أن مفهوم الإدارة لا يختلف من الناحية العلمية باختلاف نظم الحكم السائدة ,لان مهمة الادارة واحدة هي : تنظيم العمل وتخطيط مراحله نحو هدف معين ,لتنظيم وتسيير شؤون الوحدة من حيث زيادة الانتاج ووضع سياسات تنفيذ البرامج العامه اضافة الى توزيع الاختصاصات بما يحدد المسؤليات وفق التخطيط السليم وتحديد الكفاءات المطلوبة لتحمل اعباء العمل وكفائته والانتاج ومعدلاته .
فالكثير منا يعرف بان الصناعة النفطية تبدء اولا بعمليات الاستكشاف مستخدمة الاساليب الجيولوجية والجيو فيزياوية والحفر بمختلف انواعه , ثم تطوير وانشاء المنشات وانتاج النفط واخيرا ايصال النفط الخام الى المصافي او موانيء التصدير عبر شبكة واسعة من الانابيب
والصناعة النفطية اليوم تحتاج الى ايدي عاملة ذات مستوى علمي عالي وتكنلوجي متطور وعلى مستوى الادارة العليا والادارة الوسطى والدنيا التي تحتاج الى رؤية متكاملة وشاملة وقابلية لتفهم القطاع النفطي وشركاته وتحتاج الى مهارات وقابليات لتنفيذ العمل عن طريق الاخرين . وخاصة بعد خضوع القطاع النفطي للاستثمار الاجنبي ودخول شركات النفط العالمية كمشارك فعال في زيادة الانتاج وتطوير الكفاءات الفنية والادارية
مما يتطلب وضع هيكل تنظيمي للشركات والدوائر النفطية ونظام وتعليمات خدمة مرنة الى حدا ما وملائمة ومنسجمة مع مبدء كفائة الاداء وحجم المسؤلية . وما يهمنا هنا هو تكوين جهاز الادارة العليا والذي يفترض إن يكون من الكفاءات العلمية والادارية ممن هم على تواصل مع الصناعة النفطية بشكل او باخر ,مع مواكبة التطورات العلمية في مجال ادارة الاعمال ’ وتغييرما ورثناه من مخلفات النظام السابق من تعليمات وصيغ واساليب عمل ومفاهيم مضرة بالعملية الانتاجية.
إن الحاجات والمكافآت ذات علاقة بتوقعات الموظف , ومما لاشك فيه انه يتوقع احوال العمل آمنة , واساليبه نظيفة وكاملة الادوات والإمكانيات ويتوقع الموظفون إن يكون الراتب معقولا وسياسة الشركة وادارتها عادلة ومنصفة . وهذا ينعكس على سلوك المدير والمسؤول والفاظه ومعاملته مع الموظفين,مما ينتج توقعات لها صلة بتطوير العمل والاحساس بالمسؤلية والتفوق .
اضف الى ذلك الخلل في مستوى الرواتب بين القيادات العليا والعاملين على المستوى التنفيذي وخاصة العاملين في الحقول النفطية النائية ,حيث يشعر هؤلاء بانهم يتحملون العبء الاكبر في زيادة الطاقة الانتاجية للنفط الذي هو اليوم العمود الفقري للاقتصاد العراقي الناهض , ولايحصلون على ما يستحقونه من رواتب ومزايا مالية ,مما يدفعهم الى الفساد والفتور في اداء العمل , عندئذ يصبح العاملون معك نوعين من الناس : اولئك الذين يمكنك السيطرة عليهم ,وهؤلاء الذين يسعون للسيطرة عليك , ويصبح طريقك في العمل ليس موثوقا بل حماية للنفس فقط .
وكما يقال القيادة علم وفن , وهو مبدء يجعل القيادة ليست حِكرا على فئة معينة , ولكن يجعلها باباً مفتوحا لكل من تثبت مواهبه واستعداداته وخبراته وتحصيله العلمي التخصصي , والاشخاص الذين يُظهرون مثل هذا السلوك هم الذين يوصفون بالمبدعين
اننا نركز على العمل الفني البحت في عملنا اليومي الروتيني وننسى كيف نتعلم مهارات التخطيط والابداع والقيادة , وكيف نتعامل مع الموظفين بمختلف اختصاصاتهم , فليس من الضروري إن يكون حامل شهادة الماجستير والدكتوراه في الادارة او الاقتصاد مدرسا جامعيا على الرغم من الامتيازات الممنوحه له , وإنما نريده إن يدير شركة أو مصنع ويمارس اختصاصه ميدانيا في التخطيط والادارة والقيادة وفق متطلبات الادارة الحديثة التي تعتمد العلمية والشهادةوالتخصص .
لقد أثبتت الدراسات إن العلوم الإنسانية هي التي تصنع القادة /الادارة /الاقتصاد/الاعلام/الفلسفة /علم النفس/الاداب / اللغات….الخ . بينما العلوم الطبيعية /الهندسة /الطب/التكنلوجيا/الكمبيوتر ….الخ. لاتصنع قادة ..لماذا؟
العلوم الانسانية:- هي التي تشكل شخصية الانسان , بينما العلوم التقنية:-تشكل عقلية الانسان وليست شخصيته وهو المطلوب . والسؤال الذي يطرح نفسه :ما الذي يجب البحث عنه عند اختيار المسئولين باختلاف تدرج الوظيفية والمناصب التي يشغلونها ؟ ولغرض الإجابة عن هذا السؤال , يجب التأكد من ما قدمه ذلك الشخص من أعمال سابقة و إلى موطن القوة والضعف لديه .وكذلك يجب إن نبحث عن الاستقامة والنزاهة فيه , وان يتمتع بشخصية قيادية قوية وليس بشخصية جذابة ,لان هناك الكثير من القادة على المستوى السياسي يتمتعون بشخصيات جذابة مخادعة ولكنهم الحقوا الضرر بشعوبهم أمثال (هتلر وصدام والقذاف ). وكما يقول المفكر الإداري الكبير (بيتر اف. دراكر : انك لاستطيع إن تمنع وقوع كارثة كبرى ولكنك تستطيع بناء منظمة لديها القدرة على مواجهة الصعاب وتتمتع بمبادئ أخلاقية عالية تعرف بمقتضاها كيف تتصرف ولديها الثقة في قدرتها ولديها أناس يثقون في بعضهم البعض) .فهناك من يشجع الموظفين على استخدام أساليب ملتوية والبعض يشجع على إخفاء الأخطاء بدلا من إن يتخذ الإجراءات الرادعة بحق المخالفين ومحاسبتهم ,ولا يجب على الإدارة العليا إن تعين سؤلا يظهر خوفا من تابعين أقوياء لأنه سيصبح مفادا من قبلهم وليس قائدا لهم وبالتالي يدفع الآخرين من ضعاف النفوس والمتصيدين بالماء العكر للبحث عن الأخطاء والسلبيات ونشرها على سطوح ساخنة الغرض منها الحصول على مكاسب شخصية ليس غير, وعليه انه من واجب المسئول سواء كان بالمستوى التنفيذي أو المستوى الأعلى إن يكون موضوعيا وغير منحاز لأي جهة دون أخرى , وان يكون متسامحا وواسع الصدر مهما كانت الضغوطات عليه .وان المسئول الذي لديه صداقات وعلاقات اجتماعية داخل دائرته لئيمكن إن يظل متحيزا لهذا أو ذاك .على الرغم من كون العزلة والبعد والتمسك بالرسميات تبعده عن محيطه الاجتماعي وعلاقاته مع الآخرين والتي بناها من سنين طوال .والشركات النفطية اليوم هي أشبه بالجامعات فيها اختصاصات مختلفة وشهادات متنوعة ,كذلك الموظفين فيها يصنفون إلى اختصاصات مختلفة ويحملون شهادات متنوعة , يكون فيها صاحب الشهادة الدراسية الأعلى هو من يقود الآخرين من هم بشهادات ادني على الرغم من المعرفة والخبرة المتراكمة لدى الآخرين . فلابد لنا من التواصل مع أصحاب الشهادات العليا بشكل يومي , وألا سنجد معظم المعرفة المتاحة عندهم غير مفيدة وسوف تظل مجرد معلومات نظرية غير مطبقة على الواقع الفعلي .كما إن نظرية بقاء القيادة بأيدي أناس لديهم خبرة وظيفية فقط دون خبرة علمية ومعرفية عالية , هي نظرية قديمة ورثناها من الأنظمة السابقة , لأننا نعيش اليوم عصر العلم و التطور المعرفي بكافة صوره ومن لايطور نفسه علميا وعمليا يبقى في أسفل السلم .أما النجاح السريع ولاسيما للشباب الذين اعتلوا كراسي المسؤولية الوظيفية وهم في مقتبل العمر فكثيرا ما يسبب لبعضهم الغرور والكسل والصلف أحيانا , وقد ينتهي بهم المطاف إلى نكسة محطمة , ربما تنتهي بخسران المركز الوظيفي الذي يشغلون . وقد صدق الكاتب الانكليزي الشهير (جولد سميث ) حين قال :-(إن النجاح السهل سوء حظ كبير فلا تحسدوا من ينجحون بسهولة وبلا عقبات لان سقوطهم سيكون سريعا بعد حين ).مما يتطلب منا العمل وفق متطلبات الإدارة الحديثة التي تعتمد العلمية والشهادة والتخصص والالتزام في تنفيذ تعليمات الدولة بشكلها الصحيح دون خوف أو محاباة للآخرين أو انتقائية اجتهادية , ومحاسبة مرتكبي المخالفات سواء كانت تلك المخالفات أدارية أو مالية أو قانونية , وأبعاد من تثبت إدانته عن المواقع القيادية وخاصة أصحاب الخبرات النظرية والعملية المحدودة ولابد إن نشير إلى نظام (أتمتة المعلومات ) ونظام ادارة وتداول البيانات الذي يأتي ضمن برنامج تقنية المعلومات الذي هو :- نظام الكتروني حديث يوفر لنا ادارة معلومات وبيانات متطورة في ادارة الأعمال والعمليات , وسرعة توفير المعلومة ودقتها من خلال برمجتها عبر منظومة متكاملة فضلا عن كونه نظاما يضمن حماية المعلومات والبيانات ووضع حدود صلاحيات العمل للموظفين بما يقلل من التعاملات الورقية وفتح الأضابير والسجلات للاستفادة من أجهزة الحاسوب والمبرمجين وشبكة الانترنت .وهذا يتطلب منا أيضا محاربة الأمية الجديدة (أمية الحاسوب )من المسئولين الذين يعشقون الورق والسجلات الكبيرة الموروثة من طرق وأساليب العمل السابقة . كما إن البيروقراطية وثقافة التشبث بالمنصب السائدة في أجهزة الدولة تخلق خوفا ورعبا لدى الكثيرين من الراغبين باعادة وبرمجة العمل وتطويره , وتجعلهم يواجهون مقاومة وصعوبات في التطبيق , وهذا ناتج من قلة الوعي وعدم الثقة والأمية الالكترونية ونقص الكوادر المؤهلة للتعامل مع النظم الإدارية الحديثة. وأخير أقول بان المسئول يجب إن يكون مقبولا من قبل الآخرين وليس مقبولا من قبل من رشحه لتلك المهمة , يتفاعل مع زملائه ليس في إطار العمل فحسب بل حتى مع مناسباتهم الشخصية والاجتماعية العامة كوننا نعيش وسط مجتمع نامي له عادات موروثة يقبلها الجميع وقواعد سلوك ليفكر احد في الخروج عليها , وصنوف من العمل بحاجة إلى تطوير مستمر قد يكون بعضها بدائيا وهي قليلة التنوع وثابتة لدى الكثيرين .