قال أحدهم: “الحلم هو الفردوس الوحيد الذي لايطرد منه الانسان”. وعلى هذا فمن حق العراقيين التمتع بهذا الفردوس ماشاءوا، بعد أضغاث الأحلام وجملة الكوابيس المرعبة التي مروا بها طيلة عقود من سني حياتهم، فهم ماخرجوا من (ضيم) إلا ولجوا في (ظلايم)، وماكادوا يتنفسون الصعداء يوما، حتى جثمت على صدورهم لسنين طويلة أشباح حروب شعواء، وحصارات ضيقت عليهم الخناق، وتكالبات شريرة، وماتناسل عنها من نسب فقر مرتفعة، وبطالة متفشية، وفساد على قدم وساق، وفاقة ومرض وتخلف في مؤسسات البلد، حتى حق فيهم بيت الشعر:
حتامَ أخرج من ياس الى ياس؟
وكم أذوق وأبقى طافح الكاس؟
لا أبلغ الذروة العليا على قدمي
حتى أنكس للوادي على راسي
وهذا دأبهم وديدنهم بسبب خلاف ساستهم المستمر وصراعهم المستميت، لا لخدمة البلد وأهل البلد، بل لاستحواذ مااستطاعوا استحواذه من منافع خاصة، ومآرب تخدم فئات وأحزاب يكنّون الولاء المطلق لها، أما ولاؤهم لبلدهم فقد يأتي عندهم ضمن جدول الأولويات في المرتبة العاشرة او العشرين او حتى المئة.
إن الوزراء الذين أدوا اليمين الدستورية أمام الله ورئيس مجلس النواب وأعضائه، وكذلك أمام الشعب، سيكون ثواب الله لهم جزيلا إن أصلحوا البلاد وعمروها، وأدوا ما أقسموا عليه على أحسن وجه، وبالعكس من هذا سيكون العقاب مضاعفا، إذ كل فرد من الذين أقسموا راعٍ ومسؤول عن رعيته. وأما رئيس وأعضاء مجلس النواب، فهم بدورهم أقسموا وسيكون لهم الحساب ذاته في الثواب والعقاب. وأما الشعب الذي قد يظن ساسته أن ما عليه سوى تحمل سيئاتهم -إن أساءوا- والصبر على ماسيسببونه له من تبعات، فلا أظنه هذه المرة سيأخذ دور المواطن الصابر على سلطان جائر، ولن يكون خانعا وخاضعا لمن يتخذ من منصبه تشريفا، يتمتع بمميزاته ومخصصاته، مستغلا إياه في تمشية أموره الشخصية وأمور حزبه او (ربعه)، واضعا في الوقت ذاته مشاكل المواطن جانبا، ناسيا -لامتناسيا- ان المنصب تكليف، وعليه واجبات لن يكون من السهل التدليس فيها والإغفال عن تأديتها.
إن الواجب الملقى على عاتق الوزراء في حكومة الكاظمي، يأخذ خصوصية تختلف عن باقي الحقب التي مر بها العراق، وماتلك الخصوصية إلا لأن الوضع الذي وصل اليه العراق وضع خاص، يتطلب من متقلدي المناصب جميعهم الالتفات بكل جد وحرص الى المهام المنوطة بهم، فالبلد اليوم يمر بمنعطف خطير لايحتمل أي أخطاء تزيد الطين بلة، وتجهز على ماتبقى منه، فحينها ينطبق علينا بيت الأبوذية القائل:
أحطن طين فوگ الطين.. قاطين
على الباگ الخزينة ولبس.. قاطين
وينه الگال نبني البيت… قاطين
شجاك وهدمت كوخي عليه
وقطعا سيكون الواجب الأكبر على عاتق رئيس مجلس الوزراء، فهو في حالة تحدٍ لايمكن لأحد إنكارها، وعليه تطبيق المناهج والبرامج التي طرحها فعلا وليس قولا او حبرا على ورق، فميادين العمل لجميع الوزارات في محك مع المواطن، والأخير هذا أول المتأثرين بعمل المؤسسات، وأول منظِّر لأدائها، ولايخفى ان الحديث الدائر اليوم بين المواطنين، ينم عن انهم يخشون ان يكون التغيير تبادل أدوار وتغيير وجوه فقط، وهذا مالا تحمد عقباه على الحاكم والمحكوم على حد سواء.
[email protected]