قبل أيام في واحدة من القنوات التلفازية المصرية سمعت شيخ ازهري يقول : لاعودة لزمان الميني جوب وظلمته فهو زمن الملحد جان بول سارتر والشيوعي برجنيف وخليعات السينما الفرنسية …وزمن مايوهات سعاد حسني ونادية لطقي وتحية كاريوكا..!
قلت :يبدو أن الشيخ الازهري متابعاً جيدا لما يطلق عليه زمن الميني جوب ، وحتما هو يقصد زمن سبعينيات القرن الماضي..وقد اخذت تبريراته تنساق وراء تلك التنورة التي تصل في طولها نزولا الى منتصف الفخذين والتي صارت موديلا للثياب القصيرة في الغرب والشرق على حد سواء ، وحتى في الجنوب الملتزم اجتماعيا كجنوب العراق كنا ونحن صغارا نشاهد الكثير من بنات الثانوية والجامعات ومعلمات المدارس السافرات وقد ارتدين الميني جوب .
لم يكن ماترديه النساء سوى تقليد لموضه بسبب طبيعة الحياة الاجتماعية في ظل ما كان يطلق عليه زمن الثورات القومية بشكلها اليساري ومحاولة الثقافة العربية الاقتراب كثيرا من الحضارة الاوربية وصرعاتها الثقافية والاجتماعية ومنها الازياء والسينما والسلوك الذي بشرت فيه بعض المذاهب كالوجودية والسريالية والاشتراكية كما في موسيقى البيتلز وتقليعة الشعر الخنافس والحماس اليساري القادم من كراسات هوشي منه وجيفارا وكيم ايل سونغ ولينين وماو وروايات كولن ويلسن وافلام السينما الايطالية الجديدة وافلام يوسف شاهين والأفلام الفرنسية التي كانت تسوق اغراءها المثير من خلال اجساد مارلين مورنو وبرجيت باردو وكاترين دينوف وكلوديا كردنالي وراكيل ولش ورومي شنايدر ولولو جينا بريجدا وغيرهن.
ومهما يكن فأن قيم زمن الميني جوب لم تكن قيما يسودها عنف فتاوي الموت الغريب ، فتاوي الاجساد الانتحارية وتفجير تماثيل بوذا والاحزمة الناسفة والسيارات المفخخة وكواتم الصوت والميل الى اقصاء الاخر بصفة المذهب لاالعقيدة .
لست هنا لابحث عن سبب اختلاف العقائد وما نتج عنه فلقد أتت العولمة وانتهت ازمنة اليسار الذي ادعى انه المخلص الروحي لازمنتنا مع المستعمر الانكليزي والفرنسي ولتتحول شعارات تلك الثورات الى عروش للدكتاتوريات ونهب الثروات وصناعة الحروب الطويلة.
عصر الميني جوب كان عصر رفع الثوب الى مافوق الفخذ ولكنه كان عصر ثقة مرتدي هذا الثوب بنفسه حتى في اباحية العري فيه . فلقد كانت تلبسه الدكتورة وموظفة البنك واستاذة الصف وطالبة الثانوية حتى وأن غابت فيه الحشمة ولكن المجتمع لم يتجاوز على مرتديه إلا في حدود النقد كونه مخالفا لصورة الزي المحتشم في المجتمعات المسلمة ولقد اختفى هذا الزي بصورة تدريجية في القناعات الجديدة لتغير المجتمعات دون الحاجة الى تهديد وخنجر وعبوة لاصقة وكاتم صوت.
الميني جوب …أختفى وفي قداس المعتقد وتعاليمه لم يعد له ، لاعودة قريبة ولابعيدة فقد تكيف عالمنا الاسلامي على هاجس ردة الفعل من كل اثار العلاقة الحضارية بين الشرق والغرب وصارت النظم السياسية الاسلامية المحافظة والمتطرفة هي من يسيطر على المشهد ليولد في حياتنا الاسلام السياسي الذي نال في نجاحه الافت للنظر ثمار ما يسمى اليوم الربيع العربي بعد ان سبقتهم ايران في ذلك قبل قبلهم بحوالي ثلاثين عاما ..وتونس ومصر خير مثال لذلك…
زمن الميني جوب الذي يحذرنا الشيخ الازهري من العودة اليه عدا فضيحة ما فوق الركبة كان زمنا منتجا في روعة متغيراته الحضارية فهو عصر طه حسين وعبد الباسط عبد الصمد وام كلثوم وسلفادور دالي وبايدر مانهوف وكوفية ياسر عرفات وسباق الصعود الى القمر والتراجم الادبية الرائعة ( هاملت ، كافافيس ، سان جون بيرس ، يولسيس ، وقمر شيراز للبياتي) وأشياء تبدو في روعتها حلما لأطياف ملونة ومنتجة ولا تعرف ما يفكر فيه جنود طلبان اليوم….!