5 نوفمبر، 2024 8:40 ص
Search
Close this search box.

علاقة شاذّة ..

ألأشدُّ إيلاما ًبين ركام الجروح التي أثخنت جسد الشخصية العراقية وهي تترنح وسط أناشيد الخراب باصواتها النشاز،مكانتها التي تضاءلت كثيرا لدى دول العالم،فلم يعد أمرا ً ميسوراً لأي عراقي الدخول الى أيّ بلد اجنبي،وهذا الامر ينسحب على المثقفين أيضا،من شعراء وأدباءومفكرين،حتى لو تمَّت دعوتهم من قبل جهات ثقافية في تلك الدول للمشاركة بشكل شخصي في فعاليات فنية وثقافية،فالكل مغضوب عليهم،سواء بسواء.
العراقي أمسى في حسابات الدول الاجنبية منذ مطلع تسعينات القرن الماضي أي منذ غزو الكويت في 2 آب عام 1990 شخصا لاقيمةَ ولامكانة له مقارنة مع مواطني دول أخرى قد لانعثر عليها فيما لو بحثنا عنها على خارطة الكرة الارضية،وإلاّ مامعنى رزمةَّ الشروط والمستمسكات التعجيزية التي يتوجب عليه الايفاء بها في حالة تقديمه طلبا للحصول على تأشيرة دخول لأي بلد أجنبي! ؟ والشروط التعجيزية تلك لها معنى واضح: انت شخص غير مُرّحب به. سواء كان الحاكم صدام أم  المالكي.
السبب في هذا الوضع المهين لنا كعراقيين هو غزو الكويت رغم مضي مايقرب الربع قرن على هذا الحدث الجلل، مما يعني أن المسؤولية بأستمرار هذا الوضع لم تعد مقصورة على النظام السابق بل تتحمله أيضا الحكومات العراقية التي جاءت بعد العام 2003. أولاً لانها لم تحاول أن تصحح العلاقة مع دول العالم.وثانياــ وهو الأهم ــ لم تصحح العلاقة الخاطئة مع المواطن،بل بقيت تضرب عديد الامثلة يوميا،لتؤكد من خلالها على عدم أحترامها لآدميّة مواطنيها.
لذا من الطبيعي أن تكون نتائج هذه العلاقة الشاذة مابين الحكومة والمواطن، أن لاتحترمنا دول العالم عندما نتوجه نحو سفاراتها طلبا لتأشيرة دخول.لأنَّ كرامتنا ومكانتنا تكتسِبُ شكلها وطبيعتها من حقيقة العلاقة التي تلتزم بها حكوماتنا تجاهنا. فمالذي تغيّر في اخلاقيات السلطة بعد العام 2003 ؟ هل تم تفكيك منظومة الاحتقار المتراكمة في خزائن الحكومات العراقيةالمتعاقبة ضد المواطن ؟
 في حقيقة الأمر لم يتغير شيء من هذا،إنّما إزداد الوضع سوءا ًبعد سوء،وباتت تلازم العراقي قناعة قدريّة،تجعله يشعر وكأنه يُعاقَبُ على جُرم كبيرٍ قد أرتكبهُ وهو لايدري ماهو هذا الجرم !
أزاء هذه الدوّامة،يبدو الفرد العراقي أمام نفسه وأمام السلطة وأمام العالم كائنا هُلاميا ً لم تكتمل شروط المواطنة في وجوده على بقعة الارض التي ينتسب لها ومازال يواصل جدليّة مُكابدات أسلافه التي لم تنتهي إلاّ بموتهم ونومتهم الابدية تحت ارض عذّبتهم مع أنَّهم تعذبوا لأجلها ودفعوا أعمارهم ودماءهم فداء ً لها ولم يخونوها ولادنّسوها مثل بعض الساسة والزعماء من ابناء جلدتهم،ورغم ذلك لم يكتسبوا شرف المواطنة الكاملةعليها،وبقيت منقوصة يعوزها الاثبات.وقدإزدادات المستمسكات والوثائق والهويات التي يتوجب على المواطنين حملها كلما خرج أي واحد منهم من بيته متوجها ً الى عمله لكي يدفع بها إلى نقاط السيطرة والتفتيش أوعند مراجعته لأي دائرة حكومية،فلايكفي بطاقة السكن،ولاالبطاقةالتموينية،ولابطاقة الاحوال المدنية،ولابطاقة الجنسية العراقية،ولاالبطاقة الحمراءولاالبطاقة الخضراء،ولابطاقة الاقامة،ولابطاقة المُهجَّرين،ولابطاقةالنازحين. كل هذه الدلائل الدامغة التي تثبت عراقيته وأصْله وفَصْله ودينه وطائفته ومذهبه وعشيرته لاتكفي لأثبات مواطنته،ليجد نفسه غريباً مُستَلبَاً في لحظة واقعية يعاد تكرارها عليه، فيبدو وكأنَّه معلقٌ في فراغ موحش من قدميه،ولايجد شفاعة تنقذه مما هو فيه ،لاطهارة يديه ،ولا سجله النَّظيف من الجرائم المُخلة بالشرف،ولاأشعاره التي تتغنى بحب الوطن،ولاسنيِّ عمره التي قضاها خلف السواتر دفاعا عن حدود البلاد،ولا صبره العظيم على الحصار الدولي ثلاثة عشر عاما ولاشهادته العلمية،ولادم أخيه الشهيد،ولا جوعه، ولا  تهجيره. وفي مثل ساعات عراقية كهذه نمرُّ بها في حياتنا تعوّدنا نحن البسطاء أن نسمع صوتاً خفيا ً يتردد صداه في داخلنا:- أنك لاتساوي شيئا.
عندها تنظر إلى نفسك،فتكتشف بأنّك عارٍ،ومامن شيء يحميك،لاقانون ،لاسلطة،لانظام،لاشرائع سماوية.فما عليك وانت في هذا الموقف الذي لاتُحسَدُ عليه إلاّأن تنزوي جانباً،يسكنك الغَمُّ والهَمْ،وشعورٌ بالمرارة يلتصقُ بسقفِ حلقك،فتنطفىء لديك أيّ حاجة أنسانية،حتى حاجتك لشرب الماء،فأنت لم تعد بحاجة إليها،لأنك تتمنى الموتَ ساعتها  .

أحدث المقالات

أحدث المقالات