عندما دخلت التنكنولوجيا الحديثة وبالخصوص الانترنيت أعطت الانسان الكثير ولكن في نفس الوقت جردته من الكثير خصوصا فيما يتعلق بعلاقة الانسان مع الطبيعة. اما في العراق فلابد ان يضاف الى ذلك ما نتج عن الحروب والأزمات المتلاحقة منذ عام ١٩٧٩ والتي تسببت بمآسي عديدة للذين بقوا والذين هاجروا او هُجروا.
لقد كانت الحياة بسيطة ولها نكهة مميزة مستوحاة من تناغم الطبيعة مع الانسان. كنا نعيش في أحضان الطبيعة في ليلها المزدان ببريق النجوم الساطعة والمجرات التي تبدو كحبات اللؤلؤ المرصع وقمرها البهيج الذي يبعث بخيوطه الفضية التي تضفي ببريقها على مساحات شاسعة من الاهوار والمسطحات والانهار وسعف النخيل دون منافس ولا حاجة لكهرباء او ضجيج. لوحة سريالية تبدو كجنة من الخيال لاتسمع فيها الا بعضا من نقيق الضفادع وتخاطب الحشرات فيما بينها وحركة الطيور في اعشاشها حين تحرك أشجار وسعف النخيل وربما نباح كلب من بعيد قد احس بما لايحسه غيره. وقبيل ذلك عند الغروب قد تسمع صوتا لهاون يرن ثم ترى ناراً في مضيف وكأن النار والهاون يدعوانك وغيرك للمجيء فهناك يطيب سمر الليل مع القهوة العربية والشاي وربما الرطب في الصيف او التمر في الشتاء. ليل ليس فيها تلفاز ولا حاجة فيه للكهرباء لانها تفسد سكونه ونغماته الطبيعية المختلفة. في هذا الليل وسكونه تسير الحياة ببطء غير مكترثة بما سواها ولايوجد ما يعقد بساطتها او يعكر صفوها ربما الا مذياع يتم ضبطه بتأني وحذر على إذاعة هنا لندن وساعة بگبن لسماع ما يرد من اخبار من هيئة الإذاعة البريطانية. ورغم ذلك فأن الحديث قد يشمل العالم كله من العربي الى الغربي الى الأقمار الصناعية وبشتى المجالات.
اما في نهاره فهو تفاعل اخر بين الطبيعة والناس تتنافس فيه الناس بشكل شريف ومتناسق لكسب قوتها الذي يكفيها ليومها ولاتفكر بما يتعب قلوبها لما بعد ذلك فالحياة بسيطة لاتحتاج الى اكثر من ذلك. ذلك تطبيق لمقولة (اذا نمت آمنا وملكت قوت يومك كأن الدنيا قد حيزت اليك). وفي الريف عندما تسطع الشمس تبعث بخيوطها الذهبية فوق المسطحات المائية وكأنها تبعث فيها الحياة وتنتشر الطيور بمختلف أنواعها فهي الوحيدة التي تهاجر ثم تعود بنسق طبيعي متكرر اما اليوم فالذي يهاجر هو الانسان العراقي مجبرا. في الصيف قد تستظل تحت ظل نخلة لتستمتع بنسيم بارد يهب من الشمال او لترتاح مع نسيم يهب من الشرق يكون اكثر رطوبة ولكنها ممتعة. وفي كلا الحالتين تعزف لك النخلة انغام مهدئة للاعصاب عندما يمر عليها ذلك النسيم المتهادي. ولعل هذه النخلة تقع على ضفاف نهر يمنحك هديره نوع اخر من الهدوء وقد ترى فيه انوع من السمك الذي يقفز الى اعلى ثم يعود. اما في وقت الرطب فلابأس ان تتسلق واحدة من النخيل لتستمتع باكل رطب يعجبك مثل الخضراوي او الاستعمران او البرحي او غيرها. واذا رغبت فلك ان تعمل (هندال) من ورق سعف النخيل وهو سلة صغيرة لتأخذ الرطب معك الى البيت فتتناوله مع الزبدة واللبن وجميعها طازجة. وعندما تحتاج الى قيلولة فهناك المضيف يهب من خلال نوافذه نسيم عذيب يدخل عليه من اطراف الاهوار هواءً عليلا له مفعول منوم.
اما في الشتاء فلابد ان تندمج مع تلك الطبيعة الخلابة بامطارها الرعدية ورياحها العاتية وارتفاع منسوبات المياه في الاهوار والانهار والوديان. وقد تتسمر امام موقد النار مع جدتك التي تقص عليك قصصا مخيفة عن (السعلوة والطنطل والگرطة وتناسخ الأرواح وما شاببها) من قصص تساق لك وكآنها واقعية ولكن لحديثها حينها رغم الخوف نگهة خاصة تتناسب وجو الشتاء الذي تصدر منه أصوات غريبة تتفكر فيها بشتى المذاهب.
كانت الحياة غاية في الجمال والبساطة والروعة رغم قسوتها أحيانا و اليوم اصبحنا نبحث عن تلك الطبيعة في اليوتيوب التي تقوم بتسجيل أصوات الليل او البحر او ما شاكل ولكن شتان بين هذا وذاك. اما في العراق فقد فقدت الطبيعة أهميتها وجمالها لانها كغيرها تعرضت للاهمال والتخريب والنسيان واذا كان فساد المفسدين الذين يحكمون قد دمر ضرورات الحياة الأساسية فما بالك بغير ذلك؟ لله درك ياعراق…..