قوة القانون “أي إصدار قواعد عامة مجردة بعنوان قرارات تتضمن قواعد عامة تلزم الحكومة بتنفيذها”، وهذا يعني عمليًّا أن مجلس النواب لا يمتلك أي صلاحية لإصدار قرارات؛ ومن ثمّ فهي ليست ذات قيمة إلزامية، وهو ما أكدته المحكمة الاتحادية نفسها (قراراتها باتَّة وملزمة للسلطات كافةً، بحسب إقرار الدستور العراقي بذلك) التي سبق لها أن أصدرت قرارين في هذا الشأن، كان أولهما في 23 كانون الأول/ ديسمبر 2018، الذي قضى بعدم دستورية المادة 17/ سابعًا من قانون “مجلس النواب وتشكيلاته” التي نصت على أن من اختصاصات مجلس النواب: “إصدار القرارات التشريعية”. فقد أقرّت المحكمة الاتحادية بأنّ الدستور العراقي “في المادة 61/ أولًا، نصّ على اختصاصات مجلس النواب بتشريع القوانين الاتحادية، ولم ينصَّ على تخويله إصدار قرارات تشريعية عدا ما نصَّ الدستور عليه في مواضعه على تخويله إصدار عدد من القرارات ضمن المواد الواردة في الدستور، ومنها المادة 52/ ثانيًا وتلك التي نصت على المادة 61؛ لذا فإن نص المادة 17/ رابعًا من القانون لا سند له من الدستور”.

أما القرار الثاني، فقد صدر في 28 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، أي في ولاية مجلس النواب الحالي، وقضى أيضًا بأنّ إصدار مجلس النواب قرارات تشريعية “ليس له سند من الدستور، إلا في المواضع التي نص الدستور عليها حصرًا، وليس من بينها إصدار قرارات تشريعية بديلًا للقوانين وفق السياقات التي رسمها الدستور لإصدار القوانين”.

وسبق لقسم الدراسات القانونية والصياغة التشريعية في مجلس النواب أن نشر رأيه القانوني في موضوع القرار النيابي ومدى إلزاميته في موقع مجلس النواب نفسه، وقد جاء فيه أن “صلاحية واختصاص إصدار قرار نيابي من قبل مجلس النواب في العراق يحتاج إلى نص دستوري يتضمن الإشارة إلى ذلك كون أن اختصاصات المجلس التي حددتها المادة 61 من الدستور قد خلت من صلاحية إصدار قرار […] إضافة إلى ذلك وجوب النص على أن هذا القرار يكون ملزم التنفيذ من السلطة التنفيذية […] وبخلاف ذلك فإن هذه القرارات التي يصدرها مجلس النواب يمكن الطعن بها وعدم نفاذيتها”.

من جهة ثانية، وبعيدًا عن عدم دستورية هذا القرار من الأصل، كيف يمكن مجلس النواب أن “يلزم”، وأن “يطالب” حكومة مستقيلة، ليست كاملة الصلاحيات، بل حكومة تصريف أمور يومية، كما يصفها الدستور العراقي، ومن ثمّ ليس من صلاحيتها اتخاذ “قرارات” يمكنها أن تلزم الحكومة اللاحقة بها؟ لقد سبق أن صرّح رئيس الوزراء المستقيل نفسه بأن حكومته لن تقوم بتقديم مشروع قانون الموازنة الاتحادية لعام 2020؛ لأنها حكومة تصريف أمور يومية وأنها “حاولت إيجاد مخرج قانوني لنتمكن من إرسال مشروع الموازنة إلى البرلمان ولكننا لم نستطع فعل ذلك”. فلماذا صرّح بعدم وجود مخرج قانوني لإرسال الموازنة، ومع هذا لم يعترض على التعامل مع “قرار” في الأصل غير قانوني، في وقت متزامن مع القرار المتعلق بالموازنة؟

موقف القوى العراقية المختلفة من بقاء القوات الأميركية ,يبدو واضحًا أنه ليس ثمة “إجماع” وطني على موضوع سحب القوات الأميركية من العراق. فقد أعادت المواجهة الأميركية – الإيرانية على أرض العراق، الاستقطاب القومي والطائفي مرة أخرى داخل مؤسسات الدولة السيادية، بعد أن حاول الجميع نكران هذا الاستقطاب طويلًا؛ إذ أظهر التصويت على قرار إخراج القوات الأميركية من العراق، تباينًا واضحًا في موقف الهويات الفرعية من هذه المسألة، فقد رفضت الكتل الكردية والسُنية هذا القرار، في مقابل شبه إجماع للكتل الشيعية عليه، وأظهرت هذه المواجهة – في الوقت نفسه – تباينات شديدة في مواقف القوى السياسية الشيعية الرئيسة تجاه شكل الدولة التي تريدها؛ بين قوى عقائدية/ ولائية تجد نفسها ضمن المشروع الإيراني، وبين قوى ترى ضرورة إيجاد مسافة بين المصالح “الوطنية” للدولة العراقية ومصالح “الدولة الإيرانية”، بمعزل عن الهوية الشيعية التي تجمعهما معًا، ولكن الأخيرة عاجزة عن الإفصاح عن مشروع متماسك، ومعلن، يستطيع الوقوف في وجه تغوّل الطرف الأول على القرار الشيعي في العراق.
ومن خلال ما تقدم، يبدو أنه ليس ثمة جدّية في طلب رئيس الحكومة المستقيلة، عادل عبد المهدي، سحب القوات الأميركية، وأن التصويت في مجلس النواب لا يُعد ملزًما للحكومة في هذا الشأن. وفضلًا عن العراق، ما زال للقوات الأميركية وجود في المنطقة، وتحديدًا القوات الجوية التي كان لها الدور الأبرز في هزيمة داعش. وإنّ الخروج “المبكر” لهذه القوات قد يعيد سيناريو عام 2014 مرةً أخرى، أي عودة داعش، ومن ثمّ تشكيله خطرًا حقيقيًا. كما أن أي قرار سياسي حاسم بشأن خروج القوات الأميركية قد يفتح المجال أمام رفض كردي لقرار على هذا النحو؛ لذا فإنّ بقاء القوات الأميركية في إقليم كردستان، خاصة إذا ما قررت الولايات المتحدة إعادة النظر في قرارها بشأن “استقلال” هذا الإقليم، أو إذا ما دعمت بشكل مباشر قوى سُنية في اتجاه إعلان تمسكها ببقاء القوات الأميركية في العراق في مناطقها، وهو ما يهدد وحدة البلاد بشكل جدّي. إضافةً إلى ذلك، تعتقد إيران أن أي انسحاب أميركي من العراق، قد يؤدي إلى عقوبات أميركية حقيقية على العراق، خاصة مع عجزه عن الالتزام بالعقوبات الأميركية (يحظى العراق باستثناء أميركي مؤقت، يتم تجديده كل 90 يومًا، في ما يتعلق بوارداته من الغاز والكهرباء الإيرانيَين)، وهذا يعني أن إيران قد تخسر شريانها الاقتصادي الرئيس الذي يمدها بالعملة الصعبة؛ ذلك أنها تطمح إلى رفع مستوى مبيعاتها في هذا الشأن إلى ما يعادل 20 مليار دولار سنويًا، وهذا يعني أن ما يمكن أن يدخلها من العملة الصعبة من العراق قد ينافس ما يدخلها من عملة صعبة من مبيعاتها للنفط في ظل الحصار ويضاف إلى ذلك – بطبيعة الحال – غياب الإرادة السياسية العراقية لتحقيق ذلك.

 

أحدث المقالات