شهدت فرنسا العديد من العمليات الأرهابية الشنيعة في اساليبها وطرق تنفيذها التي تزرع الرعب في الآمنين من السكان وتستهدف امنهم الشخصي والمجتمعي, وقد تصدرت فرنسا قائمة الدول الأوربية التي يجري استهدافها من قبل المتطرفين الأرهابين في السنوات الأخيرة من هجوم على صحيفة “شارلي إيبدو” الساخرة منذ عام 2015 إلى الحوادث الأخيرة في مدينتي باريس ونيس, ولا يوجد أشد هولا وهلعا وخوفا من قطع الرأس والطعن والتمثيل في الضحية.
كانت اعمال القتل مروعة وأجرامية بكل المقاييس الانسانية ولا تستدعي إدانته أي لحظة تردد أو تفكير, فأنسانية السلوك لا تتجزأ إنتقائيا حسب المكان ونوع الضحية وجنسيتها, فالقتل مدان عندما يطال المدنيين والعزل ويعبث بأستقرار الناس ولحظات راحتهم, والقتل فعل جبان عندما يستهدف من لا ناقة ولا جمل لهم من الآمنين الابرياء. إنه عمل خسيس يستهدف إثارة الرعب وعدم الاستقرار ولا يستهدف الضحية بعينها فقط, بل يستهدف عمليات الاستقرار الاجتماعي والامني في المجتمع الذي يقع عليه فعل الارهاب. ومن العيب والخزي ان تسود لغة التشفي والفرح الكامن لما حصل للفرنسيين من مأساة ومحاولة ايجاد أشتراطية لإدانة الجريمة عبر إفتعالقرينة مشوهة وغير دقيقة للمقارنة ووضعها شروطا مسبقة للإدانة.
كيف نطلب من العالم المتمدن أن يقف الى جانب قضايانا العادلة وان يسهم في ايجاد حل لمشكلاتنا المستعصية وان يدعمنا في دحر داعش ونحن نخجل في إدانة فعل قتل جماعي يرتكب بحق الابرياء والعزل من الناس ونضع شروط مسبقة للإدانة. ان الموقف من إنسانية الانسان وتحريم هدر دمه لا تحتمل الاجتهاد ولا الفتاوى, وان السكوت وعدم الادانة والتحايل في التصريحات هو مساهمة في جرائم القتل وإيجاد غطاء شرعي لها مما يسهم في التشجيع عليها واعادة إنتاجها على نطاق واسع.
لقد تركت لنا البشرية ومسيرة الحضارة تراكما ايجابيا لإحكام السلوك الانساني وتقنينه والحكم عليه, وبالتالي وضعت معايير وتصنيفات لتلك الجرائم المرتكبة بحق الانسانية, ومنها بشكل خاص جرائم الإبادة الجماعية, والتي كانت ولاتزال محط اهتمام الكثير من المنظمات الانسانية والدولية, حيث توصف جرائم الإبادة الجماعية بأنها أشد الجرائم الدولية جسامة وبأنها “جريمة الجرائم”، فهي وكما تشير بعض المصادر سياسة للقتل المنظم المرتكبة تنفذ بحق مجموعات من الأشخاص على أساس قومي أو عرقي أو ديني أو سياسي، وقد صنفت كـجريمة دولية في اتفاقية وافقت الأمم المتحدة عليها بالإجماع سنة 1948 ووضعت موضع التنفيذ عام 1951 بعد أن صادقت عليها العديد من الدول. وحتى الآن صادقت عليها أكثر من 133دولة على هذه الاتفاقية بينها الاتحاد السوفييتي ” روسيا حاليا ” والولايات المتحدة وغيرها من الدول الأخرى.
وفي هذه الاتفاقية، بموجب المادة الثانية، تعني الإبادة الجماعية أيا من الأفعال التالية، المرتكبة علي قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو اثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه: قتل أعضاء من الجماعة، إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة، إخضاع الجماعة، عمدا، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا فرض تدابير تستهدف تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة، نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلي جماعة أخرى.
كذلك نصت المادة 18 من مشروع مدونة الجرائم ضد أمن وسلامة البشرية لعام 1996 على تعريف الجرائم ضد الإنسانية وتحديد صورها بأنها “كل فعل من الأفعال التالية عند ارتكابه بشكل منتظم أو على نطاق واسع أو بتحريض أو توجيه من إحدى الحكومات أو من أي منظمة أو جماعة، وتشمل القتل العمد – الإبادة – التعذيب – الاسترقاق – الاضطهاد لأسباب سياسية أو عنصرية أو دينية – التمييز النظامي لأسباب عنصرية أو إثنية أو دينية والذي يشمل انتهاك الحقوق والحريات الأساسية للإنسان ويؤدي إلى ضرر جسيم بجزء من السكان – الإبعاد التعسفي أو القتل القسري للسكان – الاحتجاز التعسفي – الإخفاء القسري للأشخاص – الاغتصاب والدعارة القسرية والأشكال الأخرى من الاعتداء الجنسي – الأعمال اللاإنسانية الأخرى التي تلحق ضررًا جسيمًا بالسلامة الجسدية أو العقلية أو بالصحة العامة أو بالكرامة الإنسانية مثل التشويه والإصابات الجسدية الجسيمة“.
وقد جاءت تلك المدونة على ذات نهج مدونة 1991، إلا أنها أضافت لها صور الجرائم التي تتمثل في التحريض أو توجيه من إحدى الحكومات أو أي من المنظمات أو الجماعات، مع استبعاد الحالات التي ترتكب فيها تلك الجرائم بواسطة فرد بتصرف ذاتي منه دون دعم أو تشجيع أو توجيه من حكومته أو جماعته. هذا في ما يعني ضد استباحة كرامة الأنسان وتحريم قتله مهما بلغت الدوافع والمبررات النفسية والفكرية والعقلية لمرتكبي الجرائم, حكومات كانوا أم أفراد.
اما بخصوص حرية المعتقد وممارسة الطقوس المختلفة فقد ورد في الإعلان العالمي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 الذي اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة وفرنسا جزء منها،حيث يعد الإعلان وثيقة تاريخية مهمة للإنسانية كافة كونها تؤسس لحقوق الإنسان وقد تولى صياغتها ممثلو الدول وهم يحملون خلفيات القانونية والثقافية متباينة مستقاة من جميع أنحاء العالم، واعتمدت الجمعية العامة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في (10 كانون الأول/ 1948) بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بالقرار رقم (217)، حيث تؤكد المادة الثانية على أن “لكلِّ إنسان حقُّ التمتُّع بجميع الحقوق والحرِّيات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أيِّ نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدِّين، أو الرأي” وتضيف المادة الثامنة عشر بأن “لكلِّ شخص حقٌّ في حرِّية الفكر والوجدان والدِّين، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في تغيير دينه أو معتقده، وحرِّيته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبُّد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة” والأهم ان المادة السادسة والعشرين ترسي مبدأ غاية بالأهمية يسمى حيادية المؤسسات التعليمية حيث تنص على أن “يجب أن يستهدف التعليمُ التنميةَ الكاملةَ لشخصية الإنسان وتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، كما يجب أن يعزِّز التفاهمَ والتسامحَ والصداقةَ بين جميع الأمم وجميع الفئات العنصرية أو الدينية، وأن يؤيِّد الأنشطةَ التي تضطلع بها الأممُ المتحدةُ لحفظ السلام”.
وكذا الأمر في الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان والتي وقعت في روما عام 1950وورد النص فيها بالمادة العاشرة على أنه “لكل إنسان الحق في حرية التفكير والضمير والعقيدة، هذا الحق يشمل حرية تغيير الدين أو العقيدة، وحرية إعلان الدين أو العقيدة بإقامة الشعائر والتعليم والممارسة والرعاية، سواء على انفراد أو بالاجتماع مع آخرين، بصفة علنية أو في نطاق خاص“.
وكذلك العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية 1966، الميثاق الأمريكي لحقوق الإنسان 1969، وثيقة اليونسكو للمبادئ الأساسية الخاصة بإسهام وسائل الإعلام في دعم السلام والتفاهم الدولي، الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان 1979، مبادئ جوهانسبورغ حول الأمن القومي وحرية التعبير، الميثاق العربي لحقوق الإنسان 2004، وأكدتها وكفلتها الدساتير العالمية وبنصوص صريحة وواضحة لا غموض او لبس فيها، ومنها الدستور الفرنسي “دستور الجمهورية الخامسة لعام 1958 المعدل