تعارفنا قبل عدة سنوات في احدى مؤتمرات مترجمي الادب الروسي في موسكو . كان أ.د. محمد الجبالي عندها رئبسا لقسم اللغة الروسية في جامعة عين شمس المصرية , وكان يمثُل مصر في المؤتمر المذكورمع زميلتي الرائعة أ.د. مكارم الغمري , الباحثة المصرية المعروفة في الادب الروسي , والتي كتبت عنها عدة مقالات ( انظر مقالتي عنها بعنوان – مع أ.د. مكارم الغمري في موسكو) . قضينا ثلاثة أيام باكملها معا في المؤتمر المذكور , وكنّا نتناول فطورنا صباحا سوية على مائدة واحدة – هو ومشرفته العلمية في دراسة الماجستير بمصر أ.د. مكارم , والمترجم العراقي المعروف د. تحسين رزاق عزيز وانا ( مشرفه العلمي في دراسة الماجستير في جامعة بغداد ) , وكانت فترة الفطور مليئة بالاحاديث والذكريات الجميلة والهموم العربية المشتركة بين المختصين العرب في اللغة الروسية وآدابها , وأحلام هؤلاء المختصين , الاحلام التي تحققت ( وما أقلّها ) والاحلام التي ضاعت ( وما أكثرها ) في خضم الحياة العاصفة وغير المستقرة بتاتا في عالمنا العربي ( من المحيط الهادر الى الخليج الثائر !!) .
أ.د. محمد الجبالي- ومنذ فترة ليست بالقصيرة – يشغل منصب الملحق الثقافي لمصر في موسكو , وقد أفرحني هذا النبأ عندما علمت به في حينها , وكتبت له رأسا قائلا , ان شعار ( الرجل المناسب في المكان المناسب ) قد تحقق اخيرا في احدى اهم بلداننا العربية . حقق ا.د. محمد خلال هذه الفترة القصيرة نسبيا اعمالا رائعة حقا في مجال الحياة الثقافية الروسية – المصرية من اتفاقات ونشاطات ثقافية مهمة جدا مع المتاحف الروسية الشهيرة ( منها الارميتاج في بطرسبورغ , ومتحف بوشكين في موسكو ) , وتوسيع العلاقات مع مختلف الجامعات الروسية , وحتى استطاع ان ينظم اجتماعا موسّعا في موسكو بين رؤساء الجامعات الروسية والمصرية , وشارك فيها العديد من الاساتذة من الجانبين , وهو عمل رائد وخطوة جديدة تماما في مسيرة العلاقات الثقافية بين روسيا والعالم العربي باجمعه , وكان آخر عمل مبتكر قام به , هو اعلان مسابقة للاطفال الروس , دعاهم فيها الى رسم لوحات تجسّد الحضارة المصرية من وجهة نظرهم , وقد نشر مجموعة في غاية الجمال والابتكار من تلك اللوحات , التي رسمها هؤلاء الصغار الروس , وشكّل لجنة من الفنانين التشكيليين المصريين والروس لاختيار عشر لوحات , وستكون المكافأة للفائزين – تنظيم سفرة سياحية لهؤلاء الروس الصغار الى مصر مجانا , حيث استطاع الاتفاق بشأن تنفيذ ذلك مع بعض الشركات الروسية الكبيرة .
عندما بدأت دار نوّار للنشر باصداراتها , قررنا تقديم مجموعة من تلك الكتب هدية الى الملحقية الثقافية المصرية , وقد استقبل أ.د. محمد الجبالي تلك الهدية بترحاب شديد , واستلمها بكل سرور, وأضافها الى مكتبة الملحقية المصرية ( وهو بالمناسبة من قام بتأسيسها ) , وساهم بعرض تلك الكتب في المعارض الثقافية في الجامعات الروسية المهتمة باللغة العربية وآدابها ( وقد شاهدت شخصيا صورا عديدة لمعرض كتب في جامعة بطرسبورغ الروسية ساهم بتنظيمه أ.د. محمد باسم الملحقية الثقافية المصرية, وكانت كتب دار نوّار للنشر من ضمنها ) , وكذلك أوصل تلك الكتب الى جهات مصرية داخل مصر . واليوم , وبمناسبة صدور الكتاب الخامس من سلسلة كتبي بعنوان – ( دفاتر الادب الروسي ) عن دار نوّار للنشر , اتصلت تلفونيا به واتفقنا ان نلتقي في الملحقية الثقافية المصرية , كي اقدّم لهم عدة نسخ من الكتاب الخامس هذا , والذي يضم (52) مقالة حول الادب الروسي , وهكذا التقينا مرة اخرى , وكان اللقاء ودّيا للغاية , اذ اطلعت على بناية الملحقية الثقافية , وكيف انها تبدو وكأنها متحف مصرّي مصغّر , اذ تزدان جدرانها بلوحات مدهشة الجمال من الحضارة المصرية العريقة , ومرتّبة بتنسيق رائع , وكان أ.د. محمد الجبالي يشرح لي كل لوحة من تلك اللوحات وتاريخها واسرارها وخصائصها , وتوقفنا طويلا عند لوحة مدهشة لحجر رشيد بلغاته الثلاث , هذا الحجر التاريخي , الذي اكتشف العلماء عن طريقة اسرار اللغة المصرية القديمة. ثم جلسنا لشرب القهوة والدردشة , وعلمت منه , ان هناك الان ( 15) الف طالب مصري في الجامعات الروسية , وان اكثر من 90% منهم يدرسون في الاختصاصات العلمية , وتطالبهم الملحقية ببحوثهم العلمية , وترسلها الى المختصين داخل مصر لمناقشتها ومحاولة الاستفادة منها علميا وعمليا , وعرفت منه ايضا , ان هناك قناة تعاون بين الجامعات المصرية والروسية لايفاد التدريسيين المصريين الذين يرغبون بكتابة بحوث ترقيتهم الى مرتبة الاستاذية في الجامعات الروسية و ذلك بالاشتراك مع الاساتذة الروس في اختصاصاتهم , وغالبا ما تكون هذه البحوث باللغة الانكليزية , وتخضع هذه البحوث بعد انجازها الى تقيييمات علمية موضوعية وحسب المتطلبات العلمية داخل الجامعات المصرية .
واثناء احاديثنا الممتعة هذه , اتصل مكتب دار نوّار للنشر تلفونيا , واخبروني بانجاز آخر كتاب من اصداراتنا , وهو بعنوان – (دراسات في الاثر العربي في اللغة والطبع والتراث الاسباني ) من تأليف د. بسّام ياسين البزّاز , رئيس قسم اللغة الاسبانية الاسبق في كليّة اللغات , والاستاذ حاليا في جامعة الجزائر , والمترجم العراقي الكبير عن اللغة الاسبانية , وأخبرت أ.د. محمد بذلك , وأبدى اهتمامه بهذا العنوان المهم , واتفقنا رأسا ان استلم هذا الكتاب الان , كي اقدّمه هدية الى الملحقية الثقافية المصرية , وهذا ما تم فعلا , وشكرني جدا على هذه الهدية العلمية القيّمة , ووعد بايصال هذا الكتاب المهم الى الجامعات المصرية داخل مصر , وادخاله طبعا الى صفوف مكتبة الملحقية الثقافية المصرية في موسكو ليطلع عليه الجميع .
تحية تقدير الى الملحق الثقافي المصري في موسكو أ.د. محمد الجبالي ,, الرجل المناسب في المكان المناسب بكل معنى الكلمة…