ورد في كتاب الشّهيد صلاح خلف “فلسطيني بلاهويّة” الصادر عام 1974: “أخشى أن تصبح الخيانة وجهة نظر”، لكن يبدو أنّ الخيانة تطوّرت مع الإيغال في فكر الهزيمة، لتصبح عقيدة، تنسف الدّيانات السّماويّة، ويندرج هذا ضمن شيطنة الإسلام والمسلمين التي ابتدأت في بدايات تسعينات القرن العشرين، بعد انهيار الاتّحاد السّوفييتي ومجموعة الدّول الإشتراكيّة، عندما بدأت الإمبرياليّة العالميّة تخطّط لإيجاد عدوّ محتمل، ووجدت ضالّتها في الإسلام والمسلمين، مركّزة على العرب خاصّة كون رسول الإسلام -محمّد صلى الله عليه وسلم- عربيّا، وكون القرآن باللغة العربيّة. ومن هنا جاؤونا بالفكر المتطرّف الذي امتهن الإرهاب مثل تنظيمات القاعدة وداعش وجبهة النّصرة وغيرها، والتي مارست الإرهاب بأبشع صورة متلفّعة بعباءة الدّين الذي هو منها براء. وشنّت حروبها نيابة عن الإمبرياليّة في دول مثل العراق، سوريّا، ليبيا، مصر، لبنان، الحزائر وغيرها. وكلّ ذلك جاء ضمن التّخطيط لتطبيق المشروع الأمريكي “الشّرق الأوسط الجديد”؛ لإعادة تقسيم الشّرق الأوسط إلى دويلات طائفيّة متناحرة. ولم تكن “كنوز أمريكا وإسرائيل الإستراتيجيّة في المنطقة العربيّة” غائبة عن هذه الأحداث، فهي من موّلت ودرّبت وسلّحت القوى الإرهابيّة؛ لتنفيذ المهمّات الموكلة إليها خدمة للمشروع الأمريكي، ولتصفيّة القضيّة الفلسطينيّة لصالح المشروع الصّهيونيّ التّوسّعيّ، الذي تتخطّى أطماعه حدود فلسطين التّاريخيّة بكثير، ولفرض الهيمنة الإسرائيليّة على المنطقة العربيّة برمّتها، وتحويل الشّعوب العربيّة إلى “حطّابين وسقّائين” -حسب التّعبير التّوراتي-، وعلى رأي نتنياهو”إذا اجتمعت الإنتليجنسيا اليهوديّة مع الأيدي العاملة العربيّة الرّخيصة سيزدهر الشّرق الأوسط”!
ويلاحظ أنّ الأمريكيين والإسرائيليين قد نفّذوا مشروعهم بهدوء من خلال قدرتهم على إدارة الصّراع، والتّمهيد لذلك من خلال انهيار النّظام العربيّ الرّسميّ المتتالي، والمتسابق للوصول إلى قاع الهزيمة تحت شعار الإنتصارات الوهميّة التي اختلقها إعلام الهزيمة، حتّو وصل الأمر بوزير الخارجيّة الأمريكيّ للتّصريح أثناء زيارته الحالية لإسرائيل وبعض الدّول الخليجيّة، بأنّ إدارة ترامب عندما اعترفت بالقدس عاصمة لإسرائيل في 6 ديسمبر 2017 كانت تخشى نشوب حرب، لكن هذا جاء بالسّلام”!
ومن هنا جاء تهافت بعض الدّول العربيّة “الإمارات، البحرين، السّودان” للتّطبيع العلني مع اسرائيل في كافّة المجالات، علما أنّ التّطبيع السّرّيّ كان قائما منذ سنين طويلة، وما سبق ذلك ولا يزال مستمرّا من حملات شيطنة الفلسطينيّين في بعض وسائل الإعلام العربيّة الرّسميّة، دعما للمتصهينين العرب الذين يحكمون شعوبهم وأوطانهم بالحديد والنّار.
وإمعانا في سباق الخيانة وفي محاولة من المطبّعين للإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، فقد بدأوا بحملة إعلاميّة لتضليل الشّعوب بنفي القداسة الدّينيّة عن المدينة، والزّعم بأنّ المسجد الأقصى الذي هو جزء من عقيدة المسلمين غير موجود في القدس، فعلى سبيل المثال نشرت صحيفة عكاظ السعودية مقالا للكاتب السعودى أسامة يمانى ينفى فيه وجود المسجد الأقصى فى فلسطين، وزعم أنّ الأقصى موجود في “منطقة الجعرانة الواقعة بين مكّة والطائف من الحِلِّ، بينها وبين مكّة ثمانية عشر ميلا على ما ذكره الباجي، وتقع شمال شرقي مكة المكرمة، وفيها علما الحدّ، ومنها أحرم رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- لعمرته الثالثة على ما نصّت عليه الرّوايات، وفيها مسجده الذي صلّى فيه وأحرم منه عند مرجعه من الطائف بعد فتح مكة.” وقد سبق اليماني بهذا الزّعم الأكاديميّ المصري يوسف زيدان.
وهذا الزّعم الكاذب يصل إلى درجة الكفر ونسف الدّين الإسلاميّ من خلال تغيير موقع ومكانة المسجد الأقصى كجزء من العقيدة الإسلاميّة، كون المسجد العظيم قبلة المسلمين الأولى، وثاني المسجدين وثالثين الحرمين”الكعبة المشرّفة في مكة والمسجد النّبويّ الشّريف في المدينة المنوّرة”، كما ينفي هذا الزّعم الكاذب معجزة الإسراء والمعراج، ويسيء للفتح الإسلاميّ لمدينة القدس وللعهدة العمريّة. فما موقف الأزهر الشّريف وهيئة علماء المسلمين والحكومة السّعوديّة والجامعة العربيّة والمؤتمر الإسلامي من هذا الخروج على الدّين وتعاليمه. ونحن هنا لسنا في مجال تعداد الأحاديث النّبويّة الشّريف حول القدس وأهمّيتها الدّينيّة، فهي معروفة ومدوّنة في مئات المصادر الدّينيّة والتّاريخيّة إضافة لصحيحي مسلم والبخاري وغيرهما.
وأيضا فإن شركة طيران الإمارات نشرت إعلانا لتشجيع السّياحة الإماراتيّة لإسرائيل واستبدلت الأقصى بجبل الهيكل!
وهذا وشبيهه يأتي في سياق تثبيت الرّواية الإسرائيليّة بأنّ المسجد الأقصى قائم على أنقاض الهيكل اليهوديّ المزعوم.
بعض الأفّاكين
ومن المضحك أنّ الكاتب المصري المقبور علي سالم مؤلّف مسرحيّة “مدرسة المشاغبين”، قد حلّ ضيفا على اسرائيل بعد اتّفاقات كامب ديفيد لمدّة عام، وكتب كتابا جاء فيه أنّه لم يجد تراثا فلسطينيّا في فلسطين سوى ” طبخة الكوشري” المجدّرة، التي نقلوها عن المصريّين! متناسيا أنّ فلسطين بمثابة متحف كبير وجنّة كبرى. لكنّ علي سالم كان أكثر حصافة من شخص من دولة الإمارات كتب بأنّه أكل في إسرائيل طعاما يهوديّا اسمه “المجدّرة” وأنّ هذا الطّعام يحبّه الفلسطينيّون!
ولا غرابة في ذلك فإسرائيل تسوّق “الحمّص والفول والفلافل” على اعتبار أنّه من الأكلات الشّعبيّة اليهوديّة، ويبدو أنّ المتصهينين العرب يغالون في موقفهم الدّاعم لإسرائيل أكثر من الصّهاينة اليهود! والحديث يطول.