بالقدر الذي يلعب الغرب دوره في استخدام الجماعات الإسلامية المتشددة تتوزع دول المنطقة طائفياً . هذا التوزيع الطائفي لملمته ظروف التغيير العربي الذي وصل الى المنطقة بحكم العولمة والتكنولوجية العابرة للحدود. الا انٌ وكما يبدو شعوب المنطقة لم تصل لمرحلة الاستعداد والنضج للاستفادة من التغيير, او على الأقل كان التغيير متعباً في الدول التي غيرت أنظمتها ، ولم تأت بنتائج جيدة لشعوبها.
ان العوامل المتقادمة تزيد من مخاض مراحل متوالدة ، واحدة أسوأ من الأخرى ، ولم يكن التدخل العسكري المرتقب في سوريا اخر السوء. فأحوال المواطن العربي من أيام الدكتاتورية الى أيام أصحاب الرايات السود لم يُطعم من جوع ولن يُؤمٌن من خوف, بل ازداد عدد النازحين وحل الخراب والموت بين افراد العائلة العربية القاطنة في تلك الدول.
استيعاب الوضع الجديد غربياً ممكن عن طريق تفكيك نظام الدولة في العالم العربي وتركه نهباً وسلباً للجماعات الإسلامية المتطرفة. وكان جزء مهم من الخطة استخدام حركة اخوان المسلمين (كونترول) لتلك الجماعات التي ستتقاسم الدول المتفتتة وطنياً . بين ايران النووية الطموحة وسوريا المحترقة والعراق المفكك وحزب الله المقامر من جهة وتركيا وقطر والأردن والعربية السعودية من جهة اخرى هناك هاجس من الخوف وانعدام الثقة ، والعداء بين الجبهتين يتغذى طائفياً على تناقض المذاهب الإسلامية في المنطقة . أصحاب الرايات السود في كل يوم يلقون القبض على أبرياء ممن ساقهم حظهم العاثر للوقوع بايدي الإرهابيين السلفيين الرافعين رايات الإسلام السلفي فيذبحوهم امام عدسات الاعلام ، وتلك كانت رسائل موجهة زادت من التخندق الطائفي.
تحويل الاجندة الطائفة الى اجندة سياسية اصبح طموح لكلا جبهتي الصراع. فالجبهة الإيرانية تمكنت من صناعة قواعد عسكرية وبشرية في المنطقة عن طريق التعبئة المذهبية ، وكذلك تمكنت من توسيع دائرة تحالفاتها لتشمل روسيا والصين وكوريا الشمالية وبعض دول أمريكا اللاتينية. بالمقابل فان الجبهة التركية ايضاً حصنت نفسها بتحالفات إقليمية وتسللت الى الجماعات السلفية المسلحة لتستخدمها ورقة لتصفيات اعدائها واضعاف جبهة ايران كما يحصل الان عن طريق تخريب الدولة العراقية وتعرض شعبها الى الهجمات الانتحارية اعتقاداً منهم بان شيعة العراق يمثلون امتداداً للطموح الايراني. يضاف الى التحالف الإقليمي ايضاً استطاع هذا الفريق كسب أوروبا والولايات المتحدة في الصراع الى جانبه. فايران المتمردة غربياً لا يمكن الوثوق بها من ناحية الحفاظ على امن إسرائيل وحماية مصالح الغرب في المنطقة، من هنا كان فريق تركيا وقطر وبقية الحلفاء يبذل جهوداً جبارة لاستقدام الالة العسكرية الغربية لاسقاط حكومة دمشق وعلى وجه السرعة وقد وجد الاذان الصاغية في الغرب لسببين :
الأول العداء لإيران ، والثاني قطع الدعم عن حزب الله. أي ان سوريا لا تهم الغرب بقدر مايهمه مواجهة ايران والتخلص من حزب الله لضمان امن إسرائيل. وهذه الاسباب تناغمت طائفياً مع فريق التحالف التركي مع الدول السنية . والذي حث الخطى بهذا الاتجاه هوسقوط الاخوان المسلمين في مصر حيث غير مجرى الاحداث ولربما سيجدون في ارض الشام البديل عن ارض مصر ليحكمها الإسلاميون السلفيون الذين سيكلٌفون بمواجهة عدوهم التقليدي من القوى الشيعية . السلفيون القادمون سيجد الغرب لهم رئيساً اذكى من محمد مرسي الذي قرب نهاية الاخوان وكان مفضوحاً بالتحالف مع تركيا واميركا وإعلان العداء الى الشيعة. الشعب المصري كان اوعى منه ورغم الفقر الذي يضرب اطنابه في مصر تمكن الشارع المصري من قلب الطاولة بوجه الاخوان والغرب وأوكل حكم مصر الى الجيش.
المتتبع لخارطة القبائل العربية والكردية التي تقطن من شمال سوريا في القامشلي ودير الزور والحسكة ودخولاً الى الأراضي العراقي في الموصل والرمادي وانتهاءاً بالمناطق الحضرية القريبة من بغداد والتي تسمى بمناطق محيط بغداد تعتبر نسيجاً شعبياً ملوناً طائفياً ودينياً وقومياً من السنة والشيعة والاكراد والمسيحيين والشبك والايزيدية وغيرها من الطوائف. والمفارقة بالامر ان هذه المناطق تكثر فيها الجماعات الإرهابية والسلفية المسلحة وهي مناطق متمردة اساساً ضد الحكومة العراقية بالنسبة للجزء العراقي، اما الجزء السوري فهو يخضع الى الجماعات المسلحة منذ المواجهة مع حكومة بشار الأسد ، وقد تبين في الآونة الأخيرة ان الجيش السوري الحر اخذ يدخل بمواجهات مع هذه القوى ويفتح جبهات تزيد من تعقيد المشهد السياسي للثورة والمعارضة السورية. ان مستقبل هذه المنطقة ستنظم الى الخارطة الطائفية وخصوصاً تشكيل غالبيتها القبائل السنية التي تنجر تحت تأثير الاعلام والدعم الموجه الى تأييد القوى المتشددة. وفي نظرة مستقبلية لهذه الأوضاع ستشكل سيطرة الجماعات الإسلامية على تلك المنطقة انتصاراً لتركيا، لان تركيا التي تعلن سنيتها مقابل شيعية ايران ستجد قواعد لها يديرها السلفيون وستسيطر عملياً على تلك الأراضي الشاسعة والمليئة بمصادر الطاقة.
الخارطة السياسية الجديدة ستحول المنطقة الى كانتونات تديرها الجماعات المسلحة وستتحول الى امارات إسلامية منشغلة بالصراعات الداخلية على مناطق النفوذ والاتاوات وستاتي الشركات الكبرى لاستخراج النفط وتقاسمه مع اُمراء الكانتونات المسلحة من دون إعادة اعمار او إقامة نظم سياسية تحتكم الى القانون وتبتعد عن شكل الدولة الحديثة حيث الجماعات الإسلامية معروفة بجهلها وارهابها ولاوطنيتها وهي مستعد لذلك مقابل دعمها على الأرض والفتك باعدائها الكفرة من المذاهب الاخرى. في هذه الحالة ستُخلق جبهة واسعة مع حزب الله بغرض القضاء عليه او على الأقل مشاغلته عن التعرض الى الامن الإسرائيلي. اما الغرب فسيكون بمأمن من الإرهابيين لانه وجد لهم مايشغلهم وتلك افضل نهاية للحرب على الإرهاب الذي يتبناه الغرب والولايات المتحدة.
الخارطة الطائفية الجديدة مفيدة جداً لمحاصرة ايران وضعضعة العراق وتفكيك سوريا وحرق لبنان ومحاصرة مصر ، وهناك ايضاً تنامي للتيارات الإسلامية المسلحة في سيناء لفتح جبهة مع الجيش المصري، ناهيك عن تهيد مصر وقطع المعونات عنها ووضعها في سكة التفكك الوطني كما يحصل في العراق وسوريا ولبنان . لكن هذه الخارطة الطائفية الملتهبة ستضع المنطقة تحت مطرقتها لفترة زمنية قد تطول لنصف قرن من التلاشي والاضمحلال ولربما تركيا وايران تبقى دول متماسكة لفترة زمنية محددة ولها اليد الطولى مع حلفائها لاستمرار حرق المنطقة العربية. لا احد سينجو من الانضمام الى الخارطة الطائفية ولا احد سنجو من نارها والخوض بصراع مخيف يعتبر نوع من أنواع الحروب القذرة التي لا تبقي ولا تذر.