خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في خطوة من إدارة “ترامب” تناقض ما هو متبع دائمًا نحو “تركيا”، حيث قال وزير الخارجية الأميركي، “مايك بومبيو”، إن الإدارة الأميركية وأوروبا بحاجة إلى العمل المشترك لمواجهة تصرفات تركيا في الشرق الأوسط، خلال الأشهر القليلة الماضية.
وأوضح “بومبيو”، لصحيفة (لو فيغارو) الفرنسية اليومية: “نتفق أنا والرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، على أن تصرفات تركيا في الآونة الأخيرة عدوانية للغاية”، مشيرًا إلى دعم تركيا، لـ”أذربيجان”، في صراع “ناجورنو قرة باغ” مع أرمينيا، وكذلك التحركات العسكرية في ليبيا والبحر المتوسط.
وأضاف أنه: “يجب على أوروبا والولايات المتحدة العمل سويا لإقناع إردوغان بأن مثل هذه التصرفات ليست في مصلحة شعبه”، في إشارة إلى الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”.
وتابع قائلاً إن زيادة استخدام القدرة العسكرية التركية مبعث قلق، لكنه لم يقل ما إذا كان على تركيا، التي تستضيف قوات أميركية في قاعدة (إنغرليك) الجوية، البقاء في “حلف شمال الأطلسي” أو الانسحاب منه.
وقال “بومبيو” للصحيفة الفرنسية إن الإدارة الأميركية ما زال لديها ما تفعله لمواصلة الضغط على “إيران”.
تصريح “بومبيو” هذا أوحى بأن هناك اتفاق “أوروبي-أميركي” لإيقاف الرئيس التركي، أو على الأقل الحد من سياساته في المنطقة، والتي يسعى لفرضها والتلويح بالقوة لكل من يرفضها.
وتعتبر “تركيا” أحد أبرز أعضاء حلف (الناتو)، ومن أقرب الحلفاء – بعد إسرائيل طبعًا – إلى الولايات المتحدة في المنطقة، وخلال عقود مضت كانت “تركيا” تسير وفق رؤية موحدة “أوروبية-أميركية” تحدد سياسة المنطقة، إلا أن الحال يبدو قد تغير، وأصدقاء الأمس أصطفوا مع بعضهم في مواجهة “تركيا”.
ويأتي تصريح “بومبيو”؛ في الوقت الذي تجمع فيه إدارة “ترامب” أمتعتها للرحيل عن “البيت الأبيض”، وعلى الرغم من أن الرئيس القادم، “جو بايدن”، وإن لم يكن قد فاز رسميًا في الانتخابات، فإن الجميع يتوقع أن يحذو “بايدن” سياسة أقسى مع تركيا، وفق تصريحات كان قد أدلى بها سابقًا.
إهانة وتدخل غير مناسب !
وكانت وكالة (بلومبيرغ)؛ قد أفادت بأن “بومبيو” لن يجتمع بالرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، أو غيره من أعضاء حكومته، خلال زيارته تركيا الأسبوع المقبل، الأمر الذي اعتبره المسؤولون الأتراك إهانة.
لاسيما أن “بومبيو” كان قد أعلن أنه سيلتقي شخصيات دينية في “إسطنبول”، لكنه لن يسافر إلى العاصمة، “أنقرة”، ما دفع “وزارة الخارجية” التركية إلى وصف تلك الاجتماعات بأنها تدخل “غير مناسب للغاية”.
وقال مسؤول تركي، لـ (بلومبيرغ)، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: “بومبيو رفض دعوة وزير الخارجية التركي، مولود غاويش أوغلو، للحضور إلى أنقرة أثناء زيارته لتركيا، وطلب من غاويش أوغلو القدوم إلى إسطنبول للاجتماع”.
كما أضاف أن “غاويش أوغلو” رفض الطلب، معبرًا عن استيائه من تجاهل “بومبيو” زيارة “أنقرة” قبل مغادرة منصبه.
وأشتملت زيارة الوزير الأميركي سبع دول هي: “فرنسا وتركيا وجورجيا وإسرائيل والسعودية والإمارات وقطر”.
ترقب حذر..
وعن التقارب الجديد مع أوروبا، قال المحلل السياسي التركي، “فراس أوغلو”، أنه تقارب يجب أن يُنظر إليه بنوع من الترقب الحذر، قائلاً: “لا يمكن أن نعتبر أن الكتلة الأوروبية كتلة واحدة، بل هناك خلاف كبير في المصالح، حتى لا يوجد منظور واحد في السياسة الخارجية لهذا الاتحاد، فإيطاليا وإسبانيا وفرنسا وألمانيا لديهم خلافات واضحة في هذا الشأن”.
ويضيف: “أيضًا الولايات المتحدة ضغطت على تركيا بشكل كبير للإبتعاد عن روسيا، وهذا واضح، فقد رأينا التقارب والتنسيق بين روسيا وتركيا في ملفات كبيرة جدًا، مثل أرمينيا وشرق المتوسط وليبيا وسوريا”.
توتر مع وصول “بايدن” للحكم..
وحول ما سينتهجه “بايدن”، تجاه تركيا، يقول المحلل السياسي، “فراس أوغلو”: “سيكون هناك توتر ملحوظ، بعد وصول بايدن إلى السلطة؛ في بعض الملفات مثل الملف السوري ودعم الأكراد، كما أن المسألة اليونانية قد بدأت تأخذ أبعادًا جديدة دينية داخلية في الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما يعمل عليه بايدن.”
ويتابع: “لكن هناك مصالح كبيرة (أميركية-تركية) لا يمكن مقارنتها مع المصالح (الأميركية-اليونانية)، فالأخيرة هي جزء من الاتحاد الأوروبي ولا تملك قرارًا سياديًا كاملاً، على عكس تركيا، فالفروقات كبيرة جدًا بين البلدين على صعيد الاقتصاد والقوة العسكرية”.
مختتمًا “أوغلو” حديثه بقوله؛ أنه: “لو حصل ضغط أميركي على تركيا؛ لن يكون شيئًا جيدًا أبدًا، فسيكون هناك تداعيات لهذا الضغط، وأعتقد أن هناك بعض التوترات القادمة بين الطرفين التركي والأميركي، مع وصول الرئيس الجديد إلى البيت الأبيض”.
فقدان الثقة بين “إردوغان” والغرب..
من جهتها، قالت المحللة السياسية المختصة بالشؤون التركية، “هدى رزق”، أن الانتكاسة في العلاقات بتغير السياسة التركية تحت قيادة “إردوغان”، مضيفة أن تركيا تختلف عما كانت عليه من قبل، والتي كانت تلتزم بما تريده الولايات المتحدة والغرب، وبعد فشل مشروع الولايات المتحدة بتسليم الإسلاميين للسلطة في مصر، حاول “إردوغان” أن يكمل هذا المشروع، على أمل أن يُعيد سيطرة تركيا على العالم العربي بواسطة الإسلام السياسي، ومن هنا بدأ فقدان الثقة بين “تركيا إردوغان” والغرب.
وأوضحت “رزق” أن: “تعمق هذا الموضوع عندما رفضت الولايات المتحدة الأميركية القيام بعملية عسكرية في سوريا، حيث سعت الأخيرة ألا يكون هناك تدخل عسكري مباشر، وإنما عن طريق آخر، وأيضًا موضوع الدعم الأميركي، لمحمد فتح الله غولن، في موضوع الفساد، فساد السلطة للحكومة التي كان يترأسها إردوغان”.
وأضافت أن: “العلاقة مع الغرب مرت بمرحلة حازمة؛ عندما كان هناك محاولة للانقلاب على إردوغان، الذي اعتبر بأن (الناتو) مشارك في هذه العملية، وأن الموضوع قام بتغطية من الولايات المتحدة الأميركية، بعد أن وصلت العلاقات مع إدارة أوباما إلى حافة الهاوية”.
ملفات الاختلاف بين تركيا وحلفائها..
وتتعدد مظاهر الخلاف بين تركيا وحلفائها في (الناتو) في مختلف الملفات، فهي تحارب الأكراد في “شمال سوريا” بينما تؤمن لهم الولايات المتحدة الدعم الكامل، بينما تسعى تركيا إلى فرض رؤيتها حول استغلال “الغاز في شرق المتوسط” في مواجهة أوروبا بكاملها تقريبًا خلف اليونان، بالإضافة إلى نقاط أخرى من “ليبيا” إلى “مالي” وغيرها، والتي تقف فيها كل من تركيا وفرنسا وجهًا لوجه.
وتعتقد “هدى رزق” بأن الخلاف أعمق من ذلك، وتتحدث عن بدايات الخلاف وتقول: بدأ الخلاف بعدما ألغى “إردوغان” النظام البرلماني واعتمد النظام الرئاسي في تركيا، وأوروبا ترى أن “إردوغان” أبتعد عن الديمقراطية ومسائل استقلال القضاء وغيرها، ومن جهة أخرى كان هناك مشكلات أخرى كبيرة، قد تكون أولها التقارب الكبير مع “روسيا”، والذي ترى فيه أوروبا العدو الأبرز لها.
وتستطرد قائلة: “أيضًا طرأت ملفات عديدة، على العلاقات مع أوروبا تحديدًا، وخصوصًا فيما يتعلق بمنطقة شرق المتوسط، وشمال إفريقيا وغيرها من المناطق التي لفرنسا، تحديدًا، نفوذ كبير فيها، فترى فرنسا فيه منافسًا إسلاميًا يُحرض عليها، ويحاول أن يحل مكانه، كما فعل في ليبيا مثلاً عندما دعم حكومة الوفاق ضد خليفة حفتر”.
وتواصل “رزق”: “نرى أن إردوغان قد حاول عرقلة مشروع الغاز بين مصر واليونان وقبرص، وذهب وعقد اتفاقية مع ليبيا حول الحدود البحرية، وأيضًا أثار موضوع الجزر اليونانية واعتبر أن تركيا ظلمت في هذا الموضوع، وزار مؤخرًا قبرص، ولا ننسى هنا أن قبرص واليونان عضوان في الاتحاد الأوروبي”.
وتستدرك قائلة: “لذلك ترى أوروبا والولايات المتحدة الأميركية؛ أن لدى إردوغان مشروعه الخاص، ويقول أن تركيا دولة إقليمية قوية لديها استقلالها ولديها الحق بأن يكون لديها مشروعها الخاص، وتدخلها الأخير بيّن أن إردوغان يتدخل في أي منطقة صراع في المنطقة، بحجة المصالح الاقتصادية أو القومية أو غيرها”.
تحاول اللجوء لروسيا..
وترى “رزق” أن: “إردوغان الآن يحاول اللجوء لروسيا والتحالف معها، ويقول بأن هناك خطوط جديدة في منطقة شرق المتوسط ومنطقة القوقاز، ويحاول الاستعانة بروسيا في المسألة الليبية وأذربيجان، لكن السؤال هل روسيا مستعدة لمساندة إردغان”.
وتضيف أن: “روسيا لا تثق فعليًا بإردوغان، وكما قال لافروف ليس هناك تحالف استراتيجية مع تركيا، بل هناك تحالفات حسب المنطقة، وأعتقد أن روسيا ستكون أقوى في تحالفها مع إردوغان، وهي تعي أن بايدن والديمقراطيين يقفون ضدها كما يقفون ضد إردوغان، لكن الغرب يحتاج إلى تركيا”.