17 نوفمبر، 2024 4:55 م
Search
Close this search box.

“المشتكى لله”

“المشتكى لله”

إنه لمن المؤسف حقا في عراقنا اليوم، أن نرى كثيرا من ساستنا في الكتل السياسية، قد نأوا عن العمل الصالح أيما نأي، واستبدلوه بأعمال لاتمت الى العرف الإنساني والوطني ولا الى الضمير بصلة، وآثروا عليها المصالح الشخصية والمآرب الخاصة، وخدمة أسياد لهم جنّدوهم لأطماع شتى، بين مادية وسياسية وإقليمية فضلا عن العرقية والطائفية، هاملين مصالح من اصطبغت أصابعهم تأييدا بنفسجيا لهم، متغافلين عن مراعاة حقوق الفرد من رعيتهم، فارتدوا لباس الراعي المسؤول عن الرعية وهم يبطنون غير ذلك، وتقوّلوا بالكلام السليم وحادوا عنه، وأطلقوا الوعود المعسولة وأخلفوها، وشمروا عن سواعدهم بعهود موثوقة فخانوها، وأقسموا على إحداث التغيير فحنثوا القسم، وادعوا الإصلاح وأشاعوا الخراب، ومازال ديدنهم هذا لغايات لاتخدم البلاد ولا العباد، وتركوا المواطن يبحث عن بدائل وحلول في (صناديق الشكاوى) و (أمام أنظار المسؤول) وصفحات (هموم المواطن) ناهيك عن رفعه شعار؛ (المشتكى لله) بعد ان أيقن انه رفع شكواه الى من به صمم.
لم تشهد محافظات العراق منذ نشأة الدولة العراقية مأساة مثل ما تشهده اليوم، مع احتفاظها بنصيبها ورصيدها من الظروف العصيبة والبلاءات المتنوعة، حتى بات العراقي يحاكي بيت الشعر القائل:
ليس البلاء عندي صنفا واحدا
عندي بحمد الله منه صنوف
فلطالما عصفت بمحافظاتنا رياح المشاكل السياسية، من جراء صراعات ساسة البلد في حلبات مجالسه الثلاث، فضلا عن الأزمات الاقتصادية التي تهز أركانه بين حين وآخر، وقطعا أشد البلاءات كانت تأتي من الداخل، على أيدي عراقيين شاءت الصدف او الحظوظ ان يتسنموا مناصب مرموقة، او سلطة بشكل من أشكالها، أو جاها على الصعيدين السياسي والديني، فراحوا يعيثون في العراق فسادا، حتى صيروه هدفا شاخصا امام الطامعين، ولقمة سائغة أمام المغرضين على اختلاف أسبابهم وغاياتهم.
والتاريخ الحديث زاخر بمثل هؤلاء الأشخاص، منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 حتى يومنا هذا. إذ نرى بين الحين والآخر بروز شخصيات تحمل الجنسية العراقية، وتنطق من اللهجات البغدادية او المصلاوية او الأنبارية او البصراوية، او تتكلم اللغة الكردية، إلا أنها في حقيقة الأمر تعمل ضد العراق، وضد العراقيين من محافظاته وقومياته كافة. وفي الأحوال كلها، فان المتسلط على حكم فئة او مجموعة او بلدة، ومهما كبرت او صغرت الرقعة التي يحكمها، فهو مسؤول عن كل ما يحدث لرعيته وما يتعرضون له، ومن صلب واجباته الوطنية والأخلاقية درء الشرور والأضرار عنهم من أي مصدر تأتي منه، وقطعا هذا النهج يسير على خطاه الإنسان السوي حصرا، إذ أنه يدخل في حساباته مسؤوليات الراعي تجاه الرعية، كذلك مسؤوليات الرأس أمام المرؤوس، ويكون العمل الصالح وإتقانه ديدنه وخطته في جداول أعماله، وستثمر بالتالي حساباته هذه عن معطيات ونتاجات تصب في صالح الجميع. أما لو كان غير سوي فإنه سيضرب كل هذه القيم والمبادئ عرض الحائط، وسينأى عن طريق الصواب بكل أشكاله.
اليوم ونحن مقبلون على مرحلة انتخابات مبكرة -إن صلحت النيات- وتسمية رؤوس و (صماخات)، يتوجب على القائم بذلك اتباع الوسائل بما تؤول اليه نتائجها، وقطعا لن يكون هذا إلا بالحزم في القرار، والصرامة في وضع المعايير والمقاييس على يد المفوضية العليا للانتخابات، والحدية في انتقاء الشخوص من دون الانصياع الى ضغوط هنا او مصالح هناك، إلا إذا كانت لصالح البلد والعملية السياسية.
[email protected]

أحدث المقالات