خاص : كتبت – نشوى الحفني :
بشكل مفاجيء، قدم “براءت آلبيرق”، صهر الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، ووزير مالية البلاد، استقالته بعد يوم واحد من إقالة محافظ البنك المركزي.
هذه الاستقالة لواحد من أقوى المناصب الوزارية؛ أصابت الحكومة بالصدمة وأغضبت بعض أعضاء الحزب الحاكم، الذين يقولون إن طبيعة رحيله تضر بالرئيس.
أشرف وزير المالية والخزانة المستقيل، “براءت آلبيرق”، على السياسة الاقتصادية خلال عامين مضطربين عانت خلالهما تركيا من ركود اقتصادي وجائحة (كوفيد-19) وهبوط قيمة “الليرة” 45 في المئة.
وكان يعتقد الكثيرون في تركيا؛ منهم مسؤولون في حزب “العدالة والتنمية”، الذي يتزعمه “إردوغان”، أن الرئيس كان يعد “آلبيرق”، (42 عامًا)، وهو رجل أعمال سابق، لزعامة الحزب مستقبلاً وربما لخلافته في الرئاسة.
استقالة لأسباب صحية..
إلا أن “آلبيرق” قال، في بيان استقالة غير معتاد نشر على (إنستغرام) يوم الأحد؛ إنه يتنحى عن منصبه، وذلك بعد يوم من عزل “إردوغان”، محافظ البنك المركزي، وتجاهل المرشح الذي يفضله “آلبيرق”، على حد قول مسؤولين.
وقال “آلبيرق”، في بيان الاستقالة؛ التي لم يوجهها لـ”إردوغان” بل وجهها للشعب: “قررت عدم مواصلة مهامي كوزير بعد خمس سنوات في المنصب لأسباب صحية.. سأقضي وقتي مع أمي وأبي وزوجتي وأطفالي، الذين أهملهم لسنوات عديدة بسبب الضرورة”.
قبول الاستقالة وتعيين البديل..
وقوبل نشر الرسالة صمت؛ وقال مسؤولون في الرئاسة إنهم حاولوا دون جدوى الوصول إليه لاستيضاح الأمر.
واستغرقت الحكومة أكثر من 24 ساعة قبل أن ترد ببيان مقتضب من الرئاسة؛ ذكر أن “إردوغان” قبل الاستقالة.
وعينت تركيا، مساء الإثنين، نائب رئيس الوزراء السابق، “لطفي علوان”، في منصب وزير الخزانة والمالية.
تسبب ضرر جسيم لـ”إردوغان” !
وتوالت ردود الأفعال على تلك الاستقالة، فأبدى البعض في حزب “إردوغان” استياءه، وأوضح مسؤول بالحزب أن: “الاستقالة على هذا النحو؛ تسببت في ضرر جسيم لإردوغان والحزب”، مشيرًا إلى مضمون رسالة “آلبيرق” وتأييد “إردوغان” السابق له.
خلافات عائلية..
كما أثارت الاستقالة ردود فعل واسعة من جانب المعارضة التركية، واصفين بأن ما يجري هو “خلافات عائلية”.
إذ قالت رئيسة حزب (IYI)، “ميرال أكشنر”، عبر حسابها في (توتير): “أنت على مفترق طرق أيها الرئيس، (رجب طيب إردوغان)، إما أن تسمع صوت الأمة وتحل مشاكلها وتفعل ما هو ضروري، أو تختار صهرك وتذهب مع صناديق الإقتراع الأولى”.
وقال حزب (الشعب الجمهوري)، وهو حزب المعارضة الرئيس؛ إن استقالة “آلبيرق”، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، غير مسبوقة وترقى إلى حد “أزمة في الدولة”، مضيفًا المتحدث باسم الحزب، “فاتح أوزتراك”؛ أنه: “ليس من الواضح ما إذا كان وزير الخزانة والمالية قد استقال، لكن الخلاف العائلي يدمر الاقتصاد”.
أما رئيس حزب (المستقبل)، “أحمد داود أوغلو”، علق على استقالة “آلبيرق”؛ بالقول: “ما حدث يستلزم تغيير النظام الذي يحول سياستنا ونظام دولتنا إلى نظام عشائري”.
فرض السيطرة على الإعلام والصحافة..
واستنكر رئيس حزب (الديمقراطية والتقدم)، “علي باباغان”، التجاهل الإعلامي لقرار استقالة وزير الخزانة والمالية، “برات آلبيراق”، الذي هز تركيا وأنتبه إليه العالم.
“باباغان”؛ قال خلال مؤتمر حزبه في ولاية “بيلاغيك”، غرب تركيا، أن خطاب استقالة “آلبيرق” على (إنستغرام) أعجب به نحو 3 آلاف شخص خلال دقيقتين فقط، وأضاف أن: “صمت وسائل الإعلام وعدم الحديث عن استقالة الوزير يكشف أنهم في انتظار تعليمات من مكان ما. إعلامنا وصحافتنا لا يمكنها أن تنشر خبر الاستقالة دون الحصول على تعليمات”.
وأكد “باباغان”؛ أن هذا الموقف جعل الشعب التركي يرى مرة أخرى كيفية السيطرة على الإعلام والصحافة، والمعاملة الخاصة التي يحصل عليها الأقارب في المناصب العليا، قائلًا: “لقد شاهدنا مباشرة إفلاس السياسات الاقتصادية الفاشلة التي أفقرت شعبنا. التصريح المعلن مساء أمس هو إعلان الإفلاس وليس الاستقالة. لقد أعلنوا أمس عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إفلاس نظام الحكومة الرئاسي الخاص بهم”.
مزيد من الإرتباك الاقتصادي..
كما استنكر رئيس تحرير صحيفة (قرار) التركية، “إبراهيم كيراس”، تأخر الحكومة في التعامل مع استقالة “بيرات آلبيرق”، من منصب وزير الخزانة والمالية.
وبحسب صحيفة (أحوال) التركية، فقد ألقت استقالة “آلبيرق” بإدارة الحكومة للاقتصاد في مزيد من الإرتباك بعد فترة قصيرة من إقالة رئيس البنك المركزي وتراجع “الليرة” إلى مستوى قياسي.
“فلم يكن آلبيرق يحظى بأية شعبية تذكر في الأوساط السياسية والشعبية، وكان كل رصيده أنه صهر للرئيس؛ ولهذا كانت المطالبات صريحة وخاصة من أوساط المعارضة بإقالته لفشله في إدارة السياسات النقدية”، بحسب الصحيفة.
وعلاوة على مطالبة المعارضة التركية، مرارًا، باستقالة “آلبيرق” نتيجة فشل إدارة الاقتصاد، فقد دشن ناشطون أتراك عبر وسائل التواصل الاجتماعي هاشتاغ ( # BeratAlbayrakİstifa)، الذي يعني “استقالة بيرات آلبيرق”، على (تويتر)، مع مزيد من تدهور “الليرة”، بحسب (أحوال).
تمت إقالته لخلافه مع وزير الداخلية..
فيما قالت صحيفة (سوزغو) التركية، إن “إردوغان” وصهره، تصاعدت بينهما الاشتباكات، بسبب رفض “آلبيرق” تحمل أعباء الأزمة الاقتصادية وحده، في حين أن والد زوجته هو من يتحكم بالسياسات المالية لتركيا، فشكا “آلبيرق” لأحد نواب الحزب الحاكم، قائلاً إنه يتمنى لو لم يتم تعيينه بهذا المنصب؛ وأن يظل وزيرًا للطاقة فقط.
وأضافت الصحيفة، أن “آلبيرق” لم يستقيل وإنما تمت إقالته، فبعد أن نشبت الخلافات والعداوة بين وزير الداخلية التركي ووزير المالية، “آلبيرق”، بسبب اعتراض، “صويلو”، لغيرته الشديدة من نفوذ عائلة “آلبيرق”، وتضخم ثروتهم، وتمتعهم بصلاحيات واسعة، هدد “صويلو”، “آلبيرق”، بالإقالة، وأنه سيدفع “إردوغان” لإقصاء الصهر عن منصبه، كما أدت استقالة “آلبيرق” إلى زيادة قوة “صويلو” ونفوذه داخل حكومة العدالة والتنمية.
ولم يكن “صويلو” ليتجرأ على “آلبيرق”، لولا تصاعد نفوذ حزب (الحركة القومية)، حليف “إردوغان”، فمن المعروف في تركيا أن “صويلو” ينتمي للقوميين، المعروفين بتشددهم وتطرفهم، خاصة بعد أن هددوا “إردوغان” باستقالات جماعية من حزبي (العدالة والتنمية) و(الحركة القومية)، فبدأ “إردوغان” يمهد لإقصاء صهره، فيما رد “آلبيرق” عليه: “لا يمكنك إقصائي، سأستقيل”، تاركًا له خزانة الدولة محملة بالديون الخارجية، وفقًا لتقرير الصحافية، “سيلدا غونيسو”، من (جمهورييت).
وذكرت (جمهورييت)، أن “إردوغان” أراد إجراء تغيير وزاري بشأن الأزمة الاقتصادية، التي تفاقمت مع تفشي الوباء منذ بداية الصيف، لكنه كان ينتظر نتائج الحزمة الاقتصادية الجديدة، التي أعلنها “آلبيرق”، وخلف كواليس الاستقالة قيل أن: “الانتخابات الأميركية كان لها أيضًا تأثير”.
وأوضحت أن أعضاء حزب (العدالة والتنمية)؛ حاولو إقناع “إردوغان” بعدم قبول استقالة “آلبيرق”، خوفًا من اندلاع أزمة بين عائلتي “آلبيرق” و”إردوغان”، وهو ما أفصح عنه الرأي العام التركي، بعد التهديد بقيام عائلة “آلبيرق” بسحب استثماراتها من تركيا، والتي ستعصف بالاقتصاد التركي بشكل خطير.
جزء من حلول تحسين “الليرة”..
وتقود المؤشرات حول طريقة التعاطي الرسمي التركي مع استقالة “آلبيرق” إلى أنها كانت “مدروسة” خطوة بخطوة، أولها عند التعاطي مع الخبر أو التعليق عليه، وصولاً إلى البيان الرئاسي الذي قلل من قرار “آلبيرق”، باعتبار أن ما أقدم عليه هو “إعفاء” وليس “استقالة”.
وفي البيان الرئاسي استخدمت صيغة: “قبول طلب الإعفاء”؛ وليس: “الاستقالة”، وهي دلالة عزاها محللون سياسيون إلى أن: “الرئيس هو من يملك صلاحيات اختيار الوزراء وإعفائهم، وهو صاحب القرار الأول والأخير في ذلك”، وبالتالي فالوزير لا “يستقيل” وإنما “يطلب إعفاءه” من مهمته.
ووفق ما ذكر المحلل السياسي، “سعيد الحاج”، عبر (فيس بوك)؛ فإن صيغة البيان الرئاسي تعتبر: “إحدى إشارات إمتعاض إردوغان من طريقة الاستقالة، ومثلها في وقت سابق استقالة وزير الداخلية، سليمان صويلو”.
وكان مراقبون قد تحدثوا، في الساعات الماضية، عن وجود: “خلاف اقتصادي داخلي”، تبع الإجراءات التي أقدم عليها “إردوغان” في إقالة محافظ البنك المركزي السابق، “مراد أويسال”، وتعيين، “ناجي آغبال”، خلفًا له.
وقال مصدر تركي مطلع على دوائر صنع القرار في تركيا، لموقع (الحرة) الأميركي؛ إن استقالة “آلبيرق” قد تكون جزءًا من الحل الذي تسير فيه الحكومة التركية، من أجل تحسين قيمة “الليرة” أمام “الدولار”، مضيفًا أن الاستقالة: “قد تكون دون علم إردوغان”.
ويتابع المصدر ذاته أن: “ملخص الحل هو إبتعاد بعض الأشخاص النافذين عن القرار الاقتصادي بالشكل العام، من بينهم آلبيرق”.
تراجع سعر “الليرة”..
وتراجع سعر صرف “الليرة” التركية، أمس الثلاثاء، بنسبة 3.8% مقابل “الدولار”. ووفقًا لبيانات وكالة (بلومبيرغ) للأنباء، فإن سعر “الليرة” بلغ 8.3612 ليرة لكل دولار.
وخسرت العُملة التركية نحو 30 في المئة من قيمتها أمام الدولار في 2020، وتزايد معدل التراجع بعدما أبقى “البنك المركزي” التركي، في تشرين أول/أكتوبر الماضي، على سعر الفائدة الرئيس دون تغيير، مخالفًا بذلك توقعات المحللين الذين توقعوا رفع الفائدة للسيطرة على التضخم، ودعم “الليرة”.