لا أدري هل ان ظاهرة الفرهود ، حاجة أم هواية ، هل هي ظاهرة كالفيضان الذي كان يكتسح مدننا ؟ ، لكن بلدنا أكثر بلد أكتنفته موجات (الفرهود) على وجه الأرض ، على الأقل من التاريخ المنظور ، ابتداءً من عام 1948 ، وهو عام (فرهود اليهود) الذي يقال ان أحد مسببيه هي الصهيونية العالمية ، ولو كان ذلك صحيحا ، فنحن الأدوات !.
واستيقظت ظاهرة الفرهود كالمارد من القمقم عند دخول المحتل عام 2003 ، هذه المرة لم نجد من (نفرهدهم) ، فقررنا (فرهدة) انفسنا !.
ولكن الغريب ، اننا لا نزال نعاني من موجات (الفرهود) الذي طال الجميع ، وبدأ يكبر كالسرطان ، فوجدنا انفسنا مفلسين ، مديونين ، هذه المرة فرهود رسمي يسوّغه السياسيون الغرباء عنا بجرّة قلم ، وهذا أكبر فرهود على وجه الأرض وأكثرها ايلاما وتدميرا .
وبدأ الفرهود يتخذ وجوها بشعة ، فهو ليس مجرد سرقة ، انه يعني أيضا استباحة الأعراض والأموال والقتل على الهوية والتهجير ، فتركنا مَنْ يسرقنا وأنشغلنا بأنفسنا التي عجزت أجهزة الأمن عن حمايتها ، ونحن نشهد فرهود للمسيحيين حتى فرغ البلد منهم كيهود عام 1948 ، وفرهود للسنة والشيعة ، وجميع طوائف وأعراق البلد .
مَنْ يذكي ظاهرة الفرهود ؟ انه بالضرورة نفسه ، ولكن مَنْ ؟ هل نحن ؟ هل هي أطراف خارجية ؟ هل هي دورات طبيعية عراقية حتى النخاع ؟ ، هل هيشبحٌ تكمنفي الجانب المظلم من هويتنا ؟
هل من كبيرة ارتكبناها ونحن لا نعلم ، فكانت ذنبا لا يُغتفر ؟ هل من الجريمة أن ولِدْنا عراقيين ؟ فوُضِعَتْ كل أوزار اسلافنا ، وكل ضغائن المتحاربين منذ أدمفي رقابنا ؟ ونرى انفسنا نغرق في عذوبة دجلة والفرات حتى الموت ؟ ونشوى على نار هادئة وقودها نفطنا ؟ ونَغُصّ في خيرات (أرض السواد) ، فنتقيؤها دما ؟ فحتى التمر تحول الى رصاص وكأن النخيل يريد الانتقام منا ، والغيمة تشح علينا بزخة مطر ، فنحن لا نستحقها ، والشمس استبدلت اشعتها ، بشواظ ٍ من نار يسفعنا .
أعترف الأن ، اني هـُزِمت ، خذوا مني العراق واتركوني ، فقد مللت الموت الذي يتربصني قبل الحياة ، خذوا مني هويتي فقد عرضتها على الشارين وما من أحد يطلبها لأنها لعنة ، ولأمُتْ على اي ارض ، وعيناي ترنوان باكيتان على ضريح (علي) ، وسكّان ترابه من المحسودين الأحباء ، ولتذروني الرياح ، وأكون نسيا منسيا ، فلربما يقول أحد : ها هنا كانت نخلة .