خاص : كتبت – نشوى الحفني :
مع فوز “جو بايدن”؛ برئاسة الولايات المتحدة الأميركية، بدت كل دولة من دول العالم تراجع علاقاتها السابقة مع “واشنطن”، وتنظر بتحفظ إلى شكلها المستقبلي مع الرئيس الجديد، سواء كان ذلك من منطلق السياسة الخارجية العامة لأميركا أو من خلال تاريخ الرئيس الجديد وتصريحاته السابقة، ومن أهم الدول التي تنظر بدقة إلى علاقاتها المستقبلية مع أميركا هي “روسيا”، حيث اختلف فريقان في ذلك.
“ستيفن بيغان”، النائب الأول لوزير الخارجية الأميركية، يقول إن الحزبين “الجمهوري” و”الديمقراطي”؛ يرغبان في إيجاد سُبل لتحسين العلاقات مع “روسيا”، موضحًا خلال مؤتمر صحافي عبر الفيديو نظمه “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية”: “هناك رغبة لدى الولايات المتحدة، وهذه الرغبة تتمحور في إيجاد طرق للمضي قدمًا، واستكشاف مجالات التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا”.
وفي وقت سابق، قال المتحدث باسم الرئاسة الروسية، “دميتري بيسكوف”، إن موسكو مستعدة للعمل مع أي رئيس أميركي ينتخبه الأميركيون.
وأشار إلى أن جزءًا كبيرًا من العلاقات بين البلدين في سياق الاستقرار والأمن؛ لا يهم فقط روسيا والولايات المتحدة، بل الكوكب بأسره.
على رأس قائمة أعداء أميركا..
فيما توقع معظم المراقبين ألا يتحرك الرئيس الأميركي المنتخب حديثًا، “جو بايدن”، لإصلاح علاقات بلاده المتدهورة مع روسيا، بل ربما ستحل روسيا في ظل رئاسته محل “الصين” على رأس قائمة أعداء أميركا.
وقال “نيكولاي زلوبين”، مدير “مركز المصالح العالمية” في واشنطن، في حديث لوكالة (إنترفاكس): “أعتقد أن بايدن سينقل روسيا إلى المركز الأول في قائمة الأعداء الأميركية، مزيحًا الصين منه. لذلك أعتقد أنه يمكن للصينيين أن يتنفسوا الصعداء”.
ورجح الخبير: “ألا يكون هناك مثل هذا الضغط الجنوني على الصين، الذي مارسه الرئيس دونالد ترامب”، لكن: “روسيا ستتحول مرة أخرى إلى العدو الأول في الوثائق والسياسات الأميركية، مما يتوافق مع توجهات بايدن السياسية طوال العقود الأخيرة”.
معربًا عن إعتقاده أنه لا ينبغي توقع تغييرًا في سياسة “العقوبات الأميركية” ضد روسيا بعد انتخاب “بايدن”، وقال: “أفضل التوقف عن استخدام كلمة عقوبات، فهذه الكلمة تحمل افتراضًا أن الأمر سينتهي يومًا ما، لكنه ليس كذلك، ففي الظروف الحالية في عالم ما بعد الحرب الباردة؛ أصبحت العقوبات جزءًا من السياسة وأسلوبًا للمنافسة السياسية والاقتصادية، شئنا ذلك أم أبينا”.
وذكّر الخبير؛ بأن العقوبات الرئيسة ضد روسيا تم تبنيها عندما كان “بايدن” نائبًا للرئيس في عهد الرئيس الأميركي السابق، “باراك أوباما”، وأضاف: “لن أجازف بالتنبؤ أن بايدن سيتخلى عن هذه الأساليب”.
لن يعارض نهج أميركا..
بدوره؛ اعتبر “بول كريغ روبرتس”، المساعد السابق لوزير الخزانة في إدارة الرئيس، “رونالد ريغان”؛ أن “بايدن” لن يعارض على الأرجح نهج أجهزة الأمن الأميركية؛ ولن يشرع في إقامة تعاون بين الولايات المتحدة وروسيا.
قائلاً “روبرتس”، في حديث لوكالة (نوفوستي): “يبدو الاحتمال ضئيلاً أن ينتهج الديمقراطيون سياسة ودية تجاه روسيا. تذكروا أن الديمقراطيين ووكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي استخدموا قضية التدخل الروسي المزعوم لمنع ترامب من تطبيع العلاقات مع روسيا”.
مضيفًا أن الأجهزة الأمنية ساعدت الديمقراطيين، على مدى أربع سنوات، في إبقاء “ترامب” في “حالة توتر”، مشيرًا إلى أن: “الوكالات الأمنية بحاجة لتصوير روسيا كعدو، والديمقراطيون لن يعارضوا الأجهزة الأمنية”.
من مؤسسي نظام العقوبات ضد روسيا في عهد “أوباما”..
وفي تقدير مشابه، رجح رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الدوما الروسي، “ليونيد سلوتسكي”، أنه لا يمكن عقد آمال على حدوث تحسن يذكر في العلاقات “الروسية-الأميركية”، خلال ولاية “بايدن”، مذكّرًا بأن الأخير كان من مؤسسي نظام العقوبات ضد روسيا في عهد “أوباما”، كما أنه وصف روسيا بـ”العدو الأول” خلال حملته الانتخابية.
مع ذلك أكد البرلماني الروسي استعداد موسكو للعمل مع أي رئيس أميركي، مشيرًا إلى أنه من غير المستبعد ظهور عناصر إيجابية في السياسة الخارجية لإدارة “بايدن”؛ مثل العودة إلى “اتفاق باريس للمناخ” و”الاتفاق النووي” مع إيران.
قد تكون أكثر قابلية للتنبؤ..
وفي تقرير لـ (BBC عربية)؛ قال “ستيفن روزنبرغ”؛ أن لدى “الكرملين” حاسة سمع حادّة. لذا حين وصف “جو بايدن”، روسيا، بأنها: “التهديد الأكبر” للولايات المتحدة، سُمع بوضوح وقوة في موسكو.
كما يتمتع “الكرملين” بذاكرة جيدة. ففي عام 2011، ورد أن “جو بايدن” قال إنه لو كان “فلاديمير بوتين”، لما ترشح مجددًا في الانتخابات، معتبرًا أن ذلك سيء له وللبلاد. ولن ينسى الرئيس “بوتين” ذلك.
مضيفًا أنه لا يجمع بين الرجلين توافق على أرض الجغرافيا السياسية. وتخشى “موسكو” أن تعني رئاسة “بايدن” المزيد من الضغط والعقوبات المفروضة من قبل “واشنطن”. ومع وجود ديمقراطي في “البيت الأبيض”، هل يكون هذا وقت محاسبة روسيا على تدخلها المزعوم في انتخابات 2016 ؟
ولقد زعمت صحيفة روسية، مؤخرًا؛ أنه خلال عهد “ترامب” تدهورت العلاقات (الأميركية-الروسية) “إلى قاع البحر”. لكنها شبّهت “بايدن”، بـ”الحفّار”، الذي كان سيقوم بـ”الحفر بشكل أعمق”. هذا الشعور لدى موسكو ليس غريبًا.
لكن قد يكون هناك جانب إيجابي واحد بالنسبة لـ”الكرملين”. فالمعلقون الروس يتوقعون أن تكون إدارة “بايدن”، على الأقل، أكثر قابلية للتنبؤ من فريق “ترامب”.
وقد يسهل ذلك التوصل إلى اتفاق بشأن القضايا الملحة، مثل التوصل إلى معاهدة “روسية-أميركية” جديدة لخفض الأسلحة النووية؛ بدلاً من تلك التي ينقضي أجلها، في شباط/فبراير المقبل.
وتريد موسكو تجاوز عهد “ترامب”؛ ومحاولة بناء علاقة عمل مع الإدارة الجديدة في “البيت الأبيض”. لكن لا شيء يضمن نجاحها في ذلك.
استعداد لخطاب عدائي..
قالت صحيفة (فاينانشيال تايمز) البريطانية؛ إن موسكو تستعد لخطاب معادٍ لروسيا من الولايات المتحدة ومزيد من المواجهة مع انتخاب “جو بايدن”، رئيسًا لأميركا.
وأشارت الصحيفة إلى أن موسكو لم يكن لديها حماس كبير، سواء لسياسة إدارة “ترامب” أو الخطاب القاسي المعادِ لها من منافسه الديمقراطي في الانتخابات، وفي حين أن بعض المسئولين الروس يعتقدون أن وجود إدارة جديدة في حد ذاته يمثل احتمالية التغيير، فإن كثيرين ليس لديهم آمال فترة قصيرة المدى بشأن العلاقات التي تواجه الآن تراجعًا تاريخيًا.
ونقلت (فاينانشيال تايمز)، عن “ديمترى درينين”، مدير مركز “كارنيغي” موسكو، قوله إن “بايدن” سيغير بالتأكيد أسلوب السياسة الخارجية الأميركية، لكنه لن يكون قادرًا أو مستعدًا لقلب بعض الاتجاهات الرئيسة فيها، متوقعًا أن تستمر المواجهة مع روسيا.
وحتى مساء أمس الأول الأحد؛ لم يرسل “الكرملين” رسالة للرئيس المنتخب بشأن انتصاره.
وتشير (فاينانشيال تايمز) إلى أن موسكو مستعدة لعودة من جديد للخطاب المعادي لروسيا في واشنطن، في الأيام الأولى لإدارة “بايدن”، وتشعر بقلق إزاء مشروعات القوانين المطروحة الآن في “الكونغرس”، والتي من شأنها أن تزيد تأثير العقوبات المفروضة عليها. وكان “بايدن” قد تعهد بتشديد موقف واشنطن إزاء موسكو، وسعى لمواجهة العدوان الروسي بإعادة تأكيد مشاركة أميركا في (الناتو) ووضع حقوق الإنسان ومكافحة الفساد في طليعة سياسته الخارجية.
وقال “بايدن”، في مقال له في الربيع الماضي؛ إنه يجب فرض ثمن حقيقي على “روسيا” لإنتهاكها للتقاليد الدولية والوقوف مع المجتمع المدني الروسي؛ الذي وقف بشجاعة مرارًا وتكرارًا أمام نظام حكم “فلاديمير بوتين” المستبد.
وتذهب الصحيفة البريطانية إلى القول إن المسؤولين الأوروبيين يأملون أن يخفف “بايدن” لهجة أميركا مع حلفائها التقليديين، إلا أن بعض المسؤولين الغربيين في العاصمة الأميركية يستعدون لتغيير جذري فيما يتعلق بالعلاقات “الأميركية-الروسية”.
“لا لإعادة الضبط“ !
وأشار تقرير لموقع (فويس أوف أميركا) إلى أن “جو بايدن”، الرئيس الأميركي المنتخب، والذي كان نائبًا للرئيس الأسبق، “باراك أوباما”، سيتبع نهج سياسة مختلف تجاه روسيا عن الرئيس المنتهية ولايته، “دونالد ترامب”، وأيضًا على عكس أسلافه، “جورج دبليو بوش” و”أوباما”، اللذين سعيا إلى تحسين العلاقات “الأميركية-الروسية”.
وخلال حملته الرئاسية، سعى “بايدن” إلى تمييز نفسه عن الرئيس، “دونالد ترامب”، فيما يتعلق بروسيا، واتهم منافسه بالتساهل مع “بوتين”، كما اتهمه بإلتزام الصمت إزاء قضية تسميم المعارض الروسي، “أليكس نافالني”.
وتوقع “ديفيد كرامر”، الذي كان مساعدًا لوزير الخارجية في إدارة “بوش” الابن؛ ألّا يمد “بايدن” يده لروسيا، مشيرًا إلى أن موسكو شنت خلال موسم الانتخابات الرئاسية حملة تضليل ضده.
وأضاف “كرامر” قائلاً: “لا إعادة ضبط”، في إشارة منه إلى إعادة سياسة “إعادة ضبط” العلاقات التي تبناها “أوباما”؛ وباءت بالفشل، ويعتقد “كرامر” أنه سيتعين على “بايدن” التركيز بشكل كبير على القضايا المحلية، بما فيها جائحة (كورونا) وتداعياتها الاقتصادية.
وأشار “كرامر” إلى أن روسيا لن تكون ضمن أولويات أجندة سياسة “بايدن” الخارجية، وسوف “يتعين عليه تكريس وقته المحدود لحل المشاكل” مع الحلفاء عبر “الأطلسي”.
وسبق أن التقى “بايدن” و”بوتين”، لكن دون الكثير من الود، وكان “بايدن” قال في مقابلة مع (ذا نيويوركر)، عام 2011، عندما كان نائبًا لـ”أوباما”، إنه قال لـ”بوتين”، في أحد الاجتماعات؛ “أنا أنظر في عينيك، ولا أعتقد أن لديك روحًا”، فنظر إليه “بوتين”؛ “وابتسم وقال: نحن نفهم بعضنا البعض”.
وبصفة عامة، يرى المحللون أن أي جهد لإعادة ضبط العلاقات سيكون معقدًا، وذلك بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا والتي فرضتها إدارتا “أوباما” و”ترامب”.
هذه الإجراءات ستترك أمام “بايدن”: “مساحة صغيرة للمناورة، ومن غير المرجح أن يقوم برفع هذه العقوبات، في حين تقول القوى الغربية إن روسيا تشن هجمات إلكترونية ضدها”.
العداء السيبراني..
ويقول دبلوماسيون غربيون سابقون إن العداء من المرجح أن يستمر بين “واشنطن” و”موسكو” طالما يسعى “الكرملين” لتقويض المؤسسات الديمقراطية الغربية.
وفي وقت سابق كشف المستشار، “مارك سيدويل”، وهو مستشار أمني سابق لرئيس الوزراء البريطاني، “بوريس غونسون”، أن بريطانيا شنت سلسلة من الهجمات الإلكترونية السرية على القادة الروس للانتقام من هجومهم السيبراني على الغرب.
وتخوض الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى صراعًا مع روسيا حول مجموعة من القضايا؛ كضم شبه جزيرة “القرم” والاضطرابات المؤيدة لموسكو في شرق “أوكرانيا” ودعم الرئيس السوري، “بشار الأسد”.
وتتوقع “هيدز ويليامز”، من مؤسسة “تشاتام هاوس” البريطانية؛ أن تركز إدارة “بايدن” على مجالين رئيسيين، وهما إعادة العمل على الحد من التسلح؛ وتعزيز قوة حلف (الناتو) للتصدي للمغامرات الروسية.