خاص: قراءة – سماح عادل
رواية “كوبنهاجن مثلث الموت” للكاتب العراقي “حسين السكاف” تحلل ظاهرة تفشي العنف والاقتتال في العراق بعد غزو أمريكا لها في 2003، وتتميز في أنها تقدم تحليلا اجتماعيا دقيقا لتلك الظاهرة من خلال تتبع تاريخ بعض الشخصيات وتطورها، كما تقدم رصد لحال منطقة المحمودية وتطورها عبر تاريخ العراق، ووقت النظام الفائت ثم في وقت الغزو العسكري الأمريكي.
الشخصيات..
“علاء كاظم”: البطل، صحفي عراقي، هرب من العراق بسبب رفضه الانخراط في حرب الكويت، وبعد أن حكم عليه بالإعدام، وذهب ليعيش في الدنمارك، ويحصل على الجنسية، ثم حن إلى بلده فذهب ليراها ويتفاجيء بتغييرات هائلة.
“كميلة أندرسن”: صحفية دنماركية، جاءت إلى العراق بعد الغزو بعام ونصف بصحبة زوجها البطل “علاء كاظم” ولتجري بعض التحقيقات الصحفية عن العراق وأحوالها.
العقيد ناهض: يعمل داخل الدولة العراقية، ويتعاون في نفس الوقت مع الجماعات المتشددة دينيا وبعض الفاسدين من رجال النظام الفائت.
حميد هلال: كان يعمل في المخابرات في أيام النظام الفائت، وكان ينتمي إلى الفلاحين الذين يزرعون الأرض وعاش حياة ملؤها الفقر، ثم عوض ذلك في عمله في المخابرات وقيامه بأعمال سيئة، كان النظام يقوم بها من خلال أفراده، وبعد غزو العراق استمر يقوم بتلك الأعمال لكن لمصالحه الشخصية، وتعاون مع المتشددين دينيا لتخريب بلاده بدعوى مقاومة الأمريكان. وأيضا لإشباع حبه للسلطة وأن يكون متحكما في مجموعة من البشر.
الشيخ طه: ولد في أسرة بائسة، أبوه غير متعلم، فقير وقاسي، كان يعامل أمه بعنف وماتت أمه نتيجة لذلك العنف، ولم يجد الحنان والاهتمام إلا من أحد الشيوخ في جامع قريب من منزله، لذا انضم إلى الجماعات المتشددة دينيا وقد ساعدوه حتى أصبح طبيبا. وبعد غزو العراق أصبح مسئولا عن عملية اختطاف الأجانب وتلقي الفدية، وكان يدير أعمال العنف.
وشخصيات أخرى داخل الرواية حرص الكاتب على رسمها بعمق واهتمام وربطها بسياق الرواية العام.
الراوي..
الرواية تعتمد على راو عليم، يحكي عن الشخصيات بضمير الغائب، يحكي ما تفكر فيه الشخصيات وما تشعر به، ويحكي عن تاريخ الشخصيات وتاريخ المكان.
السرد..
الرواية محكمة البناء، تقع في حوالي 353 صفحة من القطع المتوسط، تعتمد على تحليل اجتماعي، ورصد وسعي لتوثيق ما يحدث، لكنها لا تتخلى أيضا عن رسم عميق للشخصيات، وتصاعد أحداث تخطف أنفاس القارئ وتجعله مترقب لما سوف يحدث، وكانت أحداثها رغم واقعيتها محزنة ومأساوية.
أيتام الحرب هم دعائم الخراب..
تدور أحداث الرواية في النصف الثاني من عام 2004، تتميز هذه الرواية بأنها قدمت تحليلا دقيقا وتفصيليا لظاهرة الاقتتال والعنف الذي تفشى في العراق بعد غزو أمريكا 2003، فقد تتبعت تطور منطقة المحمودية وهي إحدى المناطق فيما عرف بمثلث الموت، حيث كثرت حوادث الاختطاف والقتل الوحشي بعد التعذيب والتنكيل بالضحية، كما إنها قد حوت على تفاصيل وحقائق أدهشت القراء غير العراقيين أمثالي، وربما بعض العراقيين أيضا، حيث يتآمر القريب على قريبه ليخطف أمواله.
فسرت الرواية ما يحدث نتيجة لعدة عوامل، وقد تتبعت النظام الفائت وممارساته تجاه الشعب العراقي، حيث سادت الحروب سنوات طوال، واستعان النظام بأبناء الفلاحين الذين كانوا يحرسون خطوط البترول ومصالح النظام، استعان بهم ليكونوا من أفراد نظامه فكانوا يلتحقون بأجهزة المخابرات والشرطة والجيش، وكانت لهم الحظوة لدى النظام مما حول جزء كبير من أبناء الفلاحين إلى مستهلكين بعد أن كانوا منتجين، كما حولهم لأذرع للنظام داخل المجتمع العراقي وخارجه.
ونتيجة لسنوات الحروب الطويلة ومعاملة النظام للشعب بوحشية، وخاصة من يهرب من التجنيد أو يهرب بعد التحاقه بالعسكرية، حيث كان يتم إعدام الهاربين، بالإضافة إلى جثث القتلي نتيجة الحرب. كل ذلك جعل العراقيين يعتادون على مشاهد الدماء والجثث المتفسخة، والمتحللة، كما اعتادوا على مشاهد الإعدامات. وخسرت كثير من العائلات أبنائها وذويها مما خلف جيلا من الأيتام، أيتام الحرب العراقية الإيرانية، وأيتام حرب الكويت، غير الضحايا الذين قتلتهم قوات التحالف. هذا الجيل الذي افتقد لحنان الأسرة ولوجود الأب الداعم الرئيسي لها، وعاشوا ظروفا اجتماعية واقتصادية غاية في البؤس كما تعرضوا لعنف، منهم من تعرض لعنف زوج أمه، ومنهم من تعرض لعنف من الناس المحيطين.
تفكك الأسرة كان الخطوة الأولى لتفكك المجتمع، فنشأ جيل الأيتام دون منظومة من القيم والأخلاق، فاقدين للحس الإنساني لأنهم لم يعاملوا به من الأساس، فكانوا القاعدة للتنظيمات المتشددة والفاسدين من أفراد النظام الفائت، لكي يستخدمونهم لإشاعة الفوضى والخراب في العراق.
حتى الناس العاديين والذين لم ينتموا لا للتنظيمات الدينية أو للفاسدين طالهم الخراب، فأصبحوا يعانون من عقد وأمراض نفسية نتيجة العنف الطويل الذي تعرضوا له، والمؤامرات والقسوة من النظام ثم من الاحتلال، حتى أن الرواية تضمنت تحليلا لشخصية العراقي الذي عاني كل تلك السنوات من الوجع والقهر، وأثنت على تماسكه رغم ما مر به.
أشارت الرواية لنقاط هامة بعد غزو العراق، منها تخريب الآثار وسرقتها، وقد كان النظام الفائت كان قد بدأ ذلك التخريب حيث عبث بالآثار واستغلها بعنجهيته المعروفة، ثم جاء الاحتلال الأمريكي ليسرق وينهب الكثير من الآثار ومتاحف العالم تشهد على ذلك، كما أثارت نقطة هامة حول دخول آثاريين إسرائليين لمنطقة الآثار، ولا أحد يعرف ماذا كانوا يفعلون حيث منع الاحتلال الأمريكي اقتراب أي عراقي من منطقة الآثار.
وحتى الصحفيين الأجانب كان الاحتلال يمنعهم من التصوير أو الاقتراب من الآثار. واستنتجت الرواية أن الإسرائيليين ربما كانوا بتفحصهم الآثار العراقية يبتغون القيام بألاعيبهم المعتادة في نسب تاريخ لهم غير موجود.
كما تكمن ميزة الرواية في أنها دخلت في أعماق شخصيات الفاسدين والمتشددين دينيا وقدمت تبريراتهم النفسية لما فعلوه، فهم أيضا كانوا ضحايا النظام، عاشوا حياة بائسة دفعتهم إلى ما قاموا به، لكن هذا لا ينفي أنهم مدانون وأشرار.
تعتمد الرواية على لغة مميزة أيضا، وعلى حوار مميز يعكس دواخل الشخصيات.
الكاتب..
“حسين السكاف” كاتب وناقد فني عراقي مقيم في الدنمارك. عضو نقابة المهندسين العراقيين، عضو نقابة الصحفيين الدنماركيين، نشرت له أول قصة قصيرة عام 1976 بعنوان”دمية الطين” في جريدة الطريق البغدادية. وهو محرر الصفحة الثقافية في جريد (أخبار الدنمارك) الصادرة في العاصمة الدنماركية كوبنهاجن باللغة العربية (2010-2012)، ومؤسس موقع (القيثارة السومرية) الإلكتروني الذي يختص بموسيقى وغناء وادي الرافدين في القرن العشرين.
نشر له العديد من القصص القصيرة والمقالات الصحفية والبحوث الفنية في مجال النقد الفني والأدبي. له بعض الترجمات الفنية والأدبية من اللغة الدنماركية إلى العربية، وعلى وجه خصوص، حركة الفن التشكيلي في أوربا خلال القرن العشرين. نشرت أعماله ومقالاته في العديد من الصحف العراقية والعربية مثل: (جريدة الأخبار البيروتية- جريدة العالم البغدادية- جريدة الصباح البغدادية- جريدة المدى البغدادية- جريدة الأيام البحرينية- صحيفة إيلاف الإلكترونية- صحيفة الزمان اللندنية- جريدة الاتحاد البغدادية- مجلة الأسبوعية البغدادية- جريدة الاتحاد الظبيانية- صحيفة المؤتمر)، حين كانت تصدر في لندن وقبل انتقالها إلى العراق عام 2003.
نشرت له مسرحيتان، الأولى بعنوان “شقيق الورد” عام 2007، والثانية بعنوان “هموم السيد محترم” عام 2008، له تجارب في كتابة السيناريو السينمائي والمسلسل التلفزيوني. عمل خلال الأعوام 1995-2000 وسيطاً ثقافياً ومستشاراً لشؤون الأجانب، في بلدية (Brondby) التابعة للعاصمة الدنماركية كوبنهاجن.
النتاج الروائي:
رواية (كوبنهاجن – مثلث الموت) عن دار ميريت في القاهرة 2007 رواية (كوبنهاجن – مثلث الموت) الطبعة الثانية دار العارف في بيروت 2015.
النتاجات الأخرى:
نشرت له مسرحيتان، الأولى بعنوان “شقيق الورد” عام 2007، والثانية بعنوان “هموم السيد محترم” عام 2008 صدر له كتاب (الرواية العراقية… صورة الوجع العراقي) كتاب نقدي يتناول الروايات العراقية الصادرة في الفترة (2004-2012) – دار الروسم بغداد 2014 صدر له كتاب “طاقة الحب – مسرحيتان” – دار الروسم، بغداد 2015.