19 ديسمبر، 2024 12:18 ص

العراق قائم بمناعة خارجية

العراق قائم بمناعة خارجية

بلغة الاطباء على الرغم من عدم كوني طبيباً و لا أملك سوى معلومات جزئية عن الصحة , وبعد الاستئذان منهم و عدم تعريفه تدخلاً في شؤونهم , ان الطفل الذي لم يكمل فترة الحمل التي هي تسعة اشهر و ولد قبل ذلك بشهر او اكثر , فأنه ليس بطفل صحي و يحتاج الى عناية و اهتمام بالغ اكثر من ولِدَ صحياً معافياً لأن جسمه لا يحتمل الظروف لضعف مناعته و مقاومته للفايروسات والجراثيم , لذا تولى اسرته و المراكز الصحية اهتماماً كبيراً بهم بتجهيز المكان الملائم له و طريقة تغذيته ونوعيتها وإلا سيكون ايامه محدودة و انفاسه معدودة مع ايماننا بأن الوفاة لا تقدم ساعة و لا تتأخر إلا بقدرة القادر عز وجل .
هذا المثال من اجل تقريب الفكرة و توضيح الموضوع , فالعراق ولد على انقاض تقاسم السلطة والنفوذ بين الدول المنتصرة في الحرب العالمية الاولى على ارث الدولة العثمانية (الرجل المريض) بولادة غير طبيعية وفق الاتفاقات المبرمة في الغرف المظلمة دون اعتبار لشعوب المنطقة و منهم الشعب الكوردستاني الذي الحق الجزء الجنوبي بهذه الدولة الجديدة دون ارادتهم و ضرب كل آمالهم ببناء كيان سياسي مستقل لهم عرض الحائط .
الدول المنتصرة وخاصة (بريطانيا و فرنسا) كانت تعلم , بأن تأسيس العراق لا يخرج من اطار حماية مصالحهم و بسط نفوذهم , وان هذه الدولة عرضة للانهيار في أي وقت و مناعتها الداخلية في تلاحم مكوناتها و اواصرهم ضعيفة بل و يعتقد كل مكون فيها ان المكونات الاخرى يمثلون تهديداً على وجودهم و قد اثبت ذلك بالبرهان و التجربة فعندما امسك السنة بزمام السلطة حاولوا القضاء على الشيعة والكورد و بعد عام 2003 و تحرير العراق كانت النيات تتجه الى بناءها وفق المعايير الديمقراطية و الحرية و مبادئ حقوق الانسان ولكن ما ان تمسك المكون الشيعي بحكم الاغلبية دفة الحكم إلا و بدؤا بالاقصاء و التهميش للسنة و الكورد .
الدول التي كانت تملك النفوذ في العراق عرفت منذ البداية بهذا الداء لذا كانت تدخلاتها في القرار العراقي مستمراً الى يومنا هذا فما وجود (برسي كوكس و المستشاريين البريطانيين في كل وزارة عراقية منذ عام 1921 وامتلاك صلاحيات واسعة إلا دليل على ذلك وحتى الاتيان بالعائلة المالكة تمثلاً ضرباً في هذا الاتجاه , و من جانب اخر و وفقاً للقراءة السريعة للتاريخ السياسي العراقي, فما من انقلاب او محاولة القيام بها سواء كانت ناجحة ام فاشلة إلا كانت ترتبط بالخارج و مخططاتها تمر عبر سفارة دولة اخرى و الادهى من ذلك بات الاتهام بالاجندات الخارجية والعمل لصالح الدول الاخرى اسلوباً لتصفية المعارضين والمناوئين للسلطة .
التدخل الخارجي المتنوع في الاسلوب و الدرجة والمصدر, بات مظهراً من مظاهر الحكم في العراق و مرضاً يعاني منه , لأن تدخل بعضها وصلت حد العظم و انها التي تخطط و تقرر و تنفذ عبر الموالين لها او بصورة علنية مباشرة دون خجل و اعتبار للقانون الدولي والسيادة الوطنية , وتعتبر العراق بعداً امنياً و اقتصادياً و سياسياً و حتى تاريخياً و جغرافياً لسياساتها ومهماً لحماية مصالحها .
لذا فأن العراق لاتخلو من ازمات و مشاكل , و ما ان تنتهي احداها و تبدأ اكثر من واحدة بالظهور و حينها يبدأ الطرف المتضرر من هذه الازمات المختلفة بالتوجه الى خارج الحدود من اجل معالجتها لعلم كل منهم ان التدخل الخارجي يأتي بثمارها و يملك قوة كبيرة للتأثير وتغيير مجرى الاحداث في الداخل العراقي .
صحيح هناك محاولات خجولة من شخصيات وطنية معدودة لأخراج العراق من هذا المرض الفعال إلا انها تصطدم بمصالح فئات عديدة ويكون مصيرها الفشل و الاقصاء و يكلفهم حياتهم و لا نعتقد ان اثار هذا المرض تزول بسرعة لانه قائم و متجدد .
ان توجه سلطات اقليم كوردستان الى السفارات و القنصليات والممثليات الموجودة فيها عند بروز ازمة (مالية او ادارية او عسكرية …الخ) مع بغداد في سبيل ايجاد الحلول لها دليل اخر على ما ذهبنا اليه و انها تعلم بما لهذه السفارات و القنصليات تأثير على القرار العراقي الداخلي مع الاختلاف في درجتها و تأثيرها إلا انها موجودة .