لمصر بين الامة الاسلامية شأنٌ لا يدانيه بلد ولا ينافسه أحد ، يحبّ المسلمون مصر لأمر ما في نفوسهم و يقصدونها من كل صوب حول العالم المترامي الاطراف ، يظن بعض العرب ان الله يحب مصر فقد كانت الاكثر ذكرا في القرآن و في كتبه من بين البلدان ، و الاعجب من هذا انه لن يغيّر من حبك لمصر حتى قدومك اليها و رؤية غرابة و سلبية التعامل من كثير من ابنائها تجاهك ، و هو ما يترك اثرا سلبيا صادما عادة في نفس كل زائر لبلد كان يظنها في وجدانه شيئا اخر ويضع لأهلها في خاطره صورة اجمل .
الا مصر ، فانك تحبها مهما قست و تدنو اليها مهما بعدت كمثل محبوبة توغل في الصدود و سوء الطباع والنّفْرة فلا تزيد المحب الا ولعا ، ان كان قد نسي ان يثأر لكرامته رجلا .
فلمصر استقرار المحبة في النفوس التي تعرفها او تسمع عنها ، و لمنارتها العلمية الاسلامية (الازهر الشريف) توقير مثل ذلك ، لايدانيه في الفضل حتى من هو اقدم منه و اقدس ، فلا دار الحكمة في بغدادَ الام لكل مدارس الفقه والعلم و لا جامعة الزيتونة في مغرب العرب ولا القيروان ، استحوذ الازهر الشريف على قلوب المسلمين و علا صيته فوق جامعات بلاد الحرمين و مراكز علمها الاسلامي ، و ذاك كله مستمد من حب الناس لمصر و من شهرة نباهة ابنائها و علومهم و محافظتهم على اصول العلم منذ قديمه الى اليوم ، و ذلك عِزٌّ و الله و فخار .
و لكن للازهر العظيم منغّصات و حوله من بسيط الامور ملحوظات ، فليس لصرحٍ مجيد كهذا ان يتعامل مع ابنائه و رواده و مريديه و قاصديه من بقاع الارض بالصيغة التي رايناها ، ولا بالطريقة التي لمسناها ، تُرك امر تسيير الامور الادارية و الامتحانية فيه لمن هم ليسوا اهلا لذلك و لا كفأً لمنارة عظيمة كهذه ، فسيظن الزائر غير المتعمق و الوافد غير المتشبث بعلم الازهر و حب مصر ان هذا هو غاية مافيه من علم و معرفة ، فيعمى عن مافي اروقة الازهر وقاعاته من اساتذة عظام و مشايخ اعلام مازالوا يرفدون الامة الاسلامية بعلومها المحفوظة و ينقلونها بامانة للاجيال الجديدة من طلبتهم قبل ان يورثوها لهم اطال الله بقاءهم و نفع بهم .
فقد نقل لي من اثق بكلامه و اشهدت عليه غيره ان الطالب كثيرا ما يُظلم هناك و يكون ضحية لاجراءات غير منظمة تنظيما حديثا يليق بصرح علمي كهذا يستحق مجاراة احدث الانظمة العالمية ، كما و ان المتصدر للمشهد امام الطلبة و الوافدين في امتحاناتهم و شؤونهم الادارية هم مُستخدمون ليسوا ازهريين في الاصل كما فهمت ، و هذا ادى الى تصرفات تنعكس على الازهر و تحسب عليه ، و الازهر و عمداء كلياته و اساتذته منها براء ،فهؤلاء انغمسوا في اداء رسالتهم العلمية و لاشان لهم في امور ادارية .
و لكن للنفس المُحبة ان تتمنى ان يلبس الازهر ثوبا ازهرا زاهرا يليق به و بعطر العلم الذي يفوح من بين جنباته في كل رواق و على كل مقعد من مقاعده القديمة المتهالكة ، فيأمن الطالب للعلم على مصيره و جهده و ذهابه و مجيئه و سنوات عمره التي ربما اضاعها خطأ اداري او اتلفها تصرف اجرائي او ظلم تنظيمي او رد فعل آنيّ عاطفي ، فيعود الطالب مكسورا مقهورا آسفا مكلوما ، لا ذنب له في ذلك ولا جريرة . وهذه امور صغيرة و لكنها كبيرة الاثر ، و “ان الشيطان قد يئس ان يعبد في ارضكم هذه ولكنه رضي بما دون ذلك مما تحقرون من اعمالكم” و “إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالاً يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب” او كما قال عليه الصلاة و السلام .
اللهم احفظ مصر و أهلها و أزهرها و ارشدنا طريق الصلاح .